أسلمة الشرق الأوسط ومساندة الإسلاميين في الوصول إلي الحكم، له أبعاد أعمق وأبعد بكثير مما يبدو علي السطح الآن، وربما عجل quot;الفيلم المسئquot; بإعادة طرح قضية الإسلام مجددا في أمريكا وأوروبا واستراليا، وبالتالي أصبح علي الغرب أن يطرح سؤالا استراتيجيا حول quot;القيمquot; التي سيأخذ بها في القرن الحادي والعشرين.
علينا أن نأخذ تهديدات وزير الهجرة الاسترالى quot;كريس بوينquot; اليوم بترحيل كل من تثبت إدانته بتهمة الاعتداء على رجال الشرطة أو التحريض على القتل من بعض quot;مسلمى المهجرquot; (محمل الجد). فقد خرجت مسيرة احتجاجية مفاجئة من بعض المسلمين وبدون علم رجال الأمن أو الحصول علي تصريح، وحدث اعتداء علي رجال الشرطة في quot;سيدنيquot; وأصيب العديد منهم بإصابات بالغة من قبل المتظاهرين الذين منعتهم الشرطة من اقتحام السفارة الأمريكية والهجوم عليها، واستنكرت رئيسة الوزراء quot;جوليا جلياردquot; بشدة ظهور (أطفال) وسط المتظاهرين كانوا يحملون لافتات تطالب بقطع رقاب صناع الفيلم، كما دعا زعيم المعارضة الليبرالىquot; تونى ابوتquot; بالتخلى عن quot;الكراهيةquot; حيث قال: نحن لا نطالب أحدا بالتخلى عن تقاليده أو عاداته أو خلفيته الإثنية عندما يهاجرون إلى استراليا ولكن نطالبهم بالتخلى عن quot;الكراهيةquot;.
الدعوات التى تطالب الحكومة بعدم السماح للمسلمين بالهجرة الى استراليا (عادت من جديد) لعدم قدرتهم على التكيف مع المجتمع الجديد، لاختلاف التقاليد والعادات وأيضا لإدانة عدد منهم فى جرائم ارهابية خلال الأعوام القليلة الماضية. فقد تيقن الجميع في هذه الأزمة التي هي أشيه بـquot;جبل الثلج العائمquot; بأن الغرب لا يواجه الإسلاميين فقط وإنما يواجه نظاما اجتماعيا كاملا ومتكاملا وثيق الصلة بالدين وبهذا المعني لا يمكن فصل المجال الإجتماعي - السياسي عن الدين..
التحديات التي يواجهها الغرب مع المهاجرين الإسلاميين (وأصحاب اللجوء السياسي والديني هربا من الأنظمة القمعية السابقة): أن معظم هؤلاء المهاجرين لم يندمجوا أو يفضلوا طريقة الحياة الغربية العلمانية والدساتير المدنية، علي جذورهم الدينية والثقافية، وبالتالي ظهر ما يعرف بـquot;مشكلات عدم الاندماجquot; في العقدين الآخرين، ذلك أن quot;الاندماجquot; في عصر العولمة أصبح قضية جوهرية إذ بات العالم يقترب من بعضه أكثر فأكثر (العالم الإسلامي والغرب) ما يعني وجود تحديات جديدة تتعلق ببناء مستقبل مشترك .
لكن الجديد في الأمر هو ظهور quot;الكراهيةquot; نفسها من القاهرة إلي بني غازي مرورا بأفغانستان وصنعاء والخرطوم وصولا إلي سيدني، وخطورة quot;الكراهيةquot; في عصر العولمة أنها (إذا حبلت تلد جرائم، quot;القتلquot; أقلها) وهي أشبه بـquot;العدويquot; التي تنتشر في quot;لحظةquot; علي نطاق واسع، ومما يزيد من خطورتها في عصر الميديا والانترنت والأقمار الصناعية والفضائيات أنها تتخطي الحواجز والحدود والأماكن بسهولة، فقد أصبح النقل الثقافي الأفقي الذي يتم في جزء من الثانية هو سيد الحلبة الآن وعلي حساب النقل الثقافي الرأسي الذي كان ينتقل في السابق من جيل إلي جيل ومن الآباء إلي الأبناء (من 20 إلي 30 سنة).
اللافت للنظر هو التزامن بين سقوط الأنظمة شبه العلمانية الاستبدادية ووصول الإسلاميين إلي الحكم في تونس وليبيا ومصر مع عودة الإسلام الجهادي والشعارات العدوانية والأعمال الإرهابية المعتادة لتنظيم القاعدة من الهجوم علي السفارات الأمريكية وتفجيرها وقتل المسئولين الأجانب، ناهيك عن رفع بعض المسلمين رايات القاعدة السوداء وترديد شعارات الثأر والانتقام والوعيد.
السؤال الذي طرح في أعقاب ردود الأفعال العنيفة للمسلمين علي الفيلم المسئ للرسول هو : في ظل التسامح الغربي وحقوق الإنسان وسائر الحريات، أين ينتهي التسامح مع المهاجرين المسلمين، ويبدأ الرفض لكل ما يهدد سائر هذه الانجازات الغربية؟.. كيف نفصل بين الإسلام كدين وبين تسيس الإسلام؟ .. هل يؤدي المسلمون فروضهم الدينية في المساجد في الغرب من أجل تعزيز السلام الاجتماعي، أم أنهم يلقون خطبا سياسية (دينية) تهدد هذا السلام الاجتماعي؟ ... وهل يرتدي المسلمون لباسهم الديني دليلا علي الإيمان الفردي (الجواني) أم أنهم يرتدونه كرمز سياسي وتمييز اجتماعي؟
أتصور أن ثمة عمل كبير وجهد جهيد ينتظر العقلاء من المسلمين وقادتهم ومشايخهم الكبار، لأن الغرب لن يتراجع عن quot;قيمquot; حرية الاعتقاد والتعبير وسائر الحريات وحقوق الإنسان، ورواية quot;شفرة دافنشيquot; ثم الفيلم الذي يحمل نفس الإسم ويطعن في المسيح والمسيحية وأيضا فيلم quot;الإغواء الأخير للمسيحquot; ndash; وغيره - أكبر دليل علي هذه quot;الحريةquot;، ولن يوقف الغرب أي فيلم أو رواية أو رسم كاريكاتيري جديد طالما أنه لا يدعو للكراهية والعنف ضد الآخرين، فقد أصبح الخيار الاستراتيجي المطروح اليوم، هو: إما أن يندمج المسلمون في الغرب ويمتثلوا لقيمه وقوانينه الوضعية وإما الرحيل أو quot;الترحيلquot; لمجتمعاتهم الإسلامية (الجديدة) التي تحررت أخيرا من الأنظمة الاستبداية العلمانية!
[email protected]
.