قبل أكثر من شهر من الآن، صرح السيد المالكي بأن المعركة مع الإرهاب قد أنتهت، وذلك عند لقائه عدد من الضباط في الجيش العراقي. يقول السيد المالكي أن المعركة مع الإرهاب قد حسمت ولم يبق هناك إلا خلايا إرهابية متخفية مدعومة من الخارج. فهل فعلا ً قد أنتهت المعركة مع الإرهاب ياسيدي يارئيس الوزراء؟ أما أنا فأشك في ذلك!

لقد ضربت موجة من السيارات المفخخة جميع أنحاء العراق واستهدفت جميع المحافظات، وقبلها بأيام حدث نفس الشيئ، أما مايقتل من منتسبي الجيش والشرطة بالمسدسات والكواتم فأنه يثير الشفقة على الحكومة العراقية وأساليبها في معالجة تلك الظاهرة. لم يسئل البرلمان العراقي لماذا تحدث كل تلك الخروقات ومن المسؤول عنها، لم يسئل أحد لماذا يموت العراقيون بالآلاف ولم يحرك أحد ساكنا ً ولم تشكل هناك لجان تحقيق ولم يحاسب أي مقصر عن تلك الخروقات. لم يسئل أحد عن إقالة ضابط أو حبس جندي لتقصيره. لم تستقل الحكومة ولاحتى وكيل لوزير ولو حدث ربع الذي حصل في الأمس بأي دولة تحترم شعبها لإستقال وزير داخليتها على الفور. يراودني الشك بأن المعنيين يعتقدون بأن الشعب العراقي هو المذنب لأنه يخرج للعمل والمدرسة والأسواق فيما يجدر به الجلوس في البيت لتجنب التفجيرات، إذا على الشعب العراقي تقديم إستقالته للحكومة العراقية!
من موقعي هذا، ومن حقي كمواطن عراقي أن أسئل بغاية البراءة، لماذا لم تفعل شيئا ً سيدي رئيس الوزراء لمنع تلك المفخخات اللعينة من أن تصيب الأبرياء في شوارع العراق، من حقي أن أسئل، لماذا يضرب الإرهاب أنى شاء وأنتم لاتفعلون شيئا ً، من حقي أن أسئل، لماذا لم ينته هذا السيل من الدماء وأنت جالس على كرسيك دورتين إنتخابيتين وتسعى للتجديد لثالثة، من حقي أن أسئل، كمواطن عراقي يؤلمه قلبه كلما نظر إلى مشهد طفل مضرج بدمه ملقى على الرصيف من فعل سيارة مفخخة، ماذا فعلتم سيدي رئيس الوزراء في مكافحة الإرهاب؟
ليس العراق وحده المستهدف من قبل الإرهابيين، فهناك دول كثيرة ولكن، لايتم إستهدافها بنفس الطريقة التي تحدث في العراق وعلى مدى سنوات طويلة من غير أن يحدث إلا تحسن طفيف في الوضع الأمني. لماذا تخدعون الشعب العراقي بأجهزتكم البائسة لكشف المتفجرات وأنتم تعلمون بأن مصنعي تلك الأجهزة يخضعون للتحقيق والمحاكمة في بريطانيا لتصديرهم أجهزة فاشلة. لماذا لاتضعوا كامرات تراقب شوارع بغداد لمعرفة كيف يتحرك الإرهابيين وكيف يمكن تتبعهم. لماذا لاتشخصوا المقصرين من ضباط الجيش والشرطة ليتم إستبدالهم، وأنتم تعلمون بأن هناك الكثير من الفاسدين الذين يأخذون رواتب الجنود ممن يسمون بالفضائيين ليقع الحمل الأكبر على الجنود الباقين بكثير من ساعات الواجبات التي تنهك أبدانهم فيصابوا بالإرهاق والتعب وقلة النوم وتكون النتيجة تقصير يسهل على الإرهابيين إستغلاله. فعمل ألف جندي ربما يفعله سبعمائة فقط أما الباقين فهم جالسون في بيوتهم بعد إعطائهم جزء من رواتبهم لضباطهم المباشرين وغير المباشرين والذين أصبحوا بدورهم من أصحاب الملايين من الدولارات. لماذا لاتوجد هناك عناصر إستخباراتية يمكن أن تجمع المعلومات وتحدد الأهداف لوئد العمليات في مهدها وتكون إستباقية، فمكافحة الإرهاب في العراق تدار من قبل الإرهابيين أنفسهم بعد أن فقدت الأجهزة الأمنية العراقية عنصر المباغتة.
