أنْ تكون السعوديةُ المحطةَ الخارجية الأولى للرئيس المصري، محمد مرسي، أمرٌ لا يخلو من دلالة، وقد جاءت بناء على دعوة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد بعض التوتر الذي انتاب العلاقة بين البلدين العربيين المهمين؛ بسبب أزمة المحامي المصري، أحمد الجيزاوي.

لكن العلاقات بين البلدين أعمق من حادثة فردية، فهي ترتكز إلى عدد من الروابط منها الاقتصادي، حيث المعونات السعودية المباشرة، أو عن طريق الاستثمار، ومنها حجم العمالة المصرية في السعودية، وحجم الإقامات للسعوديين في مصر. ومن الروابط، كذلك الجوار الجغرافي المباشر، فضلا عن الرابط القومي العربي، وحتى البعد المذهبي الذي نوه إليه مرسي، حينlaquo; أكد أن المملكة العربية السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، وراعية مشروع quot;الإسلام الوسطى السنيquot;، وأن مصر هي حامية لهذا المشروع، وما بين الراعي والحامي انساب وصهرraquo;.
وفي هذا تعريض بإيران التي من المتوقع أن يزورها قريبا؛ لتسليم رئاسة قمة عدم الانحياز.

ومن المعروف أن مصر والسعودية كانتا في محور واحد، أيام حكم الرئيس السابق، حسني مبارك، فالسؤال الجوهري: هل يرغب الإخوان المسلمون، بشخص مرسي، تغيير هذه العلاقة، أو التقليل منها؟ وإذا رغبوا هل يقدرون على ذلك؟

ومن جهة السعودية ودول الخليج: هل تمنعهم تخوفاتُهم من المدِّ الإخوان السياسي، من علاقات مميزة مع مصر؟

أولا، يستبعد أن ينجح الإخوان في إحداث تغييرات مهمة في السياسة الخارجية لمصر؛ للأسباب التي باتت معروفة عن حجم قوتهم في الدولة، وفي الشعب، ثم، ولعله الأهم، أنَّ المساس بعلاقات مصر بدول الخليج العربي، والسعودية سينعكس سلبا على الاقتصاد المصري، وعلى ألوف العوائل التي تفيد من هذه العلاقات، ولا يزال الاقتصاد المصري يعاني من النزيف بعد الثورة، وهو في أمسِّ الحاجة إلى الحفاظ على ما تبقى من مكتسبات وتنميتها.

فالإخوان ومرسي لا يوجد لديهم ما يرغِّبهم في الإساءة إلى علاقات مصر بدول الخليج العربي، وقد صرح مرسي بأن laquo;مصر لن تقبل بأي quot;انتهاك للأمن القومي العربي، مشددا على أن بلاده ستقف قوية في مواجهة التحديات والأخطار التي قد تهدد الأمة العربيةraquo;. وهذا أيضا تنويه لإيران التي لا تنفك عن تصريحات ومواقف استفزازية، في منطقة الخليج، ولعل أوضح ما بدر منها، مؤخرا زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى الجزر الإماراتية التي تحتلها، وما شابَها من تصريحات مبطنة.

وكذلك تقوم إيران بدور سلبي في بعض البلدان الخليجية والمناطق التي تشهد احتجاجات، كالبحرين، وشرق السعودية، ومن قَبْلُ كان له دور مساند للحوثيين في اليمن.

هذا فضلا عن مشروع إيران النووي الذي تتخوف منه دول الخليج؛ لما سيحدثه من اختلال واضح في ميزان القوى، وحتى إن مخاوف وتحذيرات تتجه إليه، لو كان سلميا؛ نظرا لوقوع المفاعلات النووية الإيرانية على خط الزلازل، وافتقار طهران لأسباب السلامة الضامنة، ولا تبلغ إيران مستوى اليابان التي لم تستطع أن توفر آليات كافية لذلك.

وحتى إن طموح إيران النووي يؤثر على مصر نفسها، وقد كان موقفُها، أيام مبارك، الدعوة إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، ولا يُتوقع أن يتغير هذا الموقف؛ لأن البعد الوطني والقومي سيظل حاضرا بقوة في السياسة الخارجية لمصر.

