يبدو ان رئيس الوزراء نوري المالكي قد فقد السيطرة على نفسه نتيجة الضغوطات الايرانية الشديدة عليه وعدم قدرته في التأثير على الوضع القائم في دمشق، وبسبب تناقضات وقوفه الطائفي على حساب المصالح العليا للعراق الى جانب اليزيد الجديد ومحاربته للحسين السوري الثائر خلاف ما وجدناه في ملحمة كربلاء قبل الف وربع الالف من السنين، وبسبب تناقص الأمل ببقاء نظام بشار المستبد، وتزايد الامل بقرب انتصار الثورة السورية، فوجه سهام غاياته السيئة نحو الشعب الكردي ونحو اقليم كردستان، ونحو المناطق المتنازع عليها، ونحو كركوك المدينة التي تقطنها الكرد والتركمان والعرب في وئام وسلام، لخلق توتر اكثر ومشاكل اكبر مع الاقليم عن قصد واصرار، وتوازيا مع الأزمات التي تعود على صنعها وتخليقها باساليب متنوعة ومتعددة مع الاطراف السياسية وخاصة منها ما رماها بوجه القائمة العراقية الفائزة باغلبية برلمانية وبوجه رئيسها الدكتور اياد علاوي بهدف الاستيلاء على الحكم بأي وسيلة كانت.

والملاحظ بغرابة ان المالكي بدء مع تعمد بزيادة حجم الخلافات والمشاكل مع اقليم كردستان بعد ان كان محصورا منذ سنوات بعدة خلافات عالقة لم يصل الحوار فيها الى اي مستوى من التوتر والتأزم، ولكن بفعل التوجهات الانفرادية والطائفية للمالكي والخطوات غير المحسوبة بالحكمة والمنطق والتي يطلقها ويقوم بها فان العلاقة بين حكومة بغداد وبين حكومة الاقليم وصلت الى توتر شديد ومواجهة عسكرية بين البيشمركة والجيش النظامي في منطقة زمار في الفترة الماضية، ولولا تدخل الطرف الامريكي لكان الحال في غير ما عليه الان، والمؤسف ان رئيس الورزاء لم يقف عند هذا الحد ولم يكتف بالخلافات العالقة بينه وبين حكومة الاقليم والمشاكل المستولدة في المرحلة الراهنة بفعل توجهاته غير العقلانية، بل قام بخلق أزمة اخرى في الطرف المقابل من زمار على ميدان ارض كركوك، فاصدر امرا ومرسوما رسميا بتشكيل قوة عسكرية باسم عمليات دجلة بتاريخ 31\7\2012 لخلق توتر وأزمة جديدة مع الشعب الكردي ومع الاقليم وحكومته وبحجج أمنية وعسكرية واهية بعيدة عن المنطق والتفكير السليم.

والموقف السياسي الموحد الذي اصدرته القيادة السياسية الكردستانية في اجتماع رئيس الاقليم مسعود البرزاني ونائبه كوسرت رسول مع جميع الاحزاب والكتل البرلمانية، حمل رفضا واستنكارا لقرار المالكي بانشاء قوة عمليات دجلة في كركوك، وحمل ايضا تنديدا بالتوجيهات والمواقف المتوترة والقرارات المتشنجة التي يصدرها رئيس الحكومة في بغداد بدوافع طائفية وحزبية، وحذروه بالوقوف عند هذا الحد واعادة النظر في قراراته ومواقفه.

وهذا الموقف الموحد لكل الاطراف السياسية الكردستانية شكل رسالة قوية للمالكي ولتحالف دولة القانون بضرورة الوقوف والكف عن خلق توترات جديدة واعادة النظر في المسار الخاطيء الذي يسير عليه الحاكم المنفرد بالحكم القائم على الشراكة الغائبة والمهضومة من قبل المالكي.

والمؤسف وبالرغم من دخول العراق في عهد جديد بعيد عن الطغيان والقمع منذ سقوط صنم الاستبداد عام الفين وثلاثة، وارساء نظام ديمقراطي وبرلماني وتعددي، ألا ان سبيل الحكم الذي يسير عليه السيد نوري المالكي مسار يتجه نحو التفرد والانفرادية في ادارة الحكومة، وبدء يخطو خطوات حقيقية نحو دكتاتورية جديدة نتيجة اصابته بالغرور والتكبر وتأثره باغراءات السلطة التي تقبع تحت عرشها عشرات المليارات من الدولارات والصلاحيات المطلقة، وحسب النهج المنفرد غير الحكيم الذي يسير عليه المالكي فان ما ينتظر العراق أسوء مما سبق، والاسوء وبسبب تحالفه مع النظام الايراني ضد ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار المستبد فان البلاد بعد سقوط حكم دمشق سيدفع ضريبة كبيرة في مستقبل قريب بسبب الخيار المذهبي القاتل وبسبب اللجوء السياسي الخاطيء في التفكير غير العقلاني برعاية وحماية المصالح العليا للعراقيين.

ولهذا فان ما ينتظر المالكي في الاتي من الايام هو الاخفاق والسقوط الشنيع بعد رحيل بشار وانهيار الهلال الشيعي ورمي جمرة نجاح الثورة السورية الى داخل بعبع النظام الايراني في طهران، وبغية دفع المالكي الى عدم السقوط في هذا المسار ونصحه بوضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار وضغط اقليمي ودولي، ننصحه بالاتفاق مع اقليم كردستان لحل الخلافات والمشاكل بين الطرفين واعادة العلاقة التاريخية بين الشعب الكردي وبين عرب الشيعة الى مجراه الصحيح، واعادة تفعيل التحالف السياسي بينهما لضرورات وطنية عراقية خالصة ولغرض الحفاظ على العراق وابعاده من الاثار المدمرة للازمات والصراعات الاقليمية والدولية في المنطقة.

