تريد أمريكا من الرئيس الجديد لمصر أن يواصل دور حكومته في كونها ركيزة للسلام والأمن في المنطقة، وتتوقع إسرائيل منه laquo; استمرار التعاون على أساس معاهدة السلام بين البلدين التي هي في مصلحة الشعبين والتي تسهم في الاستقرار الإقليميraquo;.

فهل يفي الرئيس الإخواني، محمد مرسي، بذلك؟
الرئيس الجديد لم يَدَعْ مجالا للتأويل؛ فصرح، في خطابه عقب فوزه، بالتزامه بالمعاهدات والالتزامات مع الدول كلها، وكذا أكد القيادي في الإخوان، خيرت الشاطر، مع صحيفة laquo;وول ستريت جورنالraquo;: laquo;إن مصر دولة دستورية، ولا يمكن أننا مع كل حاكم نعيد التفكير في التزاماتنا ومعاهداتنا. هذا سيؤدى إلى انعدام الثقة في التعامل مع مصرraquo;.

من الواضح أن التعاون الأمريكي مع الإخوان المسلمين، والتسليم بتسلمهم رئاسة مصر، وقد لا يقتصر وجودهم على الرئاسة، أمر لا يحظى بإجماع، أو اطمئنان، في أوساط صناع القرار الأمريكي، ولا هو بالخيار المفضل، إسرائيليا.

فلو توفر رئيس غير إسلامي يؤمِّن الاستقرار الحقيقي في مصر، من وجهة النظر الأمريكية، ولا يفاقم مشكلات البلد الأهم في المنطقة العربية، الاقتصادية والاجتماعية، من ثم السياسية والأمنية، لما تردد، أو اختلف الساسة الأمريكان، في تفضيله.

ولكن مصر أهدأ، كما يبدو، مع مرسي، منها، مع شفيق، ولو أنه لا يحظى برضا كل القوى الثورية، ولكنه تطالبه، وتراقبه...

ولا بد أن واشنطن تدرك المزاج الشعبي العام في مصر والمنطقة العربية، ولا بد أن المنحازين إلى قبول الإخوان، وحركات الإسلام السياسي، بشروط، أهمها القبول بالعملية الديمقراطية، يطمحون بأن هذا الانخراط، أو التورط (الإسلامي) في الحكم وتحدياته، يمكن أن يزيد هذه الحركات (اعتدالا)، ويُطبِّع علاقاتها مع إسرائيل، عمليا، ولا تتوقف، كثيرا في هذه المرحلة، عند أدبياتهم النظرية التي ترى في إسرائيل دولة محتلة، أو غاصبة؛ فحتى الخطاب الثقافي المصري في عهد مبارك، لم يكن يعتبر إسرائيل صديقة، هذا إذا لم يصنفها عدوة، ولم يمنع ذلك من قيام الدولة المصرية بدور (الاستقرار) وتدارك الأزمات، واحتوائها، ولا سيما الناتجة عن القضية الفلسطينية، وقطاع غزة المحاصر.

ومن المعروف أن دائرة المخابرات العامة تتولى ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، ومنه الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه الدائرة التي هنأ رئيسُها، مراد موافي، الرئيسَ الجديد بفوزه، ويراها البعض دولة داخل الدولة،) لم تتغير ولا يُرجَّح أن يصيبها تغييرٌ جوهري، في عهد الرئيس الجديد.

لا يُرجَّح أن يصيبها تغير كبير؛ لأسباب معروفة تعود إلى قدرة الإخوان، والرئيس مرسي، غير المطلقة، ولا الحاسمة، وانهماكهم في التحديات الاقتصادية الداخلية، وكل العيون تترقبهم، وكثير من مخالفيهم، يبالغون في مخاوفهم، من تطلعات laquo;الإخوانraquo; نحو الاستحواذ على السلطة؛ فإذا اتجهوا إلى الصدام الداخلي مع أجهزة الدولة الصلبة؛ فتغلُّبُهم غيرُ مؤكد، إذا لم يكن مستبعدا، وهو يستهلك طاقتهم، ويصرفها عن تحقيق إنجازات معيشية ضرورية يحس بها المواطن العادي والبسيط، وتشجع الاستثمار الأجنبي، والمؤسسات المالية العالمية على مزيد من الثقة بالعهد المصري الجديد.

ومن تابع خطاب مرسي الأخير يعرف مقدار اهتمامه بالأوضاع الداخلية، وتحقيق الاستقرار، وهو الدافع الذي دفع بالكثيرين إلى انتخاب أحمد شفيق، مع علمهم بعلاقته بمبارك، وكرههم العودة إلى ما ثاروا عليه.

ولأمريكا سبب أبعد من إسرائيل يدعوها إلى تجريب الإخوان و(الإسلاميين المعتدلين) في الحكم، وهو الرغبة في احتواء (الإسلام الراديكالي: الجهادي والفكري) وقد لحظنا إصرار مرسي على التزامه الحفاظ على حدود مصر، ووطنية الدولة؛ فلا حديث عن دولة إسلامية كبرى فوق وطنية، أو خلافة إسلامية.

فالولايات المتحدة قد لا يضيرها كثيرا أن تستخدم حركةٌ إسلاميةٌ الأدبياتِ الإسلاميةَ في استنهاض المواطنين، والأخلاقيات الإسلامية في إنجاح التنمية، بدلا من الفقر والعنف الداخلي الذي لا يلبث أن يُصَدَّر، كما حدث مع أيمن الظواهري الذي كان طبيبا، ثم انتمى إلى تنظيم laquo;الجهاد الإسلاميraquo; المصري، ثم التحق بأسامة ابن لادن، وصار الرجل الثاني في laquo;القاعدةraquo;، ثم الأول، وما هو إلا مثال واضح.

قسم من المتابعين لمسيرة الإخوان المسلمين يستحضرون اليوم تاريخها الذي لا يخلو من أخطاء، ومن عنف، ومن يعرف هذه الجماعة يعلم أنها ليست على تجانس تام، وذلك لوجود مساحات منهجية غير مفصلة، ولذلك نرى التباينات المنهجية في الحركة من قطر عربي إلى آخر، كما نرى حركات خرجت من رحم الفكر الإخواني، كحركة النهضة في تونس، تختلف عن الإخوان، في التعاطي مع الواقع السياسي، حتى جاء راشد الغنوشي، زعيم laquo;النهضةraquo;إلى إخوان مصر يحاول إقناعهم بنهج حركته في الدولة، بعد نجاح ثورة الياسمين.

وقد انطوى تحت حركة الإخوان أطياف متفاوتة من الشدة إلى اللين، أو من الصدام إلى الحوار والتقارب، فكان سيد قطب، ومن تأثر به ممن سُمُّوا بالقطبيين، وسيد قطب يُعَدُّ من أوائل منظري laquo;فكر السلفية الجهاديةraquo; وممن دعا إلى laquo;المفاصلةraquo; مع المجتمعات التي وصفها بالجاهلية، وغير الإسلامية.

وفيها التيار العام الذي قامت الحركة ndash; بموجبه- laquo;بعقد تحالفات تكتيكية مع الأحزاب, ومع القصر في فترات مختلفة من أجل ضمان أمنها وتحقيق أهدافها في الانتشار في حماية الحكومة القائمة.raquo; كما ورد في كتاب الدكتوره، هدى عبد الناصر:laquo; الرؤية البريطانية للحركة الوطنية المصرية , 1936 ndash; 1952raquo;

فكما خرَّجت جماعة الإخوان سيد قطب الذي انتهت به المواجهة مع نظام جمال عبد الناصر إلى الإعدام، خرَّجت كذلك، يوسف القرضاوي الذي انتقد قطب، ولم ينهج نهجه.

ومن يتابع مواقف قادة الإخوان العامة في السياسة والاقتصاد وغيرهما يجدهم أقرب إلى laquo;الواقعية والبراغماتيةraquo; منهم إلى الانقلابية والمصادمة.

ومن عدم الدقة حصرُ جماعةٍ في فترة معينة من تاريخها؛ فهي ككل كيان سياسي اجتماعي قابل، بل، ملزم، أحيانا، بالتطور، جراء التفاعل، والانتقاد، مع الاتجاهات الأخرى، ومع أفراد الجماعة أنفسهم الذين هم جزء من الراهن المصري، وأبناء هذا العصر.

صحيح أن الإخوان ليست جماعة عصرية مطلقة؛ فهي تتجاذبها laquo;الأصالة والمعاصرةraquo; ولكنها، وقد وُضِعتْ تحت هذا الامتحان المصيري، لا بد ستحاول (النجاح) بكل ما تملك من (مرونة).

فليس من السهل أن تتمسك بالحكم، ولا تسمح بالتداول، ولا من الممكن لها، في هذه المرحلة المقبلة، أن تصطدم بفئات اجتماعية تخالفها، وتلجأ إلى laquo;أسلمة المجتمعraquo; بالقوة، هذا على المستوى الداخلي، وما دامت كذلك داخليا، فمن الأَوْلى أنها لا تستطيع أن تُحْدِث نقلة واسعة في علاقات الدولة الخارجية، وهي المحكومة بالدستور، وبالرأي العام المصري، ومُرجَّحٌ لها أن تشكل حكومة شراكة.
وأما نوع تعاونها مع أمريكا، أو تعاون أمريكا معها، فهو كأغلب أشكال التعاون المصلحي، مرهونٌ بالقوة والمصالح.
[email protected].