بشرى سارة للشعب الفلسطيني من محمود الزهار
الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة ومنافي الشتات مشغول ومهموم منذ أسابيع بوضع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، هؤلاء الأسرى الذين يشكّل وضعهم خاصة المضربون عن الطعام منهم، وصمة عار لا مثيل لها تضاف لسجل الاحتلال الذي لا مثيل له في سلوكه المشين الذي لا يعترف بأية اتفاقيات دولية أو سلوكيات أخلاقية، وإلا كيف يمكن وصف وضعية هؤلاء الأسرى الذين بلغ عددهم في سجون الاحتلال منذ عم 1967 قرابة ثمانمائة ألف أسير أي ما يعادل نسبة 20 % من مجموع سكان القطاع والضفة، أمضوا فترات متفاوتة في السجون الاحتلالية خاصة ما يطلق عليه (السجن الانعزالي) أو (الاعتقال الإداري) الذي يعني أنّه لا توجد أية تهمة لدى سلطات الاحتلال ضد هذا الأسير، ولكن الأمر مجرد مزاج وتسلية احتلالية مرفوضة بكافة المقاييس والأعراف، رغم سكوت العالم أجمع على استمرار هذا الوضع اللاإنساني الذي لا مثيل له في العالم أجمع. ويكفي التذكير أنّه منذ اندلاع ما أطلق عليه انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000 بلغ عدد الاعتقالات الاحتلالية للفلسطينيين ما يزيد على أربعين ألف معتقل، موزعين على ما يزيد على ثلاثين معتقلا وسجنا ومراكز توقيف واعتقال وسجون انفرادية. ويكفي للتعرف على الوضع المأساوي لهؤلاء الأسرى الأبطال، هذه الفقرة من رسالة الأسير السابق (عبد الناصر الفراونة) والباحث المتخصص في شؤون الأسرى التي وجهها لمن لا يسمعون ولا يقرأون في القمة العربية التي عقدت في بغداد نهاية مارس 2012، إذ ورد في رسالته:
(نخاطبكم اليوم وعيوننا وقلوبنا قلقة على حياة قرابة (4700) أسير فلسطيني وعربي يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم (185) طفلاً، و(9) أسيرات، و(320) معتقلاً ادارياً، و(27) نائباً بالإضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين، ومئات المرضى ممن يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، بل وخبيثة أيضاً، نخاطبكم لنذكركم بوجود (120) أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو1994، فيما الأكثر ألماً أن بين هؤلاء يوجد (59) أسيراً معتقلين منذ أكثر من عشرين عاماً، وبينهم أيضا (23) أسيرا مضى على اعتقالهم خمسة وعشرين عاماً وما يزيد، وأن أقدمهم معتقل منذ ثلاثين عاماً).
في هذا الوضع المأساوي الذي لا يمكن احتماله،
يزفّ محمود الزهار القيادي البارز والصقوري في حركة حماس بشرى سارة للشعب الفلسطيني، قال فيها حرفيا يوم الخامس من مايو الحالي (إنّ المصالحة الفلسطينية تشبه المفاوضات مع إسرائيل، لا فائدة ولا جدوى منها...مللنا من الحديث عن هذا الملف الذى بات كالمفاوضات مع الاحتلال، نتفق ونجلس دون أى تنفيذ). فلنتخيل أو نتصور كيف أن فلسطينيا يجلس للتفاوض مع فلسطيني من بني جنسه وشعبه، وهو يشعر أنّ الفلسطيني الجالس أمامه، كأنّه واحد من المحتلين الإسرائيليين. أليس هذا الشعور وحده يعطي الانطباع والدليل على أنّ هذه القيادات الفلسطينية جميعها بدون استثناء هي الكارثة الحقيقية أو النكبة الجديدة للشعب الفلسطيني؟. كيف سيتحمل الفلسطينيون خاصة المحاصرين في القطاع حياتهم الذليلة القاسية وهم يعرفون من قيادي حماس مباشرة أنّه لا أمل في هذه المصالحة الفلسطينية، مما يعني استمرار حصارهم وقطع الكهرباء عنهم ونقص حاد في الدواء والسولار والبنزين والمواصلات، وأنّ هذا الوضع سيستمر طويلا طالما لا أمل في المصالحة، لأن الاحتلال يصرّ لرفع الحصار على قيام حكومة فلسطينية واحدة واحدة في الضفة والقطاع تحت سيطرة وضوابط السلطة الفلسطينية.