ولا شك ان الاستحقاقات الانتخابية لأبناء الأمة العراقية تلقي بظلالها على العملية السياسية، ويعلم الجميع انها لم تكن أساسا ضمن الاولويات الرئيسية لحكومة المالكي والبرلمان في البلاد، وسوء الحياة والازمات الخدماتية والمعيشة المستعصية التي يمر بها العراقييون دليل على ذلك وبالأخص في ظل الظروف السياسية الراهنة، ولهذا فان المسؤولية في تحمل وتلبية استحقاقات الشعب حاجة آنية ملحة ومسؤوليتها منوطة بحكومة وطنية ومخلصة في عين الوقت، وحكومة المالكي التي تفككت تحالفها بسبب السياسات الخاطئة وغير الحكيمة له شكلت ارضية مليئة بالاشواك السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية والتي لا تحصد منها غير الأذية للعراق ولشعبه المقهور.

ولهذا نجد ان المالكي وضع نفسه مع قائمة العراقية اولا وثانيا مع اقليم كردستان امام مفترق طرق من الصعب ايجاد حل حكيم له، وبهذا الواقع وضع البلاد امام مصير مجهول وبالغ الخطورة، والاحزاب والكتل العراقية مازالت غير قادرة على ايجاد حل متسم بالعقلانية للأزمة الراهنة، ودعوة الرئيس طالباني لعقد لقاء وطني محاولة متواضعة لاطفاء شرارة الأزمة مؤقتا، والتحليل المنطقي للحالة العراقية في ظل الحكم الانفرادي للمالكي يشير الى ان الحل الوحيد للخروج من الازمة وانقاذ البلد يكمن في تفكير وعقل وقلب رئيس الحكومة نفسه، لان المالكي في حال انقاذ ذاته من سطوة وانفرادية ودكتاتورية السلطة الخيالية التي يتمتع بها فان الحل يكون ايسر ما يكون لانه سيعيد الرشد والعقل والمنطق والفكر السليم الى القيادي الذي قاد حزبه وتحالفه لكي يستولي على اكثر من ثمانين مقعدا في مجلس النواب.

لهذا فان عودة الحياة الطبيعية والثقة المتبادلة والمسار الفعال الى العلاقة بين الكرد والشيعة ضرورة عراقية قبل كل شيء، وهذه العلاقة كفيلة باخراج العراق من ازمته السياسية المستعصية، وهي الضمان الاساسي لاخراج رئيس الحكومة السيد نوري المالكي من الوهم quot;الصداميquot; الذي يعيش فيه قلبا وروحا، وتكرار تجربة التعامل البعثي مع الكرد وقياداته وزعاماته لا يخلق ولا يصنع غير السقوط والانهيار لنظام الحكم في بغداد، وكم من نظام سقط وانهار في العاصمة منذ تأسيس الدولة العراقية، بدءا بالنظام الملكي وبأخر نظام كان يملك خامس جيش بالعالم، ولكن مهما ذهبنا بعيدا يبقى الامل يحدو فينا، ولهذا نأمل من المالكي ان يخطو خطوات حكيمة وسليمة لاعادة العلاقات والوشائج والروابط بينه وبين رئيس الاقليم مسعود البرزاني وبين حكومة كردستان والحكومة العراقية وبين الشيعة والكرد الى مجراه الطبيعي الذي انطلق من تاريخ طويل يتشرف به كل عراقي غيور وامين.

وبالرغم من موقفنا السياسي من فساد السلطة في الاقليم، ومن الفساد الرهيب في بنيان حكومة المالكي في بغداد، ولكن هذا لا يمنعنا من الاشادة بالموقف السياسي الموحد المتخذ في اقليم كردستان من قبل القيادات الحزبية والحكومية الكردية للوقوف بحزم شديد تجاه الخطوات والمواقف السياسية المتشنجة والمتوترة التي يخلقها كل من المالكي وتحالف دولة القانون.

وهنا لابد من القول، اننا نأمل ان يستفيد المالكي من النصائح المتواضعة التي توجه له من باب الانتماء العراقي والحرص على ابداء ما هو مفيد ونافع لصالح البلاد والعراقيين، ونرجو ان لا يذهب مذهب نظيره السوري غير العاقل الذي لم يأبى لاية نصيحة وجهت له بالاصلاح والرحيل فوقع في ما وقع فيه وبات ينتظر اياما قليلا لترحيله الى موسكو ذليلا مذموما.

ولهذا نجد ان تراجع المالكي في خطواته واتباع نهج واسلوب عقلاني ووطني جديد مع الاقليم ومع جميع اطراف الازمة لحل المشاكل، سيؤدي حتما الى خلق أجواء سليمة لتبادل الثقة وحمل المسؤولية المشتركة في ادارة الحكم، وبلا شك فان هذه المبادرة ستساعد حتما في ضمان الاستقرار السياسي والامني للعراق، وبالتأكيد فان هذا الامر سيكون عاملا حاسما لإحداث نقلة نوعية في ارساء نموذج عراقي متميز في الحكم الرشيد، واخيرا نأمل ان لا يذهب مذهب الريح أملنا بالرجل الذي سيقود العراق قريبا اما الى حاضر ومستقبل مشرق او مظلم، والله يكون في عون العراقيين في كل الاحوال.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]