يبدو أن مزاد المكاسب السياسية فتح بكامل اتساعه بعد الحكم على مبارك بالسجن مدى الحياة، تحت حجة إعادة المحاكمة، والمطالبات بمحاكمات ثورية، والقفز على تلك المحاكمات الجنائية، رغم أن ذلك يحتاج إلى تشريع برلماني، وبالطبع ليس بالضرورة أن يكون فيها أي نوع من العدالة، فأحكامها معروفة مسبقاً.
يظهر المزاد واضحاً في الذين تسابقوا إلى التحرير من المرشحين الرئاسيين الذين فشلوا في الحصول على أصوات تمكنهم من دخول الجولة الثانية، فحملهم أتباعهم وسط الآلاف، وهم يلوحون بعلم مصر، مطالبين بإعادة المحاكمة، ثم إعادة الانتخابات، وتطور الأمر للمطالبة بعمل مجلس رئاسي من أربعة أفراد يحكمون مصر، وقفزوا على 5 ملايين مواطن انتخبوا المرشح شفيق، وعلى ضعفهم مرات من الطبقة الصامتة التي تريد الأمن والاقتصاد فقط، ونقضوا العملية الديمقراطية برمتها، وأرادوا أن يفرضوا مرشحاً بعينه، بل لعلمهم أن ذلك لن يحدث، فاخترعوا حكاية المجلس الرئاسي الموحد، من أربعة مرشحين يحكمون مصر، وجلسوا في غرف مغلقة، لإجراء مباحثات، وإلى اليوم لم يتفقوا على شيء.
وفي المزاد تواصل القوي الثورية التي لا تبلغ سوى 50 ألفًا من بين 80 مليوناً المظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بمحاكمة مبارك من جديد، والضغط على المجلس العسكري، ولاحظوا كيف أن المرشح محمد مرسي قال quot;إنني لو أصبحت رئيساً سأعيد محاكمة مباركquot;، رغم أنه انتهى عصر الرئيس الأوحد الذي يقرر دون رأي الشعب، وأنه لو أصبح رئيساً فإن الدستور يمكنه من العفو ولا يمكنه من السجن والحبس.
كما أنه داخل المزاد اجتمعت كل القوى هنا وهناك لتفرض رأيها على المرشحين الاثنين شفيق ومرسي، وكانت وثيقة العهد، وهي الوثيقة التي وضعتها بعض الأحزاب لتحدد بعض ملامح الدولة المدنية، فتسارع الإخوان ناحية تقديم عروض وتنازلات، وبعد أن كانوا يقولون إنهم ممن الممكن أن يقبلوا بوجود وزراء من غير جماعة الإخوان، أصبحوا يقبلون بكل شيء، وقبلها شفيق بالطبع.
الكل داخل المزاد يختلف عن الكل، فهو عند الإخوان الحصول على الرئاسة والسيطرة على البرلمان، واحتواء كل القوى الإسلامية الناشئة، وتشكيل الحكومة، ويمكن الصبر والتحالف مع المجلس العسكري طالما أن ذلك سيحقق الهدف.
والمزاد عند المرشحين الفاشلين والمستبعدين فهو عزل شفيق عن الترشح، وإعادة الانتخابات من جديد، وتشكيل مجلس رئاسي منهم جميعاً، ولا ضير لو تم الاتفاق مع الإخوان ومشاركتهم في هذه البورصة.
أما الائتلافات الثورية ومنها 6 إبريل، فالمزاد يعني إبعاد الإخوان عن المشهد، والمجلس العسكري، وشفيق، وإعدام مبارك، ومحاكمة رجال النظام السابق، وتشكيل حكومة أغلبها من الشباب.
والمجلس العسكري المزاد لديه له لون آخر، فهو إبعاد الجميع وتشكيل حكومة أقرب للنظام السابق، وإكمال الانتخابات الرئاسية، وبالطبع تشجيع شفيق على الوصول للرئاسة.
لن نتحدث عن المزاد المصري المفتوح من ناحية اللاعبين الإقليميين والدوليين، لكننا نتحدث عن المشكلة الحقيقية التي تواجه الثورة المصرية، هي أن الكل يريد أن يختزل مصر في رؤيته، ويقسمها براحته، دون اعتبار للأغلبية، الذين سماهم البعض quot;حزب الكنبةquot;.
وأتساءل هنا، هل إعدام مبارك هو الحل لكل مشاكل مصر؟ وهل المحاكمات الثورية وعمل تشريع برلماني جديد لها، هو الذي سيحقق أهداف الثورة، وهي الحرية والاقتصاد والعدالة الاجتماعية؟
لن نعلق على الحكم على مبارك ومدى ملائمته للحالة وصحته، فهذا من اختصاص القضاء الذي أعلن في نهاية الجلسة أنه لا أدلة لديه، بعد أن دمرت بكاملها، وأنه حكم على مبارك بقاعدة quot;أنه كان يستطيع أن يوقف ما حدث ولكنه لم يفعلquot;، ولكنني هنا أعلق على الحالة التي استغلها البعض لفرض رؤيتهم والضحك على عقول البسطاء، وأتساءل، ماذا لو أعدمنا مبارك؟ ونحن مازلنا مختلفون، فلا رئيس جديد اتفقنا عليه، ولا هيئة تأسيسية للدستور، ولا حكومة ديمقراطية منتخبة، بل نقفز على كل الثوابت، وكل العملية الديمقراطية برمتها، وتفرغنا للانتقام وليس للبناء، تفرغنا لتقسيم مصر داخل مزاد قد يكون هو المدخل الرئيسي للفوضى التي تحرق المزاد على من فيه أولاً، قبل أن تحرق مصر.
التعليقات