لا تفكر كثيراً أو تسأل نفسك لماذا اختارت quot;الدعوة السلفيةquot; وهي أكبر السلفيات في مصر، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أن يكون مرشحها الرئاسي في الانتخابات المصرية، فالديمقراطية بشكل عام أصبحت طريقة إجرائية للوصول إلى السلطة، ولا تعدو أكثر من ذلك.
على المستوى الفكري العقائدي ستجد اختلافات هي في مجملها اختلافات كبيرة وضخمة بين أبو الفتوح والتيار السلفي المتأصل في التراثية، فقد حاول الرجل أن يقوم بتحرير الفكرة الإسلامية من أسر وضيق الخطاب الأيديولوجي إلى سعة التفكير السياسي المنفتح على مقتضيات المرحلة، وأصبح وجهاً إصلاحياً بارزاً، داخل الإخوان، عبر ما يطرحه من أفكار وآراء، كانت من الممكن أن تكون جسرا ليعبروا به من خطابهم العقائدي الضيق، إلى التواصل مع كل مكونات المشهد السياسي المصري، لكنهم قاموا بإبعاده عن مكتب الإرشاد، في مشهد هو أقرب إلى التزوير الحقيقي، وحينما خلا مكتب الإرشاد من ثلاثة أعضاء بعد إنشاء حزب الحرية والعدالة، وأصبح المكان شاغراً لتصعيد ثلاثة آخرين من مجلس شورى الجماعة إلى مكتب الإرشاد وفق اللائحة، عجلوا بفصله.
أبو الفتوح يمثل حالة خاصة بين المرشحين، فهو إخواني صميم، وقريب إلى الحالة الثورية والثوريين والائتلافات الشبابية في التحرير، وأقرب إلى الليبراليين بأفكاره الوسطية المعتدلة، حتى أن المخرجة إيناس الدغيدي المعروفة بأفلامها التي تطرقت إلى مثلث الجنس والمراهقة والحب، دعت لانتخاب أبو الفتوح لاعتداله.
كما أن أبو الفتوح وضع الإخوان في موقف صعب لا يريدونه، فالقواعد تضغط باتجاهه بقوة، والرجل كان من البداية يراهن على تلك العملية لأنه أدرى بشعاب ومسالك الإخوان.
أبو الفتوح وضع السلفيين والإخوان والتيار الإسلامي كله في اختبار صعب، والمشهد السلفي متشرذم للغاية، فالدعوة السلفية بالإسكندرية حين تعلن أنها ستؤيد أبو الفتوح، وتتبعها الجماعة الإسلامية، ثم يأتي إعلان الهيئة الشرعية عن تأييدها للدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان، وتتبعها الجبهة السلفية، وهي عبارة عن تجمع من العديد من الائتلافات الإسلامية التي وجدت عقب ثورة 25 يناير، فإن هذا ليؤكد مدى الاختبار الصعب الذي وقع فيه التيار السلفي على مستوى العموم.
ورغم اختلاف المنهجين، وبعد الطريقين بين أبو الفتوح والسلفيين، أصرت قواعدهم على اختياره، وأصبحت هناك إشكالية ضخمة ليس عند السلفيين فقط، بل عند الإخوان، فقواعدهم تريد أبو الفتوح القريب من الشباب والأعلى تأثيرًا بينهم، بينما مكتب الإرشاد وقيادات التنظيم لا تريده على اعتبار أنه تم فصله من الجماعة عملياً قبل الثورة بسنتين، وتم فصله رسميًا بعد الثورة لقبوله الترشح للرئاسة، والأمر لم يختلف عند السلفيين فقواعدهم كانت تريد شخصية أصولية ولكن بعد إبعاد أبو إسماعيل، فهم لا يريدون السيطرة الإخوانية عليهم.
الرافضون لأبو الفتوح يرونه علمانيًا وليس إسلاميًا، كما يرونه أقرب إلى التيار الليبرالي، والمؤيدون يرونه أنه سيكون رئيسا مطمئنا لهم لأن له جذور إسلامية، كما أنه أعطاهم تطمينات بشأن حرية دعوتهم ومساجدهم، والأهم أنهم لا يريدون استحواذ الإخوان على كل شيء بما فيها الرئاسة، بعد أن أثبتت لهم تجربة الانتخابات البرلمانية، طريقة الإخوانيين العبثية في السيطرة على كل شيء.
لكننا نرى أن أهم الأسباب الرئيسية لدعم الدعوة السلفية لأبو الفتوح هو توقعهم لنجاحه وسقوط رموز النظام السابق المترشحين، بما يعني أنهم سيحصلون على عدد من المكاسب لا بأس بها حال فوزه إن دعموه من الآن.
الرجل شخصية لها حضور، وله قدر من القبول الشعبي، وغير منحاز الآن إلى جماعة، كما أنه منفتح على بقية التيارات السياسية، ومنها الليبرالية اقتناعا لا مواءمة، ورغم أن هذا خلاف ما يعتقده السلفيون فإنهم أعلنوا دعمه، ليدللوا دلالة واضحة أن هناك نقلة موضوعية وتاريخية للحركة السلفية، إلى ترتيبات حزبية وإجرائية للاستفادة من السيولة القائمة، ومحاولة استثمار المرحلة بأي شكل في الصعيد السياسي، لكنهم قد لا يدركون أن ذلك سيؤدي إلى تغيير وترويض للتشدد والمغالاة في خطابهم، ويؤدي إلى الظهور التدريجي لتشكيلات سلفية جديدة، قد تشبه إلى حد كبير تلك التشكيلات التي ظهرت إبان الثورة المصرية على نظام مبارك مثل سلفيي كوستا، والجبهة السلفية، والجبهة الشرعية، بل ولعل هذا ما سيفرز انقسامات متعددة بعد ذلك، أقصد تشرذم الحالة السلفية.
[email protected]
التعليقات