شاهدت ما نقلته بعض وسائل الإعلام العربية بخصوص افتتاح أول حسينية للشيعة في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، وتتبعت النفي الذي ذكره أمين تجمع آل البيت الوطني في مصر، مؤكداً أنه لا توجد حسينية نهائيًا، وأن ذلك جاء بغرض شن حرب محددة الأهداف والمقاصد ضد شيعة مصر، وأن له علاقة بمداهمة أنصار السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل لخيم quot;أم رشراشquot; فى ميدان التحرير، والاستيلاء على محتوياتها بحجة أن بها شيعة.
ما حصل سواء كان صحيحًا أم خاطئاً، جاء متزامناً مع زيارة قام بها إلى مصر رجل الدين الشيعى اللبنانى الشيخ علي الكوراني، وعقده ندوات دينية خاصة داخل بيوت عدد من الشيعة بالقاهرة والمحافظات، وإلقاء محاضرات عن أهل البيت بحضور حشد كبير من الشيعة المصريين، واستنكار الأزهر وعلمائه، وأعضاء مجمع البحوث الإسلاميةrlm; ووزارة الأوقاف،rlm; ونقابة الأشراف الزيارة.
هنا يبدو لنا من مواقف الجماعة الشيعية المصرية أن أشياء حدثت فجأة بعد ثورة 25 يناير على نظام مبارك تدل دلالة واضحة، على تحول خطير، ذي أبعاد متشابكة ومتعددة يختلط فيها، الاجتماعي بالسياسي، ويتشابك فيها الثقافي بالعقدي والديني، وتدلل لنا أن المشهد في المستقبل سيحمل بين طياته حركة حزبية شيعية إذا ما توحدت في الرأي والإمامة.
أول المواقف التي حدثت بلا أية مقدمات تدل عليها، هي اتجاه الدكتور راسم النفيس إلى لجنة شؤون الأحزاب للسماح له بإنشاء أول حزب شيعي مصري وهو حزب quot;التحريرquot;، ورغم نفي النفيس عن الحزب الصفة الدينية، حتى يتيح للآخر الالتحاق به، والتعرف على أفكاره بدون خوف من إجبار أعضائه على ممارسة طقوس بعينها أو استخدام شعائر مغايرة لطبيعة وفطرة المجتمع المصري، إلا أنه قوبل بالرفض من قبل لجنة شؤون الأحزاب، ولكن ذلك كان له دلالة واضحة بأن الجماعة الشيعية المصرية تملك مشروعاً، وأنها في انتظار العمل السياسي الرسمي.
وأما ثانيها فهو الصلح الذي حدث بين علاء ماضي أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية المعروف بقربه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والشيخ القصبي شيخ عموم الطرق الصوفية، والإعلان الذي صاحب هذا الصلح عن التوحد في مواجهة التيار السلفي.
وإذا عدنا إلى الوراء لوجدنا ثالث المواقف هو المتمثل في صدور أول بيان للتيار الشيعي في مصر في الثامن من فبراير من العام الفائت، أي في بداية الثورة، والذي طالبوا من خلاله بقيام دولة مدنية ديمقراطية، في حدث رمزي لظهور التيار الشيعي المصري، عبر بوابة الثورة وميدان التحرير.
بلا شك فإن الغياب التام للدولة، وانهيار الجدار الأمني، كان العاملان الرئيسيان في هذا الظهور الذي لم يكن للشيعة وحدهم بل لمئات الائتلافات، وآلاف الحركات والتنظيمات التي استغلت هذه الحالة في تكثيف نشاطها وظهورها، ومنها التيارات الشيعية التي اعتمدت على إستراتيجية تضمنت استغلال المناسبات الدينية والتغلغل بين البسطاء سياسياً واجتماعياً، في نفس الجهة التي يستغلون فيها الحالة السياسية العامة كالمطالبة بالمحاكمات للنظام الحاكم السابق ورموزه، والمواطنة والدولة المدنية وغيرها للتغلغل بين طوائف الشعب.
ونجح شيعة مصر في الاستفادة من الانتشار الصوفي القديم، وآلاف الأضرحة، ومعاداة الصوفية للمنهج السلفي، للإعلان عن أنفسهم، وأسس الدريني ما يسمى المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت ليكون رئيسًا له وليدير ما يسمى جريدة quot;صوت أهل البيت الأسبوعية.
وعن طريق الباب الخلفي للثورة المصرية حاولوا التحالف مع أحد ائتلافات شباب الثورة وبعض الأحزاب السياسية ذات التوجه العلماني والتي تبحث عن أي وسيلة للتصدي للتيارات الدينية السنية مثل حزب المصريين الأحرار كي يكثفوا من تواجدهم ووجودهم.
كما أصبحت هناك خطوات جريئة للشباب المتشيع حيث حاولوا أن يكون لهم دور مؤثر ينعكس إيجابا على مصر وعلى مذهب آل البيت، وكان التعاطي الجيد مع شبكات التواصل الاجتماعي ليكونوا جنبا إلى جنب مع الائتلافات الشبابية الأخرى.
كان ميدان التحرير نقطة التقاء المجموعات التي أعلنت تشيعها لمذهب آل البيت منذ عدة سنوات، حيث تأسست quot;قوى آل البيتquot; وحركة quot;أشراف بلا حدودquot;، وجبهة الإصلاح الصوفي، واتحاد قوى ثورة مصر، وحركة أشراف بلا حدود، واتحاد القبائل العربية، ومركز الإمام على لحقوق الإنسان، وتلت هذه المحاولة إنشاء laquo;منتدى محبي آل البيت raquo; بنفس الاسم السابق، لكي تستوعب دائرة أوسع ولتحقق الجزء الذي لن يكتمل إلا بها وهى مخاطبة الجمهور المصري كافة.
والشيعة المصريون في نفس الوقت يعتمدون على إطلاق بالونات اختبار كل فترة من أجل قياس الرأي العام ومدي قبوله للظهور الشيعي، مثل الإعلان الذي تحدثنا عنه عن افتتاح حسينية، أو كما سبق من إطلاق الهجمات على التيار السلفي واتهامهم بهدم الأضرحة، والحفل الذي أقيم للسيدة زينب، الذي دعوا في نهايته لتنظيم مليونية للمطالبة بالدستور أولا، وسرعة محاكمة رموز النظام السابق.
ولا ننسى أنهم أعلنوا عن أنفسهم بصورة كبيرة جداً بالشموع وشعارات laquo;لبيك يا شهيد يا حسينraquo; وضرب الصدور، في احتفالية بميدان التحرير، رفعوا الرايات وأذاعوا عبر مكبرات الصوت القصائد البكائية عن استشهاد الحسين، وكانت المرة الأولى التي يظهر فيها التيار الشيعي بهذا الشكل، وكادت تحدث الصدامات بينهم وبين الثوار في الميدان.
إن وجود حسينية أو عدم وجودها ما هو إلا بالونة اختبار جديدة للشعب المصري، وعلى مدى قبوله للجماعة الشيعية، التي تحاول أن تكون رقماً يضاف إلى أرقام كثيرة وعديدة في الساحة المصرية، من خلال إستراتيجية واضحة توفي بأغراض إيران، ومحاولتها الحثيثة للدخول إلى مصر، وإضافة ارتباك جديد للمشهد المصري الأشد ارتباكًا.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات