الحديث عن التغيير في إيران يتطلب بالضروة الحديث عن البديل القادم او المحتمل لإيران مابعد نظام ولاية الفقيه، وهو حديث بات الخوض فيه مرغوبا و محببا الى النفوس في مختلف الاوساط السياسية و الاعلامية، لکن مازال هناك إختلافا و تعارضا و تضاربا بشأن البديل المناسب للنظام الايراني.
ماأفرزته ظاهرة ثورات و إنتفاضات الربيع العربي في خطها و محصلتها العامة، تؤکد على أن بداية کل تلك الثورات و الانتفاضات قد کانت عفوية او تلقائية و لم ترتکز على مشروع حزبوي او فئوي و لا على برنامج سياسي مسبق مخطط و موضوع من قبل جهات معينة وانما کانت هذه الثورات حرکات جماهيرية عامة تهدف الى إجراء تغيير في نظام الحکم القائم الذي صار بمثابةquot;النسبة الثابتةquot;في دول المنطقة، لکن هل يمکن أن تنطبق نفس الحالة على إيران؟ هل ان التغيير في إيران سيکون عفويا و تلقائيا کما کان حال معظم ثورات الربيع العربي؟ لاريب من أن الاجابة على هذين السؤالين يقود الى مراجعة و تمحيص الواقع السياسي في إيران و تقليبه من مختلف الجوانب للخروج بإجابة شافية.
قبل أن نجيب على هذين السؤالين، نستدرك و نقول بأن عفوية و تلقائية الثورات العربية قد کانت اساسا بسبب عدم تواجد المعارضة السياسية الوطنية الفعلية على أرض الواقع وانما کانت في خطها العام مجرد تنظيمات سياسيةquot;مهادنةquot;اوquot;مسايرةquot;او متقبلةquot; او quot;متحفظةquot;على النظام القائم، ولم نجد معارضة واحدة في المنطقة حملت او تحمل شعار إسقاط النظام بل وان حرکة الاخوان المسلمين التي رکبت الان الموجة في مصر، کان لها نوابها في مجلس الشعب المصري في زمن نظام حسني مبارك ولم يرفع الاخوان أبدا شعار اسقاط النظام او تغييره وانما سايروه و تماشوا معه الى أبعد حد، ولذلك فإن الجماهير المنتفضة کانت تعلن عن کوامنها الذاتية بعيدا عن الاتجاهات الحزبوية و الفئوية التي کانت غائبة تماما عن ساحة مواجهة و مقارعة النظام القائم.
الحديث عن الانتفاضة و الثورة و التغيير في إيران يدفعنا شئنا أم أبينا الى ملف المعارضة الايرانية و دورها و تواجدها على الساحة الايرانية، وقطعا ان المعارضة السياسية و الفکرية في إيران تختلف کثيرا عن المعارضة السياسية و الفکرية في بلدان الربيع العربي، إذ أن المعارضة الايرانية کان لها دورا مشهودا طوال التأريخ المعاصر لإيران، وان هذا الدور قد برز و تصاعد بعد أن قام محمد مصدق رئيس الوزراء الايراني في الخمسينيات من القرن الماضي بتأميم النفط، حيث لاقت هذه الخطوة موقفا عنيفا من جانب الشاه و الامريکان من خلفه، وعلى الرغم من أن الامريکان قد نجحوا في إجهاض الخطوة الوطنية لمصدق بتأميم النفط، لکنها ترکت أثرا عميقا في ضمير و نفس الشعب الايراني، ولذلك فقد أفرزت ظاهرة الزعيم الوطني مصدق تيارات سياسية رافضة لنظام الشاه تجلت في تجمعات و أحزاب مختلفة و متباينة کانت أهمها و أکثرها تأثيرا على الساحة السياسية في إيران منظمة فدائيي الاسلام و منظمة مجاهدي خلق، و تيارات سياسية أخرى، لکن الدور الاکبر و الابرز و الاکثر خطورة على نظام الشاه و بشهادة التأريخ نفسه کان لمنظمة مجاهدي خلق التي تمکنت من أن تقض مضجع النظام الملکي السابق و تشکل تهديدا جديا له، وليس بخاف على أحد أن المنظمة قد لعبت الدور الاکبر في تحريك الاحداث بإتجاه الثورة الايرانية التي اسقطت الشاه، لکن الخميني و بسبب سياق الاحداث و الاوضاع في إيران و التي خدمته و خدمت مطامحه کثيرا، إلتف على الثورة الايرانية و أفرغها من محتواها و جعلها في نهاية المطاف مجرد مسعى سياسي ذو طابع ديني لتغيير دکتاتورية ملکية الى دکتاتورية لرجال الدين.
