هل يمكن بموضوعية حسب الوقائع الميدانية في الساحة السورية منذ 42 عاما تحليل شخصية ونفسية الأسد الإبن السائر على خطى والده بدقة دموية متناهية؟. لا يمكن تخيل ما يرتكبه هذا الإبن الوريث لجمهورية الرعب والدم المسمّاة سوريا (جمهورية الأسد المخلوفية)، منذ قرابة عام ونصف في كافة المدن والأرياف السورية، حيث أصبح القتل اليومي بمعدل لا يقل عن ستين قتيلا يوميا رغم وجود المراقبين العرب سابقا والمراقبين الدوليين الآن، ورغم كل المبادرات العربية والأممية التي آخرها مبادرة عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، فقد أصبحت مهمة كافة المحاولات والمبادرات مراقبة القتل اليومي واحصاء عدد القتلى الذين تجاوزوا منذ مارس 2011 ما يزيد على 11 ألف قتيل، بالإضافة إلى ألاف المعتقلين والمفقودين في سجون العصابة الأسدية المخلوفية.
لماذا لم يسقط النظام الأسدي حتى الآن؟
وهذا السؤال هو المطروح في غالبية المنتديات العربية التي راقبت سقوط نظام زين الهاربين بن علي بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة التونسية ضده، ثم أعقبه سقوط نظام حسني مبارك بعد ما لا يزيد على ثلاثة أسابيع من انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، ثم سقوط نظامي القذافي و علي عبد الله صالح رغم مراوغتهما عدة شهور، أزهقوا فيها نسبة لا تقارن من أرواح الليبيين واليمنيين قياسا بمن قتلهم نظام الأسد الإبن طوال قرابة سنة وثلاثة شهور من اندلاع الثورة السورية ضد نظام عائلته وأخواله. ومن قتلهم الأسد الإبن من الشعب السوري طوال هذه المدة تساوي حوالي ثلث من قتلهم والده في مجزرة حماة وحدها التي بدأها الأب في الثاني من فبراير عام 1982 واستمرت قتلا وقصفا وتدميرا طوال 27 يوما، تركت مدينة حماة كما ترك الإبن حي باب عمرو في الثورة الحالية، إذ وجده المراقبون الدوليون خاليا من السكان بشكل تام والخراب ماثل للعيان. أعتقد أنّ أهم أسباب بقاء نظام الأسد الإبن كل هذه المدة رغم جرائمه التي قال عنها مراقبون دوليون أنّها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حسب الأهمية والأولوية هي:
1 . العامل الإسرائيلي المتمثل في أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تحشد كافة علاقاتها الدولية لعدم استعمال أية قوة ولو كانت ناعمة ضد هذا النظام الذي يحافظ على أمنها واستقرارها من جانب حدوده منذ عام 1973 ، وقد وصلت رسالة ابن خاله رامي مخلوف لإسرائيل عبر مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمزالأمريكية في نهاية شهر مارس 2011 أي بعد أيام من اندلاع الثورة السورية، إذ قال صراحة وبدون خجل: quot;إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظامquot;. وليس سرا أنّ الضغوط والاتصالات الإسرائيلية بشأن المحافظة على بقاء هذا النظام طالت روسيا والصين رغم ما تدعيه هاتان الدولتان العظمي من عدم الرضوخ للضغوط الغربية. وأيضا لأنّ بنية النظامين الروسي والصيني لا تختلف كثيرا عن بنية النظام الأسدي في ميدان حقوق الإنسان في الصين والتوريث التدويري بين ميدييف وبوتين الذي صرّح أخيرا، بأنّه وميدييف سيبقيان حاكمين لروسيا لفترة طويلة. ولا يمكن أن تنسى دولة الاحتلال الإسرائيلي أنّ نظام الأسدين الأب والإبن لم يطلق رصاصة عليها من خلال حدوده منذ عام 1973 ورغم ذلك فهو عند المزايدين العرب نظام مقاومة وممانعة!!!. لذلك لن تقبل دولة الاحتلال الإسرائيلي سقوط هذا النظام وستقف سرا وعلنا ضد أية ضغوط تؤدي لإسقاطه، لأنّ رسائل النظام تخوفها من البديل الذي سيحاربها ويطلق عليها الرصاص، خاصة بعد أن وصلها مؤشر صارخ متمثلا في وقف امدادات الغاز المصري في نهاية أبريل الماضي، وكان قد سبقه اقتحام سفارتها في القاهرة وتخريبها، وإعلان مرشحين مصريين لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة بأنّهم ضد اتفاقية كامب ديفيد.