وإذا التفتنا إلى التطورات الخطيرة في سورية، فإنها تمثل دافعا آخر للتقارب المصري العربي والخليجي، على حساب إيران الداعمة للنظام في سورية. فالصراع الجاري على أرض سورية أخذ بعدا إقليميا واضحا، ولنتائجه تأثير بالغ على توازنات الإقليم .. وكان مرسي واضحا في خطابه الأخير في مؤتمر المعارضة الذي عقد في القاهرة، حيث دان النظام السوري، بأقوى العبارات..وبيَّن متانة العلاقة بين مصر وسورية عائدا إلى التاريخ البعيد نسبيا والقريب.. مذكرا بردِّ البلدين الحملات الصليبية والمغولية، وفي التاريخ القريب، بالوحدة بينهما.

ولو أردنا البحث في المستقبل ..في حال هيمن الإخوان على مركز القرار المصري، وتمكنوا من تحديد التوجهات الخارجية... فهل للإخوان كجماعة روابط عميقة وطويلة مع إيران أو الجمهورية الإسلامية؟

في فترة الرئيس السابق مبارك كان لبعض قادة الإخوان بعض الميل لإيران والتوافق معها، وربما كان هذا بأثر من القضية الفلسطينية، ومواقف النظام السابق المتهاودة مع إسرائيل، وبتأثير من دعم الإخوان لحركة حماس التي كان لها علاقات قوية مع طهران. لكن الوضع الآن اختلف؛ إذ الإخوان في الحكم، وليسوا في المعارضة، وعليهم التزامات دولية، وهم يتحلون بقدر من البراغماتية التي تدفعهم إلى عدم الصدام مع الولايات المتحدة؛ بالتحالف مع إيران.

فضلا عن كون علاقات حماس بطهران تراجعت، بأثر من laquo;الثورة السوريةraquo;.
ونفس السبب، يدفع الإخوان إلى قطع الطريق مع نظام الأسد، وبالتَّبَع، توهين العلاقة مع إيران.

أما مخاوف دول الخليج العربي من نوازع إخوانية سياسية نحوها؛ فقد عمل الرئيس مرسي على طمأنتهم بأن لا نية لهم في laquo;تصدير الثورةraquo; وبالتزام مصر بالأمن العربي، وأمن الخليج، وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية.

وقد يكون نمت تلك التخوفاتُ الخليجية؛ نتيجة بعض الروابط التي كانت تربط بعض الأجنحة الإخوانية بإيران، سابقا، أمَا وقد تغير موقع الجماعة، وصارت تحت ضغوط الحكم، وأزمات مصر الداخلية؛ فهي في أمس الحاجة إلى الاعتماد على دول أكثر ضمانة، والروابط بها أوسع، وأمتن، وأكثر قبولا من الشعبية المصرية.

يبقى سؤال عن الموقف الأمريكي: أين يتجه، هل يحبذ ميل مصر تجاه السعودية ودول الخليج، أم تجاه إيران؟

والرئيس مرسي، والأخوان حريصون ما أمكنهم، على التوافق مع السياسات الأمريكية؛ لتنمية فرص التعاون، ما لم تكن حول قضايا حساسة، أو تتعارض مع توجهات حقيقية وآنية عندهم.

كان الموقف الأمريكي التقليدي هو دعم العلاقات المصرية الخليجي، وفي هذه المرحلة تتوفر دواعٍ إضافية لهذا التوجه. أوضحُها أنَّ أي تغيير في هيكلة العلاقات العربية والإقليمية، ولا سيما في ظل الاستقطاب الحاصل على خلفية النزاع في سورية، من شأنه، أن يربك الحسابات الأمريكية، ولا سيما مع دول الخليج التي يعد استقرارها خطا أمريكيا أحمر؛ لتوفير إمدادات الطاقة والنفط.

وإذا كانت واشنطن تتروى في الملف السوري، وتَحْذَر كلَّ هذا الحذر، وتحاول استيعاب المطالب بالتغيير إلى حد لا يؤدي إلى تغييرات عميقة وواسعة في البنية السياسية داخل سورية....فهل تسمح بتغيير كهذا وأخطر يمس منطقة الخليج العربي؟!
وأما التعويل على تغيير إيران لمواقفها..نحو مزيد من الاعتدال والتعاون مع دول المنطقة فأمرٌ لم تثبت واقعيتُه، وهي أبعد ما تكون عن التغير في هذه الانعطافة التي تشهدها المنطقة، والتخوف الإيراني من فقدان سورية، إلا إنْ تبلورتْ صفقةٌ تُبقي لطهران بعضَ النفوذ، بعد التخلص من الأسد، وهي في حال حصل ذلك فإنها ستتوفر على دوافع أكبر لتعويض خسارتها التي لن تقتصر على سورية، بل سيكون لها انعكاساتُها في لبنان وفلسطين، والمنطقة.
[email protected]