الاسلاميون مثلهم مثل سائر خلق الله، هم من التاريخ، منغمسون فيه حتى القاع..لهذا المشترك بينهم وبين الآخرين أكثر بكثير من المختلف..بينهم تنافس سياسي وشخصي، بينهم تباينات في الاراء، بينهم تنازع على السلطة والرخاء، بينهم ما بين الآخرين سواء بسواء على هذا الصعيد الانساني العام...لديهم رؤى سياسية ومستقبلية لسورية كما الآخرين كذلك..في صراعاتهم السياسية يتآمرون يتكتكون يتبادلون الادوار والمواقع، يخططون ليكون لهم الحصة الأكبر في الحضور السياسي والمجتمعي..والآخرون كذلك..لدى كل واحد منهم عائلة يخاف عليها ويريد تأمين مستقبلها..هم ليسوا قوة متعالية على التاريخ هم جزء من هذا التاريخ، مشروطون به وله..هم ليسوا كتلة واحدة، كحال اليساريين والليبراليين والعلمانيين..هم تيارات وتحكمهم موازين القوى وتحكم حركتهم..الفارق الاساسي بينهم وبين الآخرين أنهم يريدون كسب السماء وحكم الارض...وللسماء مستحقاتها التي ربما لاتتفق مع ما يطرحه التاريخ في تفاصيله وحيثياته ومصالحه وقواه المحركة، وثقافته المتعددة، وانزياحاته المفاجئة...أو ربما للتاريخ مستحقات لاتتفق مع كسب السماء..فكيف يمكن التوفيق؟ السياسة انغماس في المصالح والمواقع والمال والمبادئ المتعددة.. وهذه كافية لكي نقول للاصدقاء: لاتنزلوا الدين إلى هذه الحقول..لكي لايصبح مالا أو مصالحا أو مواقعا نتنازع عليها، وفقا لشرط التاريخ، ووفقا لطبيعتنا الانسانية...لكي لايفقد الدين دوره القداسي الأخلاقي...وإن كان لابد من ذلك كما يرى بعض الاسلاميين، من أنه يجب إنزال الدين إلى هذه الحقول فعليهم أن يقبلوا شتم الدين وشتم كل رموزه!! كما يشتمون هم بقية خلق الله، ورؤاهم الفكرية والسياسية... فهل يقبلون بذلك؟ إذا قبلوا بذلك..حسنا لينزلوا الدين إلى الشارع....ويتحول إلى طرف سياسي...وينطبق عليه ما ينطبق على أي طرف سياسي آخر ملحد علماني...الخ
ليلاحظوا في مصر بعد سقوط مبارك، تجربة فريدة يجب أن يتعلموا منها...كم تيار اسلامي سياسي الآن؟ وهذا تكثيف تجريبي لما كتبته اعلاه...تيارات واحزاب اسلامية تتنازع وبينها ما صنع الحداد..فأي دين يمكن لنا أن نصدقه هل هو دين التيار السلفي ام دين تيار الاخوان ام دين حزب السيد ابو الفتوح ام دين التيارات الاسلامية المنفتحة على الليبرالية؟ أم أية سياسة نصدق؟ لأن الدين الذي نقصده هنا هو دين كل تيار من هذه التيارات، ومن ثم يأتي السؤالquot; أي دين سياسي نصدق؟ ومن يحكم على ذلك؟ هل هو صندوق الاقتراع؟ إذا كان الجواب نعم، فعليهم جميعا أن يسمحوا للآخرين بدخول المنافسة والحكم هو صندوق الاقتراع...سواء كان الآخرين من طوائف أخرى أو أديان أخرى أو كانوا ملحدين أو غير ذلك، لهذا الايمان بحرية المعتقد لنفسك كما للآخرين...هنا جوهر المواطنة..وبغير ذلك يصبح الحديث عن المواطنة أمر فارغ.
تجربة أخرى إن الدافع الديني الاسلامي، للذهاب نحو الشهادة بمواجهة العصابة الأسدية المجرمة، كان له الدور الكبير في استمرار هذه الثورة وقدرتها على التألق طيلة العام ونصف..للجنة دور..للسماء، وهذا أمر قداسي واطلاقي لايجب توطيفه لاغراض سياسية عارضة كما ذكرنا أعلاه...من يذهب إلى الاستشهاد بصدر عار في هذه الثورة تحت شعار الحرية والكرامة...لا تخف منه...بل الخوف ممن يحاول تسيس هذا الدافع الروحي للشهادة بطريقة آحادية إقصائية..ونحن نعرف أن هذا مستحيل..لأننا بالنهاية نحن وسماؤنا وأرضنا نقبع في هذا التاريخ وعلينا ان نحل مشاكلنا وفقا لهذا التاريخ...فهل كل هذا يخيف؟ أم ان هنالك تيارات سياسية أخرى ومصالح أخرى تحاول التشويش على الثورة واستغلالها كما تحاول التيارات الاسلامية..فتصبح مادتهم جاهزة: أن الثورة مخيفة لأن فيها إسلاميين!! كيف يمكنننا الخروج من هذا النفق المصالحي؟ ونفق الصراعات الفكرية والسياسية، من ضمن هذه الدائرة التي يريد كل طرف فيها إقصاء الطرف الآخر دون الدخول إلى منطقة المشترك وهو دولة القانون وحقوق الانسان وصندوق الاقتراع...لا يحق لأحد أن يشرعن وفقا لدينه، كيف يمكن لشخص آخر من دين آخر أن يعيش..!! أو يسد عليه منافذ لطرائق عيش مختلفة لاتتناسب مع الحكاية الدينية..؟
هذه التخوفات من الثورة لأن فيها إسلاميين متشددين او غير متشددين..هؤلاء ساسة وليسوا اسلاميين..هذا ما يجب أن يعرفه الجميع... السياسيون الحكم بينهم صندوق الاقتراع بناء على مبدأ المواطنة، واعتقد ان هذا الأمر تتبناه غالبية كاسحة من قوى الثورة، وكتلتها الثائرة التي تشكل اكثرية واضحة من الشعب السوري، فلاداعي للخوف أبدا من ثورة فيها كل التيارات، وتجتمع على شعار واحد...الحرية والكرامة ودولة القانون.... وهذا الخوف بغض النظر عن مشروعيته من عدمها، لكنه لايندرج ضمن اطار محاولات بعضهم التشكيك بالثورة واهدفاها انطلاقا من هذا الأمر...ومختلف أيضا عن امتلاك الروح النقدية دوما تجاه هذه الثورة وقواها...
- آخر تحديث :
التعليقات