كان يجب أن يسقط؛ لأنه فقد مسوِّغَ وجوده؛ فلم تعد له وظيفة اجتماعية سياسية، كما النظام السياسي الطبيعي، والدولة؛ فأصبح كــــlaquo; المخلفات الثقافيةraquo; laquo;cultural survivalsraquo; وهي السمات الثقافية التي laquo;تلكأتraquo; في سيرها وتخلفت عن ركب التطور، أو على الأقل لم تتطور بنفس السرعة التي تطورت بها بقيةُ السمات والنظم، وأصبحت نتيجة لذلك، غربيةً عن الحياة الاجتماعية في مجملها، ولم يعد وجودُها يتلاءم مع بقية النظم السائدة في ذلك المجتمع، كما لم يعد لها وظيفةٌ معينة في الحياة الاجتماعية. (وليس وحده، ولكن لعله من أكثرها وضوحا).

إلا أن تلك laquo;المخلفات الثقافيةraquo; قد تكون ضرورية لغايات بحثية، وتاريخية، أو جمالية إنسانية، ولكن هذا laquo;النظامraquo; أصبح فاعليةَ إضرارا وخطر، ولا سيما بعدما تعرض لهذه الثورة التي كشفت عن مقدار تعفنه، ووحشيته، فقد (دفشه الناس ورأوا ما ...)!

كان يجب أن يسقط؛ لأنه لما فقد وظيفته المفترضة، واستعصى على التطور والتكيف لم تعد له شرعية، هذا إذا كانت له أصلا، ولا قبولا؛ فكان الرفض الشعبي، وزاد حينما جُوبِه الطالبون بالحرية، بالعنف المفرط الذي أيقظ المكبوت عقودا...ظلما وتفردا بمقدرات البلد، وتهميشا للناس، إلا من كان من الحزب، أو تملق، أو نافق...

وسرّع في سقوطه تهاوي نظرائه من laquo;النظمraquo; المستبدة الجبارة، كالقذافي الذي أظهر بشار الأسد، تألمه، مؤخرا، من الطريقة التي انتهى فيها؛ لعله خشي أن يناله ما ناله!

كان يجب أن يسقط، وهذه الـــــlaquo; يجبraquo; ليست الوعظية غير المفضَّلة، كثيرا، ولكنه الوجوبُ الضرورة، وليس laquo;الحاكم الضرورةraquo; الذي كانَه الأسد؛ ليحمي العروبة التي أصبحت يتيمة، وقضاياها؛ فكان خنقُه لهذا الشعب السوري المتميز ذكاء واتقادا، وقهرُه، دون أن يحرر له أرضه الغالية في الجولان البالغ الأهمية والاستراتيجي الموقع والموارد والمياه، ملتزما التزاما حديديا باتفاقية فك الاشتباك، منذ 1974م ودون أي مقابل! كان ذلك هو رعاية العروبة، حق رعايتها!

وكان تحالُفه الاستراتيجي، وما فوق الاستراتيجي مع إيران، مع كل عنجهيتها، وطموحها في السيطرة الإقليمية الفجة...هو رعاية العروبة حقَّ رعايتها، وكان تخريبُه للبنان، مع تنسيقه مع الولايات المتحدة في كل المفاصل المهمة في المنطقة، بشهادة مسؤولين أمريكيين علنية هو الرعاية القومية، والمزاودة المستفزة الكاذبة!

هذه الضرورة، وهذا الوجوبُ جسَّده، وأخرجه من النظرية إلى التنفيذ، الشعبُ السوري الأسطوريُّ الشجاعة، والبالغ التصميم..كما ساعده تعفُّنُ laquo;النظامraquo; من الداخل، كما كل النظم الفردية الدكتاتورية التي هي أشبه ببيت العنكبوت، وإن أوْهنَ البيوتِ لبيتُ العنكبوت!

والآن، وقد يُئس من استمراره، وقام عوَّدُه؛ يأسا من شفائه، ماذا بقي للمدافعين عنه؟!
من الناحية الواقعية هم يعولون على (حصان) خاسر، ومن ناحية مستقبل الوطن وسلامة المجتمع أصبح عبئا عليه، ووبالا، ومنذرا بأفعال انتقامية يائسة، خَطِرة، على كل مكونات الشعب السوري، ولا يراها هو؛ فلا يعبأ بها؛ لأنه المهزوم المجروح في (كبريائه).

