من الواضح، ورغم كل الماسي التي تعيشها الاقليات القومية والدينية في منطقة الشرق الاوسط، هذه المأسي التي اتت جراء ممارسات الاكثريات، الا انه يبدوا ان هذه الاكثريات لا تهتم بصرخات الام الاقليات. فحتى الكورد وهم من الاقليات القومية والتي عانت الكثير يحاولون استغلال الام الاقل منهم لتحقيق مصالح انية. والمؤلم ان بعض الاقليات العرقدينية مثل الشبك في العراق، والتي عانت من التهميش والغبن، وجدت ضالتها في اثبات قدرتها واماكانياتها في التعدي على الاخرين ومن خلال تعاونها مع بعض الاطراف الشيعية في محاولة للتغيير ديموغرافية قصبة معروف عنها انها صافية لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وهي قصبة برطلة.

المسلسل التاريخي مؤلم، وصراخنا صار من كثرة سماعه امرا عاديا، لا بل البعض صار يعتبره ضجيج مزعج ليس الا. المشكلة ليست فقط دينية كما يظهرها بيان مطارنة الموصل (صورة منه ادناه)، بل هي مشكلة شعب له لغة وعادات وتقاليد، تم العمل ومنذ زمن بعيد على محاولة ازلاتها بسبل مختلفة ومنها لقمة العيش. ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، لم يعد يشعر فقط بتهديد هويته القومية، بل صار متأكدا من الاستهداف الحالي وما قبله هو مخطط لاخلاء الوطن من اقدم ابنائه، ممن حافظوا على خصوصتهم الثقافية والدينية.

في الوقت الذي يعاني منه وطننا من الارهاب بمختلف انواعه، نرى ان الارهاب الجديد والذي يستهدف المسيحيين باقتلاعهم من جذورهم لا يأخذ من الاعلام اي مساحة، فمن المؤسف ان خبر محاولة بناء اكاديمية شيعية وحسينية في قصبة برطلة المسيحية وبناء مجمعات سكنية توزع لغير اهل البلدة واعتراض ابناء شعبنا بكنائسهم واحزابهم السياسية على الامر لانه يدخل في باب التغيير الديمغرافي، لا يهم اعلامنا العراقي ولا الاقليمي. علما ان الاعتراض ليس موجها ضد الحسينية او الاكاديمية بذاتهما ولكنه الى خيار الموقع، حيث يمكن اقامة ذلك في القرى الشبكية الشيعية التي لا تبعد عن قصبة برطلة كثيرا. بل هو على الاصرار العجيب على اقامة مثل ذلك في بلدة مسيحية لا يوجد فيها شيعة شبك.
ان الخطوات التي يتم اتخاذها وبدعم من الاخوة الشيعة العرب، تسمح لنا بان نستنتج ان الشيعة الشبك لهم مخططهم الخاص والذي يتلاقي مع التوجهات بعض الاطراف الشيعية، وبالتاكيد ان المخطط لا يتضمن عيش الشبك الشيعة تحت مظلة العرب السنة في الموصل. بل ان استهداف المسيحيين ومناطقهم يراد منه دفعهم للهجرة والاستيلاء على مناطقهم لخلق حالة امتداد للشيعة في الخاصرة الشمالية للسنة العرب. اي استعمال الشبك وتشيعهم لتحقيق غايات الاحزاب الشيعية وحتى اخر شبكي شيعي.

امام المحاولات المتتالية لغبن شعبنا والاستيلاء على اراضيه ودفعه للهجرة بالارهاب المباشر (عمليات قتل، تفجير الكنائس، استهداف رجال الدين) او بالاقدام على سلخ اراضي شعبنا بمختلف الحجج رغم ان ذلك يخالف القوانين والتعليمات السارية ومنها التي صدرت من رئاسة الوزراء، وامام قبول الاخوة الشبك الدخول في لعبة التجاذبات المحلية الشيعية السنية و الكوردية، فان موقف شعبنا بات على المحك. فخياراته محدودة، بالاستسلام للواقع المخزي وقبول بالامر الواقع، كما حدث ايام صدام حسين، حينما وزع الاف القطع من اراضي مناطق شعبنا على منتسبي اجهزته الامنية، او الدخول في لعبة التجاذبات المحلية ومحاولة الارتباط بالطرف الاخر من اطراف الصراع، وهنا فالخيار هو خيار دموي يكلف ابناء شعبنا والاخوة الشبك الكثير وفي النهاية سيستفاد الاخرين من ذلك. ولكن وامام عدم تفهم الاخرين حقيقة مخاوفنا وحقيقة ان الاعتداء يجري لان هذا البعض يشعر بضعفنا، وهو ضعف بين لانه لا يستند الى قوى اقليمية، وامام ان الخيارين المارين مكلفين لشعبنا ولشركاءنا في الوطن، فان الدعوة الى تدويل قضية شعبنا في المنطقة اصبح امرا لا مفر منه.

