لست من الذين يشاركون في quot;المليونياتquot;، ولم أجد سببًا واحدًا يدفعني للمشاركة في المظاهرات التي لا نستطيع أن نحصي عددها في الآونة الأخيرة، ليبرالية كانت أو إسلامية، في شارع quot;محمد محمودquot; أو أمام مجلس الشعب، لإسقاط المجلس العسكري، أو الثورة على الإخوان المسلمين، مع 6 إبريل أو مع السلفيين، في جمعة quot;قندهارquot; أو quot;جمعة النهايةquot; وquot;الزحفquot;.. ألخ، فقد قررت وبلا رجعة ألا أدعي أنني من الثوار، أو من الذين أسقطوا النظام، ورغم أنني أجدني مضطراً كل يوم إلى المرور بالقرب من ميدان التحرير، للذهاب إلى عملي، فإنني لم أكن مدفوعاً لتغيير قراري، حتى اضطررت لعمل استبيان لإحدى الدراسات حول الحركة السلفية الجديدة quot;حازمونquot;.
نزلت من السيارة باتجاه الخيام المنصوبة للمعتصمين منذ ما يزيد عن شهر، شدني صوت نشيد من مكبر للصوت موضوع في منتصف الميدان quot;ثوري ثوريquot;.. شاب ملتح يقعد على كرسي بجوار الخيمة يردد بصوت مرتفع وهو ينظر إلي مبتسمًا ليلفت انتباهي فيهتف quot;بالدم بالدمquot; وقبل أن أقترب منه، سألت عجوز يمشي في الشارع، ما الذي يحدث داخل مصر؟ أجابني على الفور quot;أمنيتي إن مصر ترجع تانىquot;، لم أجد ما أجيبه به وتسارعت ناحية الملتحي ورفاقه.
سألني ماذا تريد؟ فقلت له إنني صحافي، وأقوم بعمل بحث عن حركة quot;حازمونquot; فخرج من الخيمة أكثر من واحد، قال لي أحدهم: نحن من حركة quot;طلاب الشريعةquot; أما حازمون فستجدهم في الناحية الأخرى.
-يعني أنتم لا تعتصمون الآن من أجله؟
-نحن نعتصم من أجل الشريعة وتطبيقها
-وهل أنتم ستطبقونها بهذا الشكل؟
جاوبني أكثر من واحد quot;نعم سنطبقها.. وسنردع المجلس العسكري الذي يتآمر على الثورة هو والإخوان المسلمونquot;
-إذن لن تنتخبوا محمد مرسي
-لا مرسي ولا أبو الفتوح.. كلهم خونة وباعوا الإسلام.. ألا تستمع لحواراتهم واعترافهم بوجود إسرائيل.
كنت في قوس الدائرة بين طلاب الشريعة التكفيريين، وهناك في المنتصف quot;حازمونquot;، وعلى جانب منهم quot;الإسلاميون الثائرونquot; ويوم الجمعة سيكون هنا quot;الإخوان المسلمونquot;، وquot;السلفيونquot;، والاشتراكيون الثوريون.. ألخ ألخ.
حاولت أن أمتلك إعادة الحوار مرة أخرى معهم لأن اقتحام المرئي ستجعل القدرة على الفهم أمرًا ممكنًا فلم أستطع.. أنا أعرف ما كان يدور بخلدي يومها.. المقارنة بين صورة الميدان القديمة والحالية.. وكيف أن العواطف الدينية دون فهم لا تضبط وحدها سيرًا ولا تهدي سبيلاً.
مضت عدة أيام حتى حدث ما هددوا به وذهبوا إلى ميدان quot;العباسيةquot; في مواجهة quot;المجلس العسكريquot;،
المطالب التي دعا إليها المعتصمون والمتظاهرون، رحيل المجلس العسكري، وإلغاء المادة 28.
ولو فكرنا بهدوء في هذه المطالب لوجدنا أن المجلس العسكري باق على رحيله أقل من شهر، والمادة 28 من الإعلان الدستوري والخاصة بعدم الاعتراض على نتيجة الانتخابات العسكرية، دعا الإسلاميون بعد سقوط مبارك للتصويت عليها بنعم.
فماذا يجري إذن؟ وما الذي يدفع عشرات الألوف لمهاجمة رمز من رموز الدولة المصرية؟ وماذا لو انهار المجلس العسكري، واقتحم المتظاهرون الوزارة؟
لقد حاول المتظاهرون من قبل اقتحام وزارة الداخلية، ومجلس الشعب، وحاولوا الجمعة الماضي اقتحام وزارة الدفاع، فهل المقصود هو إسقاط مصر بالكامل وتركها في فوضى وعبث، ضعف ما تعيشه الآن.
المشهد المروع هو أن عشرات الألوف خرجوا إلى ميدان العباسية وهم يرفعون صورة أسامة بن لادن، الذي حلت الذكرى الأولى لمقتله منذ عدة أيام، وخرج محمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري في مقدمة الصفوف، وهم يهتفون quot;صور يا أوباما الميدان كله أسامةquot;.
أنا لم أفهم ما حدث في ميدان العباسية، وما جرى من قبل في التحرير سوى أنه يأتي في سياق عودة العنف الإسلامي إلى مصر من جديد، كما أنه يأتي في سياق تفجير الموقف، ووقف العملية الديمقراطية بالكامل.
وحينما يقتل مجند في العباسية، ويجرح أكثر من ثلثمئة، ويتم القبض على أكثر من مئتي مواطن، ويفرض حظر التجوال، وكل ذلك باسم الإسلام وباسم الثورة أو الشريعة الإسلامية، فإنها معركة بين الفوضى والاستقرار، ومعركة بين الإسلام الوسطي وإسلامات أخرى، سنراها وسنشاهدها كثيراً في ميادين مصر المختلفة، ويبدو أننا سنقوم بعمل استبيانات وأبحاث أخرى عنها.
التعليقات