من المعروف أن السمة المشتركة للقاءات القمة العربية السابقة غالبا ما كانت عبارة عن لقاءات لتسوية الخلافات بين المختلفين من الزعماء العرب، والمجاملات وتقوية أواصر العلاقات بين البعض الآخر. وأنها عبارة عن قمم أشخاص وحكومات أكثر مما هي قمم شعوب أو تعبر عن مصالح شعوب لديها من المصالح والمشتركات الكثيرة مثل التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والثقافة والدين وغيرها. فالقمم العربية، لم تحقق سوقا مشتركة مثلا أو شراكة اقتصادية بين دولها، كما لم تلغ التأشيرة بين دولها، فضلا عن عدم إصدار بطاقة هوية موحدة. ولم تنجز مشاريع علمية أو مؤسسات تعليمية مشتركة أو بنوك معلومات موحدة، ولا تسهيلات عمالة ولا تنقل أموال ولا تسهيلات استثمارية عملة موحدة، ولا مواقفا موحدة إزاء القضايا العربية المصيرية مثل فلسطين، ولم يحصل إجماع حقيقي على حل قضايا حساسة جدا مثل غزو العراق للكويت.
فما لذي تعيده قمة تعقد في بغداد في هذا الظرف؟
إذا كان من دواعيها quot;إعادة العراق للصف العربيquot;، كما يدعي البعض، فالعراق، لغته وثقافته، وهوية غالبية شعبه عربية، شاء من شاء وأبى من أبى. حتى لو قاطعته الجامعة العربية. فالانضمام للجامعة العربية ليس quot;صك غفرانquot; يمنح ولا بطاقة هوية. فهل شعب الصومال أو جيبوتي أو جزر القمر، عربية، مثلا بانضمام هذه البلدان إلى الجامعة العربية؟
إن عقد القمة العربية ببغداد قد كلف العراق مليارا و250 مليون دولار، أنفقت على أعمال ترميم وتزيين الشوارع وشركة إعداد طعام استقدمت بطاقمها وعمالها، وشركة حماية أمنية، وما إلى ذلك. كما كلفت القمة قطع الاتصالات التليفونية، يوم انعقادها وإيقاف الدوام الرسمي في البلد لمدة أسبوع ونشر حوالي 100 ألف عسكري في العاصمة وخاصة محيط انعقاد القمة والمطار. وهذه الإجراءات الأمنية الأخيرة وخاصة إعلان ما يشيه حظر التجوال أعطى انطباعا عن أن الوضع غير امن فعلا في بغداد، وكان يمكن أن تعد إجراءات وقائية مسبقة وان تستقدم أجهزة تفتيش ورقابة كاميرات مثلا قبل مدة زمنية معقولة تجنب الحكومة اللجوء إلى هذه الإجراءات.
إذا ما كانت هناك من جهة أو شخص قد كسب من القمة العربية الأخيرة ببغداد، فهو السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي. والمكاسب تكاد تكون شخصية أكثر منها مكاسب لحكومته أو بلده. فانعقاد القمة ببغداد كان رهانا كبيرا بالنسبة له، من اجل (تسجيل حضور عربي)، يفك عزلته وعزلة حكومته في المحيط العربي الخليجي خاصة. كذلك يحقق له نصرا على خصومه في الداخل الذين طالما استندوا إلى الموقف العربي من اجل عزله.
ولعله (المالكي) قد راهن على القضايا الثنائية العالقة مع بعض البلدان العربية مع العراق، وموقفه تجاه المعضلة السورية التي بدا انه مؤيد للنظام السوري طيلة مدتها، إلى غاية قرب انعقاد القمة حيث بدأت الاتصالات معه من قبل بعض الإطراف العربية التي تدعم المعارضة السورية، حين حضر وزير الإعلام الإماراتي إلى بغداد قبل حوالي أسبوعين من وقت انعقاد القمة، مفاوضا عن الطرف الخليجي، ليثمر اللقاء تغيرا في الموقف الحكومي العراقي فيما يتعلق بالشأن السوري. تبعها بأيام عزم المملكة العربية السعودية تعيين سفير لها في بغداد بعد قطيعة بدأت بعد غزو العراق للكويت عام 1990، كما أعلن اشتراك المملكة في القمة. وجاء هذا متزامن مع إعلان quot;صفقة تبادل السجناء بين العراق والسعوديةquot;.
ثم بعدها قيام المالكي بزيارة الكويت ولقائه أميرها وإعلان حل العديد من المشاكل العالقة، (أهمها) quot;الاتفاق على البدء بصيانة العلامات الحدوديةquot;. وهو تعبير مبهم حقيقة، لا يوضح جوهر المشكلة، وكيفية حلها.
كذلك أعلن التوصل إلى اتفاق لحل مشكلة الخطوط الجوية الكويتية، حيث سيدفع العراق بموجب الاتفاق تعويضا بـ500 مليون دولار، يدفع منها العراق 300 مليون نقدا، بينما الـ200 مليون الباقية تستثمر لمصلحة الخطوط الكويتية في شركة طيران عراقية كويتية مشتركة.
من جانب آخر أعلن عن قبول العراق دفع ما يعرف بـ(الحوالات الصفراء)، التي تشير إلى تعويضات للمصريين الذين كانوا يقيمون في العراق، وقت حدوث غزو الكويت والحرب التي أعقبته من اجل تحريرها. وتقدر هذه التعويضات بـ 408 ملايين دولار. وفي هذا السياق وإزاء تأخر سداد ما سماه بـ(الديون العراقية لمستحقيها المصريين)، فقد حذر رئيس لجنة القوى العاملة في مجلس الشعب المصري العراق ما اسماها بغضبة الجانب المصري لتأخر صرف أموال الحوالات الصفراء مطالباً بمقاطعة القمة العربية في بغداد.
في حين عبر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، عن حقيقة موجة التغير التي شهدتها بعض بلدان العالم العربي حينما مثل موقف شعبه من خلال نبذ الإرهاب، بالاعتذار للشعب العراقي عما سببه بعض التونسيين الذين استهدفوا الأبرياء من الشعب العراقي، وطلب من الحكومة العراقية النظر بعين العطف وإطلاق سراح المعتقلين المتبقين بتهم أخرى. ما يعني أن حضوره لم يكن مشروطا.
فأية مكاسب حققتها القمة العربية للشعب العراقي، في وقت رفض فيه قادة او ممثلي بعض الدول العربية التي طالبها العراق باسقاط الديون المترتبة عليه، رفضوا مناقشة او طرح الموضوع؟ بينما بقي يتناهى إلى ذهن المواطن العراقي والمتابع للشأن سؤال عريض مفاده: ترى ماهي التنازلات الحقيقية التي قدمها المالكي من اجل انعقاد هذه القمة في بغداد؟
www.al-hashimi.blog.com
التعليقات