ولماذا لا أمل في المصالحة الفلسطينية؟
هذا يفترض أنّه بسبب الخلاف الجذري بين البرنامج السياسي لحركة حماس والسلطة الفلسطينية، ولكن هل هناك خلاف فعلي في البرنامج السياسي والتطبيقات الميدانية للطرفين في القطاع والضفة؟. هل حركة حماس تشنّ من القطاع حربا ضروسا ضد الاحتلال بينما السلطة الفلسطينية في الضفة تهادن الاحتلال؟. الواقع الميداني وما يعيشه الفلسطينيون، يقول أنّ الطرفين (حماس و السلطة) لا يمارسان أية مقاومة ضد الاحتلال بدليل مناشدة اسماعيل هنية بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير في يناير 2009، كافة الفصائل الفلسطينية بعدم إطلاق أية رصاصة ضد الاحتلال كي لا نعطيه مبررا لاجتياح ثان للقطاع. هذا بالإضافة لتذبذب برنامج حماس السياسي من هدنة طويلة الأمد إلى ستين سنة وأحيانا عشرة سنوات كما أعلن هنية أيضا قبل أيام قليلة، وخالد مشعل يعلن للإعلام الأمريكي قبول دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي نفس البرنامج السياسي الذي تطالب به السلطة الفلسطينية.
إذن لماذا الانقسام وانعدام الأمل في المصالحة؟
إنّه حسب الوقائع الميدانية وشهادات النسبة الغالبة من الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة بسبب الصراع الشخصي والتنظيمي على المال والكرسي والحكم، بدليل أنّ قيادات الطرفين الحمساوي والفتحاوي تعيش حياة مرفهة لا تعرف ضيق العيش ولا انقطاع الكهرباء ولا انعدام الدواء والسولار وكافة متطلبات حياتهم وحياة أسرهم مؤمنة بشكل فائق. وبالتالي فهذه القيادات لا تعيش هموم وضنك عيش غالبية الشعب الفلسطيني، وأية مصالحة حقيقية تقود لوحدة وطنية وحكومة مدنية ديمقراطية، ستفتح ملفات فساد الطرفين التي تزكّم الأنوف، فيفقدون رغد العيش والملايين التي تحول لحساباتهم في الداخل والخارج. ومن يشاهد بعينيه كيف تعيش أسر هذه القيادات وأنواع السيارات التي يقودونها، يتخيل أنّهم زوار من دول الخليج العربي بسياراتهم الفارهة، حيث لم تترك الأنفاق لهم حاجة إلا وأدخلوها. فأثرياء الأنفاق هؤلاء ونظراؤهم في الضفة ليست من مصلحتهم الشخصية والعائلية المصالحة، وهذا يعني أنّ الانقسام الحالي بين القطاع والضفة هو انقسام إلى الأبد، وإلا من يصدق توقيع الطرفين لما لا يقل عن عشرة اتفاقيات في أكثر من أربعة عواصم عربية، ويلحسون توقيعهم فور ركوبهم الطائرات العائدة بهم لإمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله. لذلك بعد أيام قليلة يدخل الانقسام الفضيحة عامه السادس مما يعني أنّ بشرى محمود الزهار الكارثية للشعب الفلسطيني تؤكد أنّه انقسام طويل الأمد، وبالتالي فالمستفيد منه هو الاحتلال فقط، الذي تؤمن حماس عدم إطلاق الرصاص عليه من القطاع وجيشه يسرح ويمرح ويعتقل كيفما يشاء في الضفة، والعزاء للشعب الفلسطيني خاصة أسراه في هذه المحنة التي يعيشونها منذ عشرات السنين....وبالنسبة للمصالحة فالعزاء واجب (عظّم الله أجركم).
التعليقات