لاأتحدث هنا عن خدمات تعطلت سنين عديدة من ماء وكهرباء وسكن للمواطنين، وإن كانت لاتقل أهمية من الإرهاب ولكني أتحدث عن دماء العراقيين التي مازالت تجري منذ سنين ولم يحرك أحد ساكنا ً وكأن منظر الدماء يسعدهم. من حقي أن أسئل كعراقي، ماذا فعلتم ياسيدي رئيس الوزراء في مكافحة الإرهاب. منذ عقد من الزمن والإرهاب يضرب العراق بلا هوادة ويريد بذلك تأجيج الفتنة الطائفية.
لماذا لم تنشئ الحكومة العراقية مركزا ً أكاديميا ً في أحدى جامعات العراق لدراسة الإرهاب في العراق ومعرفة أسبابه؟ هناك الكثير من هذه المراكز في جميع أنحاء العالم متكونة من باحثين نفسيين واجتماعيين ومن علماء في الدين والسياسة والاقتصاد لدراسة هذه الظاهرة لمعرفة جذورها النفسية والإجتماعية. هل أسباب الإرهاب في العراق إجتماعية، أم دينية أم سياسية أم نفسية أم اقتصادية؟ فكل من تلك له علاجه وطريقة محددة لمكافحته. يمكن لهذا المركز أن يضع حلول لمكافحة الإرهاب وحلول أخرى لمعالجته. لماذا تعتمدون على ردات الفعل سيدي رئيس الوزراء في معالجة الإرهاب ونسيتم الطرق المؤسساتية في فعل ذلك، لماذا كل تلك العفوية والبساطة، ولا أقول السذاجة في التعامل مع موضوع خطير يمكن أن يشتد أكثر وأكثر إذا ماتطورت الأحداث إقليميا ً. فكل دولة أوربية لها مركزها الاكاديمي في مكافحة الإرهاب يرفع تقاريره للسياسيين الذين يحولون تلك الحلول والإقتراحات إلى قرارات، فلماذا لاتفعلون ذلك وهو أمر لايكلف الكثير من المال بقدر ما يحقن دماء الضحايا من اطفال ونساء وشباب بعمر الورد.
أن كل ذلك يجعلنا بالضرورة نؤمن بنظرية قديمية وهي أن أجهزة الجيش والشرطة في كل دولة ينخرها الفساد تعيد إنتاج الإرهاب، بشكل واعي أو غير واعي. فتلك الأجهزة لتبقى على قيد الحياة لابد أن تخلق الأعداء من أجل مكافحتهم، فهي تكافحهم من جهة وتعاونهم بإعادة إنتاجهم من خلال الفساد من جهة أخرى لتبقى الحاجة لتلك الأجهزة الأمنية مستمرة.
وأخيرا ً لابد من طرح هذا السؤال، لماذا كل هذا الركود السياسي الذي يفسح المجال أمام الإرهابيين ليضربوا بشدة وكل منكم يعتمد سياسة لوي الذراع ولا متضرر هناك سوى هذا الشعب المسكين. هل أنتم جادون فعلا في حلحلة الوضع السياسي برمته فضلا ً من مقارعة الإرهاب؟ هل أنتم جادون فعلا ً في مكافحة الإرهاب؟ إن لم تجيبوا على تلك الأسئلة فأنتم إذاً شركاء في صناعة الإرهاب وليس في مكافحته!