أكاد أجزم الآن بكل صدق أن مصر على شفا هاوية، بسبب الفوضى الحالية، وأن الدولة بكاملها معرضة لانقلاب عسكري، يعود بنا إلى المربع رقم واحد، ويعلم الله وحده، هل سنذهب ناحية ديكتاتورية جديدة، أم لا.
في خلال ثلاثة أيام فقط بعد الانتخابات الرئاسية المصرية في جولتها الأولى، وبعد أن علم كل المتسابقون إلى القصر الرئاسي، ومؤيدوهم، بأن هناك جولة ثانية، سيعيد فيها مرشحان فقط،وهما مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي، واللواء أحمد شفيق، استباح الكل مصر، أصبحت الدولة كامرأة عاهر، بجريمتها يعيرها الثوريون، ويستهزئ بها الحزبيون، ويقيم عليها الحد المتنطعون.
تابعتم جميعًا المشهد كما تابعت، فاز د. محمد مرسي والفريق شفيق بأغلب الأصوات، وقبل أن تقرر اللجنة الانتخابية، بأن الجولة النهائية ستكون بين المرشحين، وأن أحدهما سيكون هو الرئيس المقبل لمصر، أنكر كل المرشحون الرئاسيون الخاسرون النتيجة، وأكدوا جميعاً أنها جاءت بالتزوير.
المرشح حمدين صباحي قال إن الجيش زور 900 ألف بطاقة لمجندين، وأبو الفتوح لم يجد دليلاً واضحًا، ولكنه قال إنها زورت بطريقة ما، وخالد على هتف في مؤتمر صحفي quot;يسقط حكم العسكرquot;، واستطاع هؤلاء بمعاونة الإعلام، وبعض من النخبة التي يعجبها لعبة quot;العسكر والحراميةquot; جمع الحشود مرة أخرى فى التحرير، وهتف الجميع يسقط حكم مرشد الإخوان، وحكم الفلول والحزب الوطني، وهذا معناه أن هذه الجموع لا هي راضية عن حكم الإخوان، ولا أي مرشح آخر، سوى أبو الفتوح وصباحي وخالد على الذين اجتمعوا للتنسيق، رغم أنهم لم يجتمعوا قبل الجولة الأولى من الانتخابات، ولو اجتمعوا لحسم أحدهم المقعد الرئاسي ببساطة.
وفجأة عقدت المؤتمرات الصحافية هنا وهناك، وبدأت حالة الاستقطاب الحادة، اللواء شفيق قال إن الثورة خطفت، وإنه سيرجع الثورة للشباب، وحيا الجيش والشعب، وأما مرسي فدعا لعدم إعادة إنتاج النظام القديم وانتخاب شفيق، وأكد أنه لن يفرض الحجاب ولن يحول مصر إلى دولة إخوانية، وشباب 6 إبريل دعو الإخوان المسلمين لحل الجماعة، وكتابة وثيقة بأنهم لن يقيموا دولة دينية، واشترطوا عمل مجلس رئاسي، وتكليف البرادعي برئاسة الحكومة لكي يدعمونهم في الانتخابات.
ودخل الأزهر على المحك فأفتى الشيخ نصر فريد واصل بحرمة من ينتخب أحداً من النظام السابق، وأصدرت الدعوة السلفية بياناً أكدت فيه وجوب دعم الإخوان في معركتهم مع شفيق بدون قيد أو شرط، وتحدث عبود الزمر قائد تنظيم الجهاد وقال إن من ينتخب شفيق فهو خائن، وفي هذه الأثناء كلها كانت المظاهرات تتوالى وتستبيح كل محافظات مصر، لوقف الانتخابات أو عزل اللواء شفيق عنها، واستبداله بأبو الفتوح أو صباحي، وتعدى الأمر إلى الهجوم على مقر الحملة الانتخابية للرجل بالدقي وحرقه، وتقطيع الدعاية الانتخابيىة لمرشح الإخوان، كل على سواء.