2 . وضع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية تحت أيدي مسؤولين من عائلته وأخواله وأصهاره والمرتبطين بالعائلة تجاريا، ويسيطرون بالإضافة لتلك الأجهزة على ما يزيد عن نسبة ستين بالمائة من الثروة والاقتصاد السوري، وبالتالي فهذا القمع من هذه الأجهزة وغالبية جيشها هو قمع من أجل المصالح والثروة، ورغم ذلك بدأت انشقاقات العديد من شرفاء هذا الجيش الذين هالهم هذا القتل الدموي ضد أبناء شعبهم.
3 . الحقن الطائفي المتصاعد بين أبناء الأقليات خاصة الطائفة العلوية التي ينشر النظام بينها تخويفا دمويا ضدها إذا سقط هذا النظام. وهو حقن طائفي ليس صحيحا لأنّه ليس كافة أبناء الطائفة العلوية من المستفيدين من سرقات هذا النظام العائلي، ونحن من عشنا في سوريا سنوات طويلة نعرف أن غالبية المناطق العلوية تعيش نفس الفقر والتهميش الذي يسود غالبية المدن والقرى السورية. وأنا أعرف شخصيا كتابا وصحفيين سوريين مشهورين من أبناء الطائفة العلوية لا يجدون عملا ولا راتب لهم، ومهمشين ومهملين من النظام طالما هم ليسوا من أبواقه وشبيحته الإعلامية.
ورغم ذلك فلن يستمر هذا النظام المتوحش،
خاصة أن رئيس المراقبين الدوليين الجديد من المواطنين النرويجيين المحايدين وهو الجنرال روبرت مود، الذي كان أول تصريح له يوم الرابع من مايو أي بعد إسبوع من وصوله: (عندما يستخدم طرفان كل أنواع الأسلحة، من هو الأول الذي ينبغي أن يرفع أصبعه عن الزناد؟ إنّه الأقوى الذي يتعين عليه القيام بها). وبالطبع هو يقصد النظام. ويضاف إلى ذلك تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ( إذا لم تلتزم الحكومة السورية بوقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة فيجب على المنظمة الدولاية التفكير في استصدار قرارات أخرى ).
أما المعارضة السورية في الخارج،
فهي ليست في مستوى تضحيات وصمود الشعب السوري الثائر في الداخل، لأنّ تشتتها وتبادلها الاتهامات وتوالي الانقسامات يشكّل خيبة كبيرة للثوار السوريين، فالمعارضة تتصارع على كعكة ما زال النظام يمسك بها دون أن تلتفت للضحايا من أبناء الشعب السوري، وبالتالي إن بقيت على هذا الحال لن تعدو أن تكون معارضة ديكورية عملها إصدار البيانات وتلاوة الخطابات الإنشائية وتبادل الزيارات السياحية التي ستكون آخرها للصين يوم الاثنين السابع من مايو كما أعلنت الخارجية الصينية. لذلك فالأمل معقود على الثورة السورية في الداخل التي وصلت أخيرا إلى مدينة حلب مندلعة من جامعتها مما اضطر النظام لإغلاقها، وكذلك على تزايد الانشقاقات في صفوف الجيش السوري النظامي والالتحاق بالجيش السوري الحر الذي يعمل في الداخل بعيدا عن تشرذمات معارضة الخارج وانقساماتها التي لا تعفي بعض أطرافها من أنّها مدسوسة من النظام وتعمل لصالحه لشرذمة المعارضة وإفقادها أية مصداقية في الداخل السوري. ويبقى السؤال المحير: ماذا يريد بشار الأسد على شعبه فقط؟ ألا يكفيه 12 عاما من التوريث ومن قبله والده ثلاثون عاما؟. وهذا السؤال فقط يفضح من يدافعون عن هذا النظام لأنّهم يقبلون بعبودية لعائلة وأخوالها وكأن الشعب السوري يخلو من أي قائد إلا من هذه العائلة الأسدية- المخلوفية.
التعليقات