ان هذه الخطوة باتت ضرورية وخصوصا ان قوانا السياسية قد طرحت وبحسن نية تامة مشروعين متتالين لحل الاشكالات بشكل تام، من خلال اقامة حكم ذاتي يضم شعبنا والازيدية والشبك، او اقامة محافظة خاصة بالمكونات الثلاثة وبمن يقيم في المنطقة من العرب السنة والكورد المسلمين، الا ان عدم تجاوب بعض الاطراف يدعونا للتاكيد انهم داخلين في لعبة صراع قوى كما اسلفنا.

وهنا يجب ان ندرك ان التدويل سيتطلب ليس فقط جلب قوات دولية لتراقب الوضع، بل المطالبة باخضاع المشرع العراقي للمراقبة الدولية لكي لا يستغل مسالة الاستقلال والسيادة في الاضرار بالاقليات القومية والدينية، وبما يتعارض والاتفاقيا الدولية الخاصة بهذا الشأن. ان التغني بالاستقلال لن يحمينا، بل الحقيقة الواضحة ان المراد من الاستقلال والحرية لدى البعض، هي ان يكون حرا في اي ممارسة داخل البلد حتى لو ادت الى ازالة مكون حضاري من الوجود.

ان بعض الاطراف لا تشبع، ومهما اعطيت ستحاول ان تمد يدها الى ما يمتلكه الاخر، وهذه اللعبة ابتلى بها شعبنا منذ زمن بعيد، فقد اعطى وتنازل عن الكثير للحفاظ على رابط الجوار والتلاحم الوطني، ولكن الاخرين يمدون ايديهم الى اخر ما تبقى ليحفظ وجودنا القومي والديني. وعليه فمن واجبنا كابناء الشعب والاحزاب السياسية والكنائس ان نعمل من اجل وضع حد لهذا الامر، والتدويل ليس بخيار انتحاري ابدا، بل هو احد الخيار في ظل انعدام خيارات ضمن الوطن والشعب الذي نحن جزء منه، ولكن جزء مميز بدين ولغة وثقافة اخرى. انه من الواضح ان الدعوات التي تقول بتعايش الالوان العراقية الزاهية، ماهي الا كذبة كبرى، نحن كذبناها ونحن نصدقها، لان الاخرين يسيرون وفق مخططاتهم المرسومة في الاستحواذ والاستيلاء، وهكذا فالارهاب له طرق عدة ولكن ينتهي بنتيجة واحدة وهي اجتثاث شعبنا من ارضه التاريخية.

واذا كانت الحرب السنية الشيعية مشتعلة وان لم تكن معلنة، واذا كان القتل بين الطرفين مباح ومعلل ومستند بفتاوي من العلماء، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مصيرنا نحن المختلفين عنهم يا ترى؟ ان نظرة فاحصة لما يجري من باكستان شرقا الى المغرب غربا ستؤيد ما نقوله عن حرب شيعية سنية، وستؤيد ان الطرفين باتا لا يقبلان اي تنوع او اختلاف، واذا كان التنوع داخل الاسلام مرفوضا من خلال ممارسات القتل المتبادل والاعلام الحاقد والفتاوي المكفرة الصادرة عن الطرفين، فهل يمكننا ان نعتقد انهم يرحبون بوجودنا معهم.

خيار بقاء شعبنا كحالة مميزة ثقافيا وحضاريا، لا وجود لها في المهاجر، لا بل ان المهجر ايضا يؤدي الى ذوباننا في المجتمعات التي نهاجر اليها وان كان الذوبان او الانصهار بفعل الثقافة والتعليم. لذا فمن الواضح ان وجودنا في ارض الوطن هو العامل الاساسي لبقاء شعبنا واستمراره. ولكن بالتاكيد ليس وجودا ذليلا مسيرا، بل وجود فاعل له موقف معلن من كل قضايا الوطن. وجودا يضمن وبشكل قانوني المساواة التامة بين ابناء الوطن كافراد وكمكونات، ويضمن ان يعيش كل مكون ضمن قوانين تحفظ ارثه وتطلعه وطبيعة مجتمعه.

[email protected]