تناقلت الأخبار من العراق عمليات استهداف مروعة لأفراد الايمو، وبشكل وحشي دون سابق إنذار، وذلك عشية رواج بيانات تعريفية عامة عن هذه الجماعة، نقلت من مواقع عالمية عن ميولها وتوجهاتها وأطباعها، تزامن ذلك مع إشاعة أخبار عن وجود ما سمي بـ(مصاصي دماء) في منطقة الكاظمية تحديدا في بغداد.
تبدو الحكاية وكأنها عملية مفبركة أو مبرمجة مسبقا، لتصل إلى ما هو عليه من حال.
فقد تم استغلال جهل عامة الناس بهذه الظاهرة، ومتخذيها في العراق بصورة خاصة، من جانب، وشبه انفلات للوضع الأمني من جانب آخر، والنظرة غير المتسامحة من قبل المجتمع مع quot;الشاذين جنسيا السلبيينquot; أو بتعبير آخر quot;المخنثينquot;. فتم الخلط بين هذه وتلك. كما أن سلبية الحكومة عامة والأجهزة الأمنية خاصة في مسألة حماية القانون والتفريق بين معتقداتهم الدينية والمذهبية واتجاهاتهم الحزبية وبين صيانة الدستور والحقوق المدنية التي اقرها، وتطبيق القانون بموضوعية، هو ما يفضي إلى مثل هكذا نتيجة، وتكون أشدها في المناطق الشعبية الأكثر محافظة وانغلاقا.
كل هذه الأمور ساعدت على تنفيذ الجرائم المهولة التي تتنافى مع القوانين والقيم الدينية والأعراف الاجتماعية. والمعروف العراق أن لم يشهد يوما موجة اعتداء على أشخاص نتيجة تميز اكسسواراتهم أو قصات الشعر أو ملابسهم المميزة، أو متعاطي الخمور أو نتيجة اتجاهاتهم الفكرية، بما فيها توجهات الإلحاد والكفر.
لازلنا نتذكر في مراحل قريبة ما من حياتنا، كيف كان المجتمع يتسامح حتى مع الشواذ جنسيا، وان كان من موقف ما أو أسلوب يحارب الظاهرة، فهو النكات والسخرية والمقاطعة. وغالبا ما ينظر لهم على أنهم مرضى، يصعب علاجهم.
لعلي لا أبالغ إن قلت انه نادرا أن تجد بيتا يخلو من شخص لا يصلي أو لم يصل إطلاقا في حياته، على اقل تقدير، ناهيك عن نسب كبيرة ممن يتعاطون الخمر، ومن يجاهر بإلحاده مثلا، ومع ذلك فالمجتمع يقبله، ليس بفعل الضبط الأمني والقانوني، إنما نتيجة تسامح المجتمع.
والآن والمآل هذا، فهو لا يمكن أن يفسر إلا في خانة التردي القيمي والضعف الأمني وانحدار المؤسسة الأمنية وانحيازها لتوجهاتها وميولها عوضا عن ولائها للقانون الرسمي.
أقول انحدار قيمي بما فيه المعتقد الديني، لأننا نعلم أن الدين الإسلامي لا يقيم حدا وفق اجتهاد أشخاص غير مؤهلين، ومجهولين. وليس على الظن أو الهيئة واللباس، إنما يتطلب الأدلة والشهود، وإقرار المذنب. بعد ذلك يقام عليه الحد الشرعي من قبل قاض شرعي معين أو متفق عليه، وفي ظل نظام يطبق الشريعة الإسلامية. فكيف لعصابات أو مليشيات أن تشرع وتفتي وتنفذ على غير كل ذلك. كما إن التهمة أو (الجريمة) بحد ذاتها لا تستحق عقوبة القتل أصلا. فلا اللباس ولا قصة الشعر تستحق القتل ولا حتى الشذوذ الجنسي. فهناك أحكام يمكن لمن يريد الاستزادة البحث أو السؤال عنها لدى المعنيين.
علما أن التيار الصدري قد نفى تورط أتباعه في القتل، كما نقل عن المرجع السيستاني quot;إن استهداف شباب الإيمو ldquo;مل إرهابي واعتبره ظاهرة سيئة على مشروع التعايش السلمي في العراقquot;.
ترى بأي داع يقتل هؤلاء، ويقض السلم الأهلي والحريات المدنية والفردية المسالمة وتشوه صورة العراق إلى هذه الدرجة؟؟
أما كان الأجدر بأي جهة مسؤولة مدعية الحرص على الدين والقيم أن تحاول محاورة هؤلاء البسطاء المسالمين، فضلا عن دراستهم ومعرفة حقيقة واقع ومديات هذه التقليعة بين أعداد فقط ولم تصل إلى مستوى الظاهرة في المجتمع بعد.
الغريب في الأمر وهو المؤشر الكبير على تواطيء أو هزال الحكومة وأجهزتها الأمنية، هو تجاهل هذه الأحداث المهولة، دون اتخاذ إجراءات تحقيقية سريعة من شانها أن تعيد الثقة للمواطن العادي بأنه يعيش في quot;دولة قانونquot;، وللعالم بأننا نسير بركب الحضارة إلى الأمام وليس العودة قرونا إلى الوراء في وقت أصبح فيه كل شيء مكشوفا للعالم. لقد اكتفت وزارة الداخلية ببيان رسمي أوضحت فيه أنه ldquo;لم تسجل أي حالات قتل لمقلدي ظاهرة الإيمو خلال الفترة الماضية، وأن جميع حالات القتل التي أشيع عنها في وسائل الإعلام كانت لأسباب ثأرية واجتماعية وإجرامية تحدث دائماًrdquo;.
www.al-hashimi.blog.com