فإذا كان قبل فترة، في خضم الثورة، موضعَ تنازع، وانقسام، غير حاسم، أو غير ظاهر الحسم؛ فإنه، الآن، أراح المترددين، ووضح أمرُه للمتخوفين من كيفية خلاصهم منه، أو تخليص البلد منه؛ فالمسألة قد لا تكون بتلك الخطورة، ولا الصعوبة، صحيحٌ أنها لا تخلو من ذلك، وأي ثمن سيتحقق!

فعودة القرار إلى الناس، مهما قيل عن تدخلات خارجية، فإنها لن تكون فاعلة إلى درجة إلغاء الشعب كلِّه، وهو على هذا القدر من الشجاعة والوعي..وقد بولغ في تأثير قطر على ليبيا، مع أن إسهامها هناك كان أوضح، وأكبر.. ومع ذلك لم يرتهن الشعب الليبي لقطر، ولا لغيرها؛ فالشعور الوطني ليس من السهل أن ينكص على عقبيه، ويعود إلى الاستخذاء والتبعية؛ فهذا تهميش مسطح لإمكانات شعب عريق.

وهذا الاتهام تجاهلٌ للحالة النفسية لهذا الشعب الذي ضاق ذرعا بمصادرة رأيه، وطمس شخصيته، على مدى ما يزيد عن عقود أربعة..إذا كان التاريخ قد شهد حالات عديدة تغلَّب فيها المغلوبُ على الغالب العسكري، حضاريا، وهنا لا مقارنة، ولكن مقاربة، فإن الشعب السوري المتطلع إلى استرجاع ذاته وكينونته يمتلك من المقومات ما يعصمه من التبعية لأي جهة دولية، أو غير دولية، من باب أولى.

هذا الانعتاق من التبعية، إذا أردناه مطلقا، لن يكون إلا إذا تحرر الإنسان داخليا، وتجانست قوى الشعب في نظام سياسي حقيقي فاعل، ومفعِّل للطاقات الظاهرة، والكامنة.

وكما لم يحمِ الدعمُ الروسي، ودعمُ إيران وحلفائها، والتلكؤ الدولي، حتى الاتهام بالتواطؤ.. الأسد من شعبه، ولم يمنع تهاويه المريع هذا..فلن يكون التدخل الخارجي مانعا من التحرر مستقبلا، كلما نضجت الأوضاع الداخلية.

ولو ذهبنا إلى العلاقات الدولية، وعلاقات سورية الخارجية فإن بقاء الأسد، على فرَض بقائه، سيعطي لروسيا غيرِ البريئة عن الأطماع والسيطرة فرصةً تاريخية لامتلاك هذا البلد، بعد أن أضحت laquo;قيادتُهraquo; أسيرةً لهذا laquo;الجميلraquo; الروسي الذي حفظ له حياتَه، وأعاد له روحه المُزهَقة!

وlaquo;نظامraquo; غير مؤسسي، سيكون أسهل ابتزازا من روسيا وغيرها. فضلا عن أن انقطاع صلته بشعبه، على هذا النحو، وقطع كل الخيوط معه، سيدفعه دفعا أشد ضعفا، إلى الدول التي كانت صديقته وقت ضيقه، روسيا والصين وإيران، وسواها.

في المقابل فإن انطلاق الشعب السوري من عقاله، بروح الثورة الجديدة القاطعة مع ما قبلها سيوفر فرصةً لإعادة تشكيل المجتمع والدولة، بمشاركة كل المكونات، بعيدا عن الثأرية الضيقة، أو الإقصاء.

وعلى الصعيد الدولي لن يكون من السهل فرض قيادات سورية معينة، ولو كان، فلن تكون مطلقةَ اليد، ولا دائمةَ السلطة، وقد عادت السلطةُ الحقيقية، أو جزءٌ كبير منها، إلى الشعب؛ فإنْ لم تكن في الطور الأول، فالشعب إلى استعادتها، وامتلاكها في الطور التالي..
[email protected].