التسجيل الصوتي الذي تناقلته وسائل الإعلام المصرية لمدير المخابرات السابق عمر سليمان الأسبوع الماضي، والذي تحدث فيه عن علاقة الإخوان المسلمين بجهاز الاستخبارات المصرية، فتح لنا زوايا كل ما بدا منها فوق السطح كان يختلف تماماً عما يجري تحته، ودفعنا للبحث بجدية حول علاقة السلطة بالجماعات الإسلامية، والعلاقة الحوارية التي كانت تجري بين الطرفين في الخفاء وأهدافها ومداها.
سليمان تحدث عن العام 1991 - منذ تولي شئون المخابرات ndash; وأكد أن علاقة جهاز الاستخبارات المصرية بجماعة الإخوان توطدت، بعد أن قرر مبارك مواجهة جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وكان الجهاز يريد احتضان الإخوان حتى لا تقدم دعماً إعلامياً وماليًا ولوجستيًا لهما، وأكد على أن جهاز المخابرات حافظ على الإخوان خلال فترة ملاحقة النظام لتنظيم الجهاد في التسعينات، ولم يتعرض أي من أنصار الجماعة للاعتقال، كما أن الدولة كانت حريصة على انخراطهم في المجتمع بشكل طبيعي، إلا أن إصرارهم على القفز على السلطة حوّل طبيعة العلاقة بين الطرفين، وتم اعتقال أعداد كبيرة منهم مرة أخرى بعد مرور فترة التسعينات.
استطرد سليمان، في تسجيله الصوتي، وأكد أن الإخوان أخبرته عن نيتها في تأسيسي حزب خاص بها، فأكد لهم على أنه يؤيد تلك الفكرة ويرحب بها جدًا، لكن بشرط أن يتم حل الجماعة، فإما الحزب وإما الجماعة، لكنهم رفضوا ذلك، وقال quot;أكيد هم أدركوا الآن الإشكاليات التي يواجهونها بسبب وجود الحزب والجماعة معًاquot;.
ما يؤكد حديث سليمان هو نائب المرشد السابق للإخوان د. محمد حبيب الذي أكد في حوار تلفزيوني أنه ذهب للحوار أكثر من مرة هو والمرشد السابق أ.عاكف إلى مقر المخابرات للتحاور مع بعض الضباط، وأشار إلى الاتفاقات التي كانت تجري بينهم حول عدد مقاعد مجلس الشعب التي سيحصل عليها الإخوان في الانتخابات، وإلى الحوار حول ملفات أخرى متعددة بين الجماعة والنظام.
بنفس الطريقة ذاتها قاد جهاز الأمن المصري عددًا من الحوارات على مراحل وسنوات متعددة مع جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، على عدة نواحي أهمها الحوار الفردي مع بعض الأفراد أو مع العائدين من المعتقل من أجل صرفهم عن الانتماء للتنظيم، والناحية الأخرى وهي الحوار داخل السجون أو الحوار عن طريق بعض العلماء في المساجد وقد فشلت هذه الناحية تماماً، وأما الناحية الثالثة وهي التي تتم عن طريق مندوبي التفاوض من الجماعة مع ضباط الأمن، وقد كانت التفاصيل الدقيقة لا يعلمها إلا الطرفين فقط، وقد كان غرض هذه السياسة هو تهدئة الأجواء وتنقية الظروف التي تسمح بالهدوء، وفي بعض الأحيان محاولات أمنية للتجنيد.
وهنا نتساءل حول الاتفاق القديم بين الإخوان والمخابرات على الجماعات الإسلامية الأخرى ومدى شرعيته وجوازه، كما نتساءل عن تصريحات الإخوان وإعلانهم مراراً أن تجربة الخمسينات والصدام مع عبد الناصر والجيش لن تتكرر، وأنهم استوعبوا الدرس جيدًا، فهل هذا كان بإيعاز من حوارات كانت تجري في الخفاء حتى أنهم كانوا يقدمون رجلاً إلى الثورة ورجلاً خارجها بالتفاوض مع عمر سليمان، وفي يوم اقتحام مبنى أمن الدولة الرئيسي في مدينة نصر، وأمن الدولة في الإسكندرية كان الإخوان يقيمون دورة كروية عامة لشبابهم ويقيمون بعض الاحتفالات بنجاح الثورة في المحافظات!!.
لقد شارك الإخوان بشكل غير رسمي، وعندما أدركوا أن المظاهرات تحولت إلى ثورة شعبية، نزلوا الشوارع والميادين بقوتهم الكاملة، ولكن ذلك لم يلغ الحوار مع المخابرات، والخلافات داخل التنظيم، فعندما دعاهم عمر سليمان إلى الحوار حدث خلاف شديد داخل مكتب الإرشاد، انتهى بقبولهم الدعوة، ورأينا قياداتهم إلى جانب عمر سليمان ورفعت السعيد، وتحت صورة ضخمة لحسني مبارك.
كما نتساءل عن المليونيات التي لم يشارك فيها الإخوان مع القوى الثورية الأخرى، ثم تحولهم فجأة للمشاركة في المليونية الأخيرة يوم 20 إبريل، هل هذا بسبب توتر تلك العلاقة الحوارية؟
وسؤال الختام هل نزول الشاطر وعمر سليمان ثم محمد مرسي إلى الانتخابات الرئاسية، وأحكام اللجنة الرئاسية هل باتفاق أيضًا؟!
إنني لا أظن ظناً سيئاً حاشا لله، ولكنني أشير إلى تلك الطريقة التي اتبعها الإخوان أنها هي الطريقة التي تعودوا عليها دائماً من إمساك العصا من المنتصف، وتلك هي الطريقة التي يعرفها الجيش فكان يقدم لهم بعض المكاسب ومنها أن جعل اثنين منهم وهم طارق البشري وصبحي صالح في لجنة إعداد اللوائح الدستورية التي عرضت على الاستفتاء الشعبي.
إن التاريخ ليؤكد أن هناك أحداثاً كتبت في تاريخ الإخوان وقعت ما بين التهويل والتضخيم، أو بين التضليل والكذب، أو لم تكتب أصلاً وسكت عنها، وإلى هذه اللحظة لم يكتب الإخوان تاريخهم بشكل حقيقي، بل لم يعترفوا بأخطائهم التي وقعوا فيها كحادث المنشية، أو الاغتيالات التي كانوا يقومون بها قبل ثورة 52، ولكن أكبر شيء مسكوت عنه، هو علاقة الإخوان بالأنظمة، وبالتحديد أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، والتمويل، والاغتيالات، وما قاله سليمان لا يعدو كونه فروع من أصول، وقشور من جذور،وهناك تفسيرات لكثير من الأحداث لن نستطيع أن نعرفها أو ندركها إلا بمعرفة الكثير من الملفات والقضايا، وأسرار ما كان يجري داخل الغرف المغلقة في مدينة نصر، والمجموعة 75، وأمن الدولة، وأظن أن هذا اليوم قد اقترب.
التعليقات