المناضل الفلسطيني توفيق الطيراوي غني عن التعريف، فهو من قيادات وكوادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح). وقد كان رئيسا لفرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين عام 1978 في لبنان، وعضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1978 وحتى الآن، وبعد عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة والضفة الغربية تمّ تعيينه عام 2006 مديرا عاما لجهاز المخابرات الفلسطيني حتى نهاية عام 2008، ومنذ المؤتمر العام السادس لحركة فتح في أغسطس 2009 وهو يشغل موقع مفوض عام المنظمات الشعبية في حركة فتح، ورئيس مجلس أمناء الأكاديمية الأمنية الفلسطينية حتى الآن.
بقي في لبنان بعد خروج غالبية المقاومة الفلسطينية الذي أعقب حصار بيروت من قبل الاحتلال الإسرائيلي في عام 1982، وعقب انشقاق عميلي المخابرات الأسدية أبو موسى وأبو خالد العملة عن حركة فتح بأوامر وتنسيق من ومع مخابرات حافظ الوحش، وحصارهم مع جيش الوحش عام 1983 للرئيس الراحل ياسر عرفات ومقاتليه في مدينة طرابلس شمال لبنان، وقصفهم بكافة أنواع الأسلحة إلى أن تدخلت البحرية الفرنسية واليونانية لإنقاذ عرفات ومقاتليه، قامت مخابرات حافظ الوحش بخطف المناضل توفيق الطيراوي في يوليو 1985 من بيروت، وبقيّ في سجون الوحش حتى بداية نوفمبر 1989، وبعد خروجه من السجن، قمت بزيارته في الشقة التي بقي فيها عدة أيام في دمشق، وكان يعاني من كسور في العمود الفقري وضعف في البصر من جراء التعذيب الذي تعرض له على يد سجّاني الوحش حافظ. وبعد خروجه من دمشق والتحاقه بكوادر المقاومة في تونس، بقيّ مع الرئيس عرفات حتى عاد إلى القطاع والضفة معه. كتب المناضل توفيق الطيراوي شهادته عن تجربته المؤلمة في سجون الوحش حافظ، ونشرها في مجلة (النشرة) التي كان يصدّرها في القطاع الكاتب والصحفي الفلسطيني المرحوم خالد الزبن الذي تمّ اغتياله في مدينة غزة في بداية مارس عام 2004 . وشهادة المناضل توفيق الطيراوي عن تجربته في السجن هي شهادة مئات المناضلين الفلسطينيين الذين أمضى بعضهم مثل المناضل الفتحاوي عبد المجيد الزغموط ما يزيد على ثلاثين عاما في تلك السجون ومات فيها عام 2001 .
هذه هي شهادة اللواء توفيق الطيراوي
يقول توفيق الطيراوي في شهادته عن فترة سجنه في السجون الأسدية المتوحشة:

(بداية أود القول أن كل ما سأرويه في شهادتي هذه، لا يعطي إلا صورة موجزة عن حقيقة ما يعانيه جميع المعتقلين داخل زنازين وأقبية سجون النظام السوري. في تاريخ الثالث والعشرين من يوليو 1985، اختطفتني المخابرات السورية من بيروت إلى معتقل (عنجر)، وبقيت هناك أربعة أيام تعرضت خلالها لأقسى أنواع التعذيب والاضطهادوالإهانة، ثم نقلوني مع العشرات من المعتقلين الآخرين إلى فرع المخابرات السورية المعروف ب (فرع فلسطين) رقم 235 في العاصمة السورية دمشق، وبقيت في سجن هذاالفرع قرابة إحدى عشر شهرا، في قبو صغير تحت الدرج، ويعتبر زنزانة انفرادية، بعد ذلك نقلوني إلى مهجع أكبر قليلا من الزنزانة الأولى، وبقيت فيه حوالي ثلاث سنوات، ثم قاموا بنقلي إلى مهجع أكبر،وبقيت فيه إلى حين خروجي من المعتقل يوم الثاني من نوفمبر عام 1989، حيث أبعدوني إلى لبنان.
الشهور الأولى لإعتقالي التي أمضيتها في زنزانة منفردة، كانت الأقسى والأصعب خاصة الأشهر الثلاثة الأولى منها، هي الأشهر التي يخضع فيها السجين للتحقيق اليومي المكثف على مدارالأربع والعشرين ساعة، يتعرض خلالها لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي...إضافة إلى ما يعانيه السجين داخل الزنزانة (القبر)، حيث البرد القارص الذي لا يحتمله إنسان في الشتاء، والحرارة الأشد في الصيف، ولا يوجد فيها أي متنفس سوى فتحة صغيرة في الأعلى، والزنزانة خالية من دورة المياه، وهذا يعني أنه إذا رغبت في قضاء حاجتك في غيرالأوقات المسموح لك بالخروج فيها، فما عليك إلا أن تتبول في ملابسك، وهذا حصل معي أكثر من مرة. .