وتواصلت الاستقطابات بشكل أكبر، واجتمعت الأحزاب في مقر الإخوان بالمقطم لفرض شروطهم على الإخوان، وعلى الناحية الأخرى كانت هناك تربيطات واتفاقات تجرى تحت السطح، وهي ليست من قبيل الاتفاقات الانتخابية بقدر ما هي استعداد لمعركة مقبلة.
ما سبق هو ملخص للمشهد المرتبك العنيف، وتعالوا لننظر إليه من زاوية أخرى أشد اربتاكًا، فالدستور إلى الآن تختلف حوله النخبة، بمعنى أن الرئيس القادم بلا مرجعية، بل فشلت كل الأحزاب والهيئات في تشكيل هيئة تأسيسية للدستور، وهذا هو الفخ الثاني الذي تقع فيه الدولة الآن، ومعناه أن نتيجة الانتخابات بالكامل يمكن أن تكون غير دستورية، كما أن القوى السياسية الأخرى التي رفعت دعوة قضائية بأن شفيق لابد أن يعزل وفق القانون الذي أقره البرلمان، لو حكم لها القضاء فمعناه إلغاء نتيجة الانتخابات بالكامل، وإعادتها مرة ثانية، وعودة الدولة للمربع رقم صفر.
القضية أكبر من كل ما سبق فإننا لو افترضنا أن الفائز في جولة الإعادة الانتخابية هو محمد مرسي فإن غالبية القوى السياسية سترفض حكم الإخوان، ومن المتوقع بشكل كبير جدًا أن تنسحب وزارة الداخلية عن أداء دورها بشكل كامل، ويصبح الرئيس في مواجهة البلطجة، كما أن الجيش سيعود لثكناته وهو ما يطلبه الجميع، ولكنه سينعزل إداريًا، واقتصاديًا، بل ومن الممكن سياسيًا عن أداء أي دور مع الرئيس الجديد، الذي سيصبح رئيس بلا جيش أو داخلية، فضلاً عن الظروف الاقتصادية والمالية الطاحنة التي ستواجهها مؤسسة الرئاسة الجديدة وتفشل في مواجهتها في أول عامين على الأرجح، بما يجعلها في مواجهة ثورة جياع، وفوضى أخرى من معارضي جماعة الإخوان الذين لن ينصرفوا من ميدان التحرير حتى يسقط حكم المرشد.
أما لو فاز شفيق فإن قبضة الداخلية الشديدة من المرجح أن تعود، ويحاول الرجل أن يواجه فلول الثوار الذين سيحتشدون مع الإخوان المسلمين التي ستعود بعد صمت طويل الآن لتؤكد أن الانتخابات مزورة، وعلى هذا ستصبح الداخلية والجيش مرة أخرى في مواجهة داخل ميدان التحرير.
ووفق مصدر موثوق لي فإن اللواء عمر سليمان قال لأحد المقربين منه وهو في طريقه لألمانيا منذ يومين، إن الدولة استبيحت من كل الجهات، وإن كل الأحزاب السياسية والتيارات، غير راضية عن أي شيء، وإن الجيش سيتدخل، وأزيد عليه أن الكل يتربص بالكل، والجميع يجلس مع الجميع من أجل أن يحصل على جزء من quot;التورتهquot;، وأن الفوضى قادمة، وأن أصحاب الترف السياسي الذين يمارسون السياسة بعد أن استفادوا من النظام السابق، ولم يعوا مصالح المساكين والفقراء، سيحرقون الدولة، ويعجلون بالانقلاب العسكري الذي يبدو بشكل كبير أنه يتم التجهيز له الآن على أعلى المستويات، لتعود مصر دولة عسكرية بوليسية، وساعتها سيندم الجميع، حينما يدفعون الفاتورة، ويحاسبهم الشعب قبل التاريخ.