البيان الذي أصدره quot;حزب التحرير الإسلامي ولاية مصرquot; يوم الاثنين 10 من جمادى الأولى 1433هـ، والذي اعترض فيه على اللجنة التأسيسية للدستور في مصر، وقال فيه quot;إنه يجب أن يكون الدستور إسلاميا منبثقا من العقيدة الإسلامية فقط، ولا عبرة للأكثرية أو الأقلية، ومن ثم هذا الظهور لحزب لم نكن نسمع عن أي بيان له منذ أكثر من ثلاثين عاماً، والبيانات المتوالية للتيار السلفي الجهادي، والتي ظهرت فجأة في مصر بعد نظام مبارك، يمكن أن تصل بنا إلى أنه لا تعارض مطلقًا بين مدى استمرارية تنظيم القاعدة وعودته بقوة وعنف، ومدى التحولات التي يمكن أن يكون عليها هذا التنظيم بعد تلك التغييرات السياسية التي حدثت في مصر، وهذا المحدد هو أن القاعدة وتنظيماتها الفرعية طوال تاريخها تعتمد على البحث عن نقطة ارتكاز آمنة للتنظيم والانطلاق منها، والتي من المرجح أن تكون قد أصبحت هي مصر أو الدول التي اتسعت بها حالياً مساحة الحرية للإسلاميين.
ببساطة سنجد أن القيادات الحقيقية للتنظيم هي مصرية ولم تكن بن لادن في المقام الأول، كالظواهري وأبو عبيدة البنشيري، كما أن اعتماد القاعدة على عدم المركزية الإدارية، واستقراره دائماً بمنطقة بها فوضى سياسية، وتركيزه جهده على الخارج المُحتل أو ما يسمى في أدبيات هذه التنظيمات بالعدو القريب والعدو البعيد يدلل على أن مصر كدولة غاب فيها المشهد الأمني ستصبح نقطة آمنة وفاعلة مرجحة للظهور، بعد فترات طويلة بحث فيها أتباع القاعدة عن نقط آمنة ينطلقون منها لحربهم غير الطبيعية على العالم، فكانت في سنين طويلة أفغانستان وباكستان، ثم السودان أيام الترابي، ولما وجد فوضى سياسية في الصومال انطلق إليها، وانتهى ذلك إلى أن القاعدة أصبحت لها نقطة ارتكاز تعتمد عليها مركزياً، ونشطت عبر عشرات وربما مئات، الخلايا في مختلف أنحاء العالم، أو من خلال علاقات تحالفية مع جماعات ولدت محلياً وباستقلال عن التنظيم الأم.
وحينما أعلن الظواهري وقف عملياته في مصر لعدم القدرة، لم تكن عينه تغيب عنها، لأنها المكان الحقيقي الذي يفرز أكبر عدد من القياديين في عمليات القاعدة، ولأن الظواهري وغيره من الجهاديين الإسلاميين حول العالم يرون أنه يجب التركيز على الاستيلاء على الحكم في مصر، لتكون القاعدة والمنطلق الذي تنطلق منه عملية التغيير الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لما لمصر (في رأيهم) من تاريخ ومكانة وإمكانيات وموقع جغرافي هام, وقد ساقوا أدلتهم على هذا الطرح في العديد من أدبياتهم السياسية مثل كتاب quot;فلسفة المواجهةquot; وغيرها.
وقد ظل هذا التنظيم يعتمد على الانتقائية في عدده ولا يعتمد على الكثرة، في الوقت الذي كان أغلب عناصره القيادية، غير مشهورين بالمرة، وجاءوا من خلفية شبابية عادية، وطبقاً لهذا التصور، تشكلت القاعدة في مصر، وأصبحت أكثر خطراً، وأوسع انتشاراً، لأن خلاياها ومجموعاتها لم تعد تحتاج تخطيطاً أو قراراً مركزياً لتنفيذ هجماتها، وأوسع انتشاراً لأنها لم تعد تقتصر على العناصر والخلايا المرتبطة بقيادة القاعدة المفترض أنها تختبئ في مكان ما على الحدود الأفغانية ndash; الباكستانية، بل تضم قطاعاً كبيراً من العناصر والخلايا والمجموعات.