وسائل التعذيب الجسدي

كثيرة هي الطرق و وسائل التعذيب التي يمارسها الجلادون في السجون السورية ضد المعتقلين، ولديهم أكثر من ثلاثين طريقة تعذيب، ولكن سأتحدث فقط عن الطرق التي مورست في تعذيبي شخصيا داخل السجن :

أولا : الدولاب، وهذه الوسيلة يستقبل بها السجين منذ اليوم الأول لوصوله، ويتم خلالها وضع السجين داخل إطار سيارة، بحيث يكون غير قادر على الحركة ويصبح ظهره مقوسا،وتكون رجليه قريبة من رأسه، ويبدأ ضرب السجين بالكرباج، وهو عبارة عن كابل كهربائي مؤلف من عدة أسلاك معدنية، ويستمر الضرب حتى الإغماء، ويطال الضرب كل أعضاء الجسم بما فيها الأعضاء الحساسة .

ثانيا : الفلقة، ويتم فيها ربط رجلي السجين ورفعهما إلى أعلى، ويبدأ الضرب بالكابلات الكهربائية والهراوات، ويستمر الضرب حتى يفقد السجين وعيه، وهذه العملية تستعمل أكثر من مرة في اليوم .

ثالثا: الوسيلة التي عذبوني بها كثيرا، وتكاد تكون الأصعب وهي الكرسي .وهو كرسي خاص مجهز بمفاصل حديدية في منطقة إتصال المسند بالمقعد، ويربط عليه السجين من القدمين والأكتاف واليدين خلف مسند الكرسي، حيث تفتح بعد ذلك المفاصل بما لا يتيح للسجين أي شكل من أشكال الحركة، حيث أية حركة تضغط على العمود الفقري، وهذا يعني أن أي سجين إذا زاد عليه الضغط لثوان معدودة يمكن أن يؤدي إلى كسرعموده الفقري... وقد تعرض أحد السجناء لكسر في عموده الفقري جراء هذا التعذيب،وسجين آخر ينتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أصيبت يداه الاثنتان بالشلل التام جراء تعذيب الكرسي، وهناك وسائل تعذيب أخرى استعملت ضد سجناء آخرين،وتضاهي الكرسي في وحشيتها، وهي البلانكو و السلّم... بالإضافة إلى وسيلة جديدة ابتكرها الجلادون، وهي الدفاية، ويقوم خلالها الجلادون بفتح رجلي السجين، ويأتون بدفاية كهربائية ذات درجة حرارة عالية جدا، ويقومون بتقريبها من أعضائه الجنسية، مما يسبب له آلاما لا يمكن احتمالها .

