لابد أن نعترف بأن هناك تقصيرًا كبيراً من جانب الدولة المصرية، ومؤسساتها، وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة، والمخابرات العسكرية، والمخابرات العامة، في بسط سيطرة الدولة المصرية على شبه جزيرة سيناء، هذا التقصير دفع جماعات إرهابية إلى ارتكاب مجزرة قتل فيها ستة عشر ضابطاً وجندياً مصرياً، وهم يتناولون طعام الافطار عند معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، هذا التقصير تجلى في أن هذه المؤسسات لم تحرك ساكنا رغم تفجير خط أنابيب النفط الذي ينقل الغاز لاسرائيل والاردن عبر سيناء خمس عشرة مرة، فضلاً عن حوادث قتل الجنود المصريين المتكررة، وأخرها قتل جنديين مصريين في الشيخ زويد في التاسع عشر من يوليو الماضي، ناهيك عن حوادث الاختطاف والسطو المسلح وغيرها، كل ذلك يحدث يومياً والدولة في غيبوبة، لم تستطع القيادات العسكرية تقدير خطورة الوضع الامني الهش في سيناء على الأمن القومي المصري.

إنشغلت هذه المؤسسات بصراعاتها السياسية، ولم تدرك أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، واستئثار حماس بالقطاع عام 2007، فتح الباب واسعاً لانتشار السلاح في القطاع، وتكوين ميليشيات مسلحة، بعضها على صلة مباشرة بقوى اقليمية لا تريد لمصرأن تنهض، وتقوم بدورها المؤثر في محيطها العربي والدولي، كان علي القيادات العسكرية المصرية أن تدرك أن التوتر في غزة، وغياب المصالحة الفلسطينية، يوجب اليقظة فاسرائيل حذرت رعاياها من دخول سيناء قبل الحادث بثلاثة أيام، ونحن في مصر لم نحرك ساكناً، وأبسط إجراء كان الواجب اتخاذه، هو تدمير الانفاق مع قطاع غزة، وفتح المعابر حتى يستطيع أهلنا في غزة تلبية إحتياجاتهم، إن زيادة عدد القوات المصرية في سيناء بات مطلباً ملحاً من إجل تطهير سيناء من الجماعات الإرهابية، وتخليص هذه البقعة من شرورهم، وليس الاكتفاء برد الفعل كما هي عادتنا دائماً في التعامل مع كل الكوارت بعد أن تقع.
لا نريد أن نقع في الفخ الإسرائيلي، وتظهر مصر أمام العالم فاقدة السيطرة على سيناء، يجب التحرك اليوم لملء الفراغ الامني، وبسط هيبة الدولة في هذا الجزء العزيز علينا، لا نريد أن نترك سيناء مرتعاً للعصابات الارهابية المخترقة فكرياً، والموجهة من قبل الموساد، ويجب إعادة النظر في الملحق الامني لمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1978، لسنا في حاجة إلى القول إن اعمار سيناء، وضمان حقوق المواطن السيناوي، الذي تعرض للتهميش لعقود، وتكثيف الوجود الاستخباراتي، لرصد كل تحركات مريبة، هي وسائل ناجعة لصد أي هجمات، ومنع تسلل الارهابيين، وقبل كل ذلك التفاوض مع إسرائيل لتعديل الملحق الأمني في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، بما يسمح بزيادة أعداد قوات الجيش، والشرطة مستفيدين من الدعم الاميركي والأوربي للضغط على تل ابيب.

على الفلسطينيين أن يدركوا ان تعطل قطار المصالحة الفلسطينية، يصب في مصلحة إسرائيل، ولابد من انجاز هذه المصالحة، فمصر التي ضحت بكل ما تملك من أجل القضية الفلسطينية لن تسمح يتحويل سيناء إلى مسرح للعنف، وتصفية حسابات مع اسرائيل أو أطراف إقليمية، وأن السيادة المصرية على سيناء جزء من الامن القومي،. مصر الثورة تختلف عن مصر في عهد مبارك، في عهد المخلوع كان هناك تجاهلاً وتراخياً تجاه غزة، رغم أن المخابرات المصرية في رأي الدوائر الغربية لديها معلومات عما يدور داخل غزة، لكن للاسف الشديد لم تعرف كيفية تسخير هذه المعلومات لحماية الأمن القومي المصري، أساءوا تقدير مدى خطورة الوضع في عزة على الداخل المصري، الدليل على ذلك تصريحات مدير المخابرات المصرية quot;مراد موافيquot; لوكالة أنباء الاناضول، بأن أجهزته كانت على علم بأن عملية إرهابية ستحدث في رفح، من جانب جماعة تكفيرية منتشرة في غزة وسيناء، وعند سؤاله عن سبب عدم إتخاذ الاجراءات التي تحول دون وقوع هذه الجريمه قال موافي: quot;لم أتخيل أن مسلماً يقتل أخاه المسلم وقت الافطار في شهر رمضان، عذر أقبح من ذنب، من متى يا سيادة مدير المخابرات كان هؤلاء المجرمون يراعون حرمة الدم وحرمة الزمان والمكان؟

السؤال الأن ماذا ستفعل السلطات المصرية قبل ان تجف الدموع على هؤلاء الشهداء؟
الرئيس quot;محمد مرسيquot; توعد بمحاسبة المسؤولين عن هذه العملية، الرجل وجد نفسه في موقف محرج، فالإرهابيون الذين نفذوا العملية جاءوا من غزة، وغزة تسيطر عليها quot;حماسquot; التي هي فصيل من حركة الاخوان المسلمين، الذين أوصلوا مرسي للحكم، وحماس أبدت سعادة غامرة بوصول الجماعة التي هي جزء منها لحكم مصر، مع ذلك ألا تشعر قيادات حماس بالخجل من عدم قدرتها على السيطرة على الجماعات المتطرفة، التي تصول وتجول على الحدود دون رادع، والنتيجة هذه الدماء المصرية الطاهرة التي تحمي حدود الوطن، غزة مملؤة بالاف الفلسطينيين عملاء إسرائيل، وكل قيادات حماس والجهاد قتلوا بهذه الطريقة وابرز مثال عملية اغتيال الشيخ quot;أحمد ياسينquot;، لماذا لا تتحرك قيادات حماس للسيطرة على الحركات التكفيرية التي ولدت من رحمها وتطهير غزة من العملاء؟. لابد أن يدرك قادة حماس أن عرقلة المصالحة الفلسطينية، تحت شعارات زائفة تصب في مصلحة العدو المشترك إسرائيل، وعلى القيادة المصرية أن تفرق بين quot;مصلحة مصرquot;، وquot;مصلحة الإخوانquot; وأن المخاطر على حدودنا الشرقية لن تتوقف دون ردع لمن ارتكبوا حادث رفح أيا كان موقعهم.

إعلامي مصري