ولا يوجد خلاف أبدًا أنه لا تأثير على ما حدث من تغيير نظام مبارك على رؤية ووضع القاعدة، حيث يرى الظواهري في إحدى رسائله المصورة، quot;أن التغيير في مصر يمكن أن ينجح إذا راعى العاملون له سنن التاريخ وطبائع الشعوب، وحرصوا على توفير مقوماته، وانتهاز فرصه، ومن أهم مقوماته وجود القاعدة الآمنة وحشد التأييد الشعبيquot;.
ثم يستطرد شارحا في أحد الفيديوهات على اليوتيوب تصوره عن كيفية حشد الجماهير فيقول quot;وأهم قضيةٍ يحتشد حولها العرب والمسلمون هي قتال اليهود والصليبيين الغزاة لديار المسلمينquot;، ويحرض الشعب على الاحتجاجات فيقول quot;على العمال والموظفين والطلاب أن ينقلوا غضبهم للشارع، وعليهم أن يجعلوا المساجد والمصانع والجامعات والمعاهد والثانويات بؤراً لدعم الجهاد والمقاومةquot;.
ربما كان هناك نقص في المعلومات التفصيلية عن القاعدة، الملقبة بتنظيم الجهاد في مصر، وعن الشباب المنتمين لها في مصر الآن, وكذلك غياب صورة واضحة عن طبيعة مشكلاتها الهيكلية وجوانب كل من التميز والضعف فيها، بسبب أنها تنظيم سري، ولا يعتمد على العلنية، لكن تظل هناك أمور واضحة هي، أن القاعدة وتنظيم الجهاد المصري في طبيعة علاقتهما بجماهير الناس، الذين يعملان في محيطهم بصفة عامة، لهم طبيعة منغلقة، ويفضلون الانتقائية عبر قضايا تعميمية أغلبها حاليًا هو عدم انتفاء الأسباب التي تمنع من جهاد القاعدة مثل مشكلة فلسطين، والعداء للغرب.
وحتى وإن تغيرت مصر بعد 25 يناير، فإن مقاصد الفِكر القاعِديّ لا تزال فاعِلة مَرغوبة في مقاومة الاحتلال لبلدان العالم الإسلامي والاحتلال الصهيونيّ، وهو ما لم ولن يتبدل أو يتحول، طالما أن الظواهري تولى فعليًا قيادة تنظيم القاعدة وهو الذي يضع عينه منذ زمن طويل على مصر، وطالما أن هناك قوى محتلة تقبع على أرضٍ مسلمة، وطالما أصبحت هناك قضايا عالقة دون حلول ومعالجات جذرية؛ فإن ذلك سوف يعزز من قدرة التنظيم على الاستمرار، بل ربما يؤدى إلى ظهور تنظيمات أخرى على شاكلته، وقيادات أخرى على شاكلة بن لادن والظواهري.
وفى ضوء ما سبق، يمكن القول، إن تغيير نظام مبارك أدى وجود نقطة آمنة لأعضاء القاعدة غير المطلوبين أمنيًا وأمريكيًا، كالمفرج عنهم من السجون، أو العائدين من الهجرة واللجوء السياسي، وأدى إلى ظهور أحزاب جهادية كحزب التحرير، وهؤلاء قد يكونون هم الذراع الدعوية الإعلامية، لتنظيم القاعدة الجديد، كما أنه جعل مصر الآن تعود كفترة السبعينات حقلاً خصبًا للجهاديين، بسبب الحريات غير المنضبطة قانونياً، وعاد تنظيم القاعدة quot;الجهاد سابقاًquot; من مصر وإلى مصر.