منظمة مجاهدي خلق التي حاول الخميني کثيرا الالتفاف عليها و استيعابها و خداعهاquot;کما فعل مع معظم القوى السياسية الايرانية و نجح في ذلكquot;، لکنه إصطدام بجدار رفض و معارضة غير مألوفة لمشروعquot;نظام ولاية الفقيهquot; من جانب هذه المنظمة ولم يتوفق الخميني و لا بطانته من إقناع المنظمة بأن تکون تحت عباءة الخميني، ولذلك فقد کان من البديهي الاختلاف و المواجهة الشرسة من جانب النظام الديني الاستبدادي القمعي الذي يعتبر نفسه إمتدادا لله سبحانه و تعالى على الارض، ولم تکن هذه المواجهة سهلة و لاعادية کأي مواجهة سياسية بين حکومة او دولة مع معارضة سياسية لها، إذ أن نظام ولاية الفقيه قد تجاوز کل الحدود و المقاييس المتعارف عليها في تعامله و تعاطيه مع هذه المنظمة و لجأ الى التحريف و التزييف و التشويه و قلب الحقائق المتعلقة بمنظمة مجاهدي خلق و تأريخها النضالي المشهود لها من قبل الشعب الايراني نفسه، ويکفي أن نشير الى أن زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي عندما خطب في الجماهير الايرانية في بداية نجاح الثورة في جامعة طهران حضر جمع کبير جدا تجاوز 300 ألف فرد، مثلما أن ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية في إيران قد أرعب النظام الديني کثيرا و دفع بالخميني الى رفض ترشيحه، أما لماذا فلأنه کان معارضا و مخالفا بحق للنظام الديني و کان ينطق بلسان حال الشارع الايراني.
الحديث عن البديل السياسي لنظام ولاية الفقيه في إيران، حديث ذو شجون، وقطعا أنه ليس بوسع أحد التعويل على الملکيين المتخبطين و لا على التيار الاخضر الممزق و الساعي في النهاية الى تجميل الوجه البشع للنظام و إعادة تأهيله مجددا للشعب الايراني و العالم، المعارضة الايرانية الحقيقية هي تلك التي شکلت و تشکل تهديدا دائما للنظام الايراني و تدفعه لکي يسلك کل السبل و الطرق المختلفة من أجل القضاء عليها کما کان الحال و لايزال مع منظمة مجاهدي خلق، بل وان التمعن في الانتفاضة الايرانية عام 2009، عقب الاحتجاجات التي حدثت على خلفية مسرحية الانتخابات الرئاسية في إيران و التي إنقلبت فيما بعد الى إنتفاضة أظهر الشعب الايراني خلالها رفضه الکامل لنظام ولاية الفقيه و لشخص الولي الفقيه ذاته، هذه الانتفاضة يعلم الجميع أن قادة النظام قد إتهم منظمة مجاهدي خلق بالوقوف خلفها و تغذيتها و توجيهها، والحقيقة المهمة جدا التي يجب الانتباه إليها جيدا هو انه متى و أينما رفع شعار رفض نظام ولاية في إيران فإن الانظار کلها تتجه صوب منظمة مجاهدي خلق لأنها الجهة السياسية الوحيدة التي رفعت شعار رفض نظام ولاية الفقيه قبل إقراره و الوحيدة التي دعت و تدعو و تصر على إسقاط هذا النظام.
والحقيقة، ليست هناك أطرافا سياسية معارضة يتخوف منها رجال الدين الحاکمون في إيران کما هو الحال مع منظمة مجاهدي خلق، وان معظم الاطراف السياسية المعارضة للنظام الايراني خفتت أصواتها او تلاشت و إنتهى تأثيرها ماعدا منظمة مجاهدي خلق التي ظلت متواجدة و تفرض حضورها على مختلف الاصعدة وهي التي دائما تقرع الاجراس و تنبه العالم أجمع الى ماجرى و يجري في ظل هذا النظام القمعي، وفوق کل ذلك فهي أيضا خاضت و تخوض نضالا سياسيا دؤوبا من أجل رفع تهمة الارهاب المفروضة عليها قسرا و هي وبعد أن نجحت أيما نجاح في رفع هذه التهمة من جانب دول الاتحاد الاوربي، فإنها تخوض اليوم مواجهة سياسية محتدمة مع لوبي النظام الايراني في واشنطن حيث يسعى هذا اللوبي و بمختلف الطرق و الاساليب الى عرقلة عملية شطب اسم المنظمة من قائمة الارهاب و التي باتت في حکم المؤکد، وان المواجهة الجارية في واشنطن حاليا، تؤکد بصورة جلية ان لعملية إخراج المنظمة من اللائحة تأثيرات و نتائج بالغة الخطورة على المشهد السياسي الايراني، ذلك أن هذه المنظمة کانت و لاتزال البديل السياسي الجاهز لهذا النظام مثلما کانت أيضا البديل الانسب لنظام الشاه، لکن إختطاف الثورة الايرانية و حرفها عن مسارها الاصيل منح الفرصة لرجال الدين کي يهيمنوا عليها.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات