انتقد السيد علاء الأسواني المهندس نجيب ساويرس على موقفه من قضية الدعم الغربي للقوى السياسية الليبرالية المصرية على غرار الدعم القطري والسعودي للقوى السياسية الإسلامية وهذا حقه، غير ان المدقق في قراءة تصريحات ساويرس يجد أنها لا تعني بأي حال من الأحوال طلب مساعدة أو استقواء بالخارج، وإنما رد فعل لفظي على فعل عملي. أو إن شئت فهذا موقف في مقابل موقف مضاد.

وقد فهم الكثيرون هذا التصريح على أنه رسالة للمجتمع الغربي صانع نظرية ازدواجية معايير. فالغرب الذي طالما تغنى بدعمه للديمقراطية والدولة المدنية كان في ذات الوقت والساعة يدعم قوى الاسلام السياسي بطريق مباشر وغير مباشر. وليس خفيا على أحد كيف كانت أمريكا تدعم بقوة وفي تناقض مريب جماعة الإخوان المسلمين في اتجاه الوصول للسلطة وهو ما تؤكده اللقاءات المكوكية بين الطرفين والكثير من التقارير الصحفية المنشورة.. إذن فما فعله السيد ساويرس ليس تحولا في المبدأ وإنما تغير في الموقف. وإن شئت هو رد فعل باتجاه فعل آخر.

أما بخصوص وصف quot;المتحولquot; فهذا له معاني أخرى يفهمها جيدا المهندسون. وهذا المصطلح علمي يطلق على الدالة التي تخضع لبعض التحويلات الرياضية (mathematical Transforms) مثل تحويلات لابلاس (Laplace Transforms) أو تحويلات فوريير (Fourier Transforms) فتتحول إلى دالة أخرى بمتغيرات جديدة ونطاق مختلف ومدى آخر. أي انها تصبح دالة مختلفة تماما في الشكل والخواص عن الدالة الأصلية فهو تغير في جينات الدالة وليس في مظهرها أو شكلها الرياضي فقط.

إذن فهناك فرق شاسع بين المتحول والمتغير...فالتغير هي الطبيعة السائدة والدائمة لكل عناصر الكون بدون أية استثناءات.. وحتى التغيير ذاته يتغير في معدلاته طبقا لتغيرات العقل البشري اعتمادا على تغيير الزمان والمكان... فالإنسان يتغير في كل لحيظه (كمية من الزمن تقترب من الصفر) ولا تساويه. ومن الغباء أن يظن الإنسان في نفسه أن فكره ثابت لا يتغير لأن الحالة الوحيدة التي لا يتغير فيها فكر الإنسان هي خروج العقل الإنساني من نطاق الزمن الأرضي إلى أزمنة أخرى أو الهروب من المكان بما يعنيه من بيئة مادية ومعنوية إلى مكان آخر.

عندما يتغير الطقس فإن ملابس الإنسان العاقل تتغير أيضا فمن غير المعقول ان يرتدي المرء الملابس الخفيفة في جو شديد البرودة والعكس ايضا صحيح. وعندما تتعرض البلاد لازمات اقتصادية فإن هذا يتطلب تغيير النظم الاقتصادية ولو مؤقتا وإتباع نظم التقشف وترشيد الاستهلاك وهكذا. فإذا تغيرت الظروف ولم تتغير الحلول كانت هناك المأساة.

فمثلا في بداية الثورة كان المواطن العادي الذي لم يكن على دراية بما تحمله القوى السياسية من اجندات يسمي الثورة احتجاجات ولكن بعدما اتسع نصف قطرة دائرة الاحتجاجات بدا يشعر أنها ثورة، في البداية المواطن العادي لم يكن ليضحي بأمنه واستقراره بسهوله من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية والتي ربما يفضل عليهم الأمن والآمان.. ولكن مع تغير الظروف وسقوط الشهداء المسالمين المدافعين عن حقوقه وهو صامت بدأ يثور ويتغير من مواطن عادي إلى ثائر عادي..

أما التحول فهو يعني انك ترى وتشاهد أن اكثر من اثنتي عشرة مليونا من الناخبين أعطوا صوتهم للسيد احمد شفيق ويظل موقفك منه كما هو بدون تغيير لا في اتجاهه شخصيا ولا في اتجاه الكتلة التصويتية التي ساندته. هذا يسمى تحولا.

التحول يعني أنك تعلم علم اليقين أن سياسات الأصولية الدينية ثابتة ولم تتغير ومع ذلك مواقفك انت تتغير. ولذا فهذا لا يسمى تغيير في المواقف ولكن تحولا.

التحول يعني أنك من أشد انصار الدولة المدنية العصرية وان الدستور يجب ألا يتأثر بالصبغات الدينية ومع ذلك تظل تدعم ما هو عكس طموحاتك المعلنة مع عدم وجود أية بوادر تجاه تحقيقها!! هل يسمى هذا تغيرا في الموقف ؟ بالطبع لا.. لأن الموقف تغير من طرفك انت فقط وليس من الطرف الآخر ولذا فهذا يسمى تحولا.

اثق في مصر وشعبها العظيم وأعلم ان المصريين جميعا يتوقون إلى تحقيق الدولة المدنية العصرية الحديثة حتى وإن اختلفت الرؤى وطرق الحل. ليس من حقنا التشكيك أو التخوين تجاه أي فصيل سياسي ليبرالي علماني اسلامي أو غيره ولكن من الواجب علينا أن نصحح الأفكار حسبما نعتقد بعلانية وشفافية وبطريقة تجمع ولا تفرق.. الآن ليس أمامنا إلا نبذ الخلافات التي تهدد مصالح البلاد والعباد والتوقف عن ثقافة الكلام واستبدالها بثقافة الفعل الجيد والعمل الطيب، ولكما مني خالص التحيات.

[email protected]