التعذيب النفسي

في الحقيقة، كان للتعذيب النفسي والمعنوي طوال فترة السجن التأثير الأكبر عليّ وعلى باقي السجناء، حيث أن التعذيب الجسدي، كان ينتهي بعد نهاية الآلام والأوجاع التي كنّا نعاني منها بعد كل عملية تعذيب، أما التعذيب النفسي، فكانت آثاره تستمر طوال اليوم والشهر والسنة، خاصة وأنت لا تعرف أين أنت، ولماذا أنت في السجن، وماهو مصيرك وما يمكن أن تتعرض له...والسؤال الأقسى الذي كان يضغط علينا هو : هل أهلك يعرفون عنك شيئا، حيّا كنت أم ميتا ؟. والتعذيب النفسي كان يأخذ أشكالا مختلفة...على سبيل المثال، وهذا السؤال وجهوه لي منذ اليوم الأول لاعتقالي : مارأيكم أن توقعوا على بيان تشتمون فيه ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، ونفرج عنكم ؟. وقد عرضوا عليّ أيضا أن ألتحق بصفوف المنشقين عن حركة فتح، كي يفرجواعني!!!. أنا شخصيا تعرضت لمساومات عديدة للخروج من السجن مقابل التوقيع على بيان ضدالأخ ياسر عرفات وضد منظمة التحرير أو الانضمام للمنشقين، وآخر مرة تعرضت فيها للمساومة من هذا النوع، كانت أيام حرب المخيمات، حين أتاني محمود عيسى (أبو عيسى)، وهو أحد قيادات المنشقين إلى السجن، وقابلته بوجود العقيد بسام، وهو نائب رئيس فرع فلسطين في المخابرات السورية، وساومني الاثنان على الخروج من السجن شريطة الانضمام إلى المنشقين...إضافة إلى العديد من السجناء، كانوا يضغطون عليهم من خلال أقاربهم وأهلهم، مثل عادل الصغير وكان مصابا بالربو وهو أبن عم زياد الصغيرأحد المنشقين، وقد جاءه أحد أقاربه ليقول له : إن أبن عمك سيتدخل للإفراج عنك،فردّ عليه عادل : لن أخرج من السجن عن طريق المنشقين حتى لو بقيت عشر سنوات أخرى في السجن، وكانوا يهددوننا على الدوام بالاتصال بأهلنا وعائلاتنا للضغط علينا، أو يمنعون عنا الزيارة التي كانت تتم بالمناسبة .

وأريد أن أذكر قصة تعطي الدليل على فظاعة التعذيب النفسي والمعنوي الذي يمارسه النظام السوري بحق جميع السجناء والمعتقلين . عندما وصلت في اليوم الأول إلى السجن في دمشق، بادرني أحد المحققين بالقول : إن أسمك ليس توفيق الطيراوي، وإنما عصام ثابت، و بمجرد أن سمعت هذا الاسم، حتى تملكني الرعب وتبادر لذهني على الفور أسم أمين ثابت وهو الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدم في سورية، وكان اسمه الحقيقي كوهين . وتبادر إلى ذهني أن عصام ثابت هذا، ربما أرتكب عملا ما، وسيتم بالتالي أتهامي بهذا العمل، وربما قاموا بعد ذلك بتصفيتي جسديا، ثم عرفت أن هذه أسماء وهمية يطلقونها على بعض السجناء الذين ينوون إنكار وجودهم في السجن أصلا، حتى لا يطالب بهم أحد، وأمام هذا الوضع كان لا بد من الإصرار على موقفي مهما كانت التبعات، فرفضت أمامهم وبشدة هذا الاسم، وأصريت على أني أسمي هو توفيق الطيراوي، ورفضوا هم ذلك، وأصروا على إنكار أسمي الحقيقي بالتهديد حينا وبالضرب والشتائم أحيانا عديدة، ثم أخذوني إلى شخص آخر مهمته استلام أغراضي الشخصية التي سرقوها فيما بعد، وعندما سألني هذا الشخص عن أسمي، قلت له : توفيق الطيراوي، فقام على الفور بضربي وشتمي قائلا : يا كلب يا أبن الكلب، أسمك الحقيقي يجب أن تنساه وإياك أن تذكره، وإن أسمك الآن هو عصام ثابت .

وقد كان هذا الأسلوب من أقسى أساليب التعذيب النفسي الذي يتعرض له السجناء، لأنهم لايعرفون لماذا يطلقون عليهم هذه الأسماء تحديدا، وما هو المصير الذي ينتظرهم من وراء تغيير أسمائهم !!. الشيء الآخر الذي كان يسبب لنا ضغطا نفسيا كبيرا، إنك تكتشف بأنك مسجون ضمن ظروف لا تفهم عنها شيئا، خاصة بعد أن اتهموني بأنني كنت وراء وضع متفجرات في سورية، وهذا غير صحيح، وبمجرد أن سمعت بهذا الاتهام الباطل حتى تبادر لذهني بأنهم يودون إعدامي، مما جعل ظروفي النفسية صعبة للغاية. ومن ضمن وسائل التعذيب الأخرى، نظام الرهائن، حيث يتم اعتقال زوجة أو شقيقة أو والدة أو والد أو شقيق أو أبن أحد المطلوبين الذين لم يتمكنوا من اعتقالهم، ويستمراعتقال هؤلاء حتى يسلم المطلوب نفسه، وعلى سبيل المثال تمكن سجين من الهروب من السجن، فقاموا على الفور باعتقال زوجته وضربوها حتى أجهضت، ورفضوا الإفراج عنها إلى أن سلّم السجين الهارب نفسه..في الحقيقة إن المعاملة السيئة التي تعرضنا لها،وما يزال باقي السجناء يتعرضون لها لا يمكن وصفها، حيث كان الواحد منّا يشعربأنه إسرائيلي مسجون عند النظام السوري.

النساء السجينات

يوجد في السجن العشرات من السجينات الفلسطينيات واللبنانيات والسوريات، ممن اعتقلن من لبنان وسوريا، والعديد منهن اعتقلن مع أطفالهن ممن تتراوح أعمارهم بين السنتين والأربعة سنوات...وكنّا نسمع دائما أصوات بعض النساء وهن يصرخن في وجوه السجانين، قائلات لهم : نريد حليبا وماء لأطفالنا. وقد تعرضت أولئك النسوة للتعذيب الجسدي والنفسي، و أيضا كان العديد من النساء اللواتي اعتقلن مع أزواجهن مثل زوجة الأخ عطية، وهو عضو لجنة منطقة في مخيم شاتيلا، وبقيت زوجته معتقلة أكثر من عام، وزوجة المحامي ياسين بقيت في السجن أكثرمن عام، وكانت هناك امرأة مسنّة أسمها أم عصام، بقيت معتقلة مع ولديها الاثنين . وهناك ثلاثة فتيات فلسطينيات أفرجوا عنهن، وتم تسليمهن للمنشقين الذين وضعوهن في السجن لأكثرمن ثلاثة شهور، بعد أن رفضن التوقيع على بيان التعاون والعمل معهم.

العدد الحقيقي للمعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري

في الحقيقة، إن العدد الحقيقي للمعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري يتعدى الستة آلاف، ولكنني لا أستطيع أن أعطي رقما دقيقا لعدد السجناء للأسباب التالية :

أولا : هناك مابين 1500 و 2000 سجين مفقودين، لا يعرف عن مصيرهم شيئا.
ثانيا : توجد أماكن عديدة للاعتقال والسجن ممنوع عنها الزيارة، وبالتالي من الصعوبة معرفة عدد المعتقلين داخلها .
ثالثا : العدد الكبير للسجون وأماكن الاعتقال .
رابعا : صعوبة الاتصال مع غالبية السجون والمعتقلات.
لهذه الأسباب، لا أستطيع أن أعطي رقما دقيقا عن عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري، وعلى سبيل المثال، فإن ما يسمى سجن فرع فلسطين الذي كنت مسجونا فيه، وصل عدد السجناء الفلسطينيين فيه إلى أكثر من 1000 سجين، في الوقت الذي لا يتسع فيه لأكثر من 500 سجين .
في الختام، وأنا أضع شهادتي هذه بين أيديكم، أرجو من جميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات العربية والدولية المهتمة والمدافعة عن حقوق الإنسان، أن تضاعف جهودها من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين في سجون النظام السوري : فلسطينيين ولبنانيين وعربا آخرين).

ما رأي عديمي الضمير المدافعين عن نظام الوحش؟
ما رأي هذه الفئة الضالة من المرتزقة المصفقين والمطبلين لنظام القمع الوحشي؟ ألا يستحق هذا النظام وعائلته وأخواله وعصاباته التحويل لمحكمة الجنايات الدولية بسبب هذه الجرائم التي ترقى لحد الإبادة الجماعية المتعمدة التي لن تكون مجزرة الحولة والقبيرآخر مجازره ومذابحه؟.