في أعقاب زيارة الرئيس السادات إلي القدس عام 1977 وتأزم العلاقات مع دول quot;الرفضquot; العربي ومنها ليبيا، سخر السادات في إحدي خطبه الشهيرة من الرئيس الليبي وعلاقته المفاجأة ndash; وقتئذ - مع الاتحاد السوفييتي، قائلا: القذافي كان يقول علي الاتحاد السوفييتي: الملحد.. الكافر.. الاستعمار الجديد، واليوم أصبحت علاقته مع الاتحاد السوفييتي (سمن وعسل).. يا تري هل معمر القذافي هو الذي (قلب) أم أن الاتحاد السوفييتي هو الذي (آمن)!
ذكرتني هذه القفشة الذكية للسادات بزيارة الرئيس محمد مرسي إلي (الصين) الأسبوع القادم، رغم أن الغرض من هذه الزيارة (الصين ثم إيران ) - يبدو وكأنه - خطوة علي طريق الاستقلال عن الولايات المتحدة. فقد قالت quot;هي وينبنجquot; خبير دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: quot;من المثير أن تكون أول زيارة دولية خارج الشرق الأوسط يقوم بها الرئيس مرسي منذ توليه السلطة في يونيو الماضي، إلى الصين، لكن الأهم أن يستمر هذا التوجه في المستقبلquot;. quot;الحكومة الصينيةquot; عبرت عن حذرها من أن يكون التغيير الجديد لمصر (تطورا وقتيا)، لأن مرسي من خلفية إسلامية وعضو بجماعة الإخوان المسلمين، حسبما جاء في صحيفة quot;تشاينا ديليquot;.
الصين لديها مشاكل جمة مع الأقلية المسلمة (الإيجور) في مقاطعة quot; شينج يانج quot;، وهي تعتقد أن المجاهدين الإيجور يتدربون في أفغانستان تحت رعاية quot;أيمن الظواهريquot; زعيم تنظيم القاعدة، الذي تربي علي (فقه العنف) عند quot;سيد قطبquot; (الامتداد الطبيعي للإخوان المسلمين) ومؤلفاته التي أصبحت مرجعا لكل الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر والعالم مثل: quot;معالم في الطريقquot; وquot;في ظلال القرآنquot;. وأخطر ما حمله فكر قطب أنه رأي: أن مسألة إقامة الدولة الإسلامية (الخلافة) من مسائل العقيدة وليس من مسائل التنظيم، وهذا معناه أن المسلم الذي لا يؤمن بهذه الفكرة هو كافر وخارج عن الملة.
فقد نشأ علي فكر سيد قطب الذي كفر الحاكم والمحكوم (المجتمع)، quot;شكري مصطفيquot; أمير جماعة التكفير والهجرة وquot;عمر عبدالرحمنquot; مؤسس الجماعة الإسلامية ومفكرها، وquot;أيمن الظواهريquot; أحد مؤسسي تنظيم الجهاد المصري، ولا يكاد يخلو مقال من مقالاته إلا وقد استشهد فيه بفقرة أو أكثر مما كتبه قطب، بل ان افتتاحية جماعة الجهاد علي مر السنين تتصدر ببضعة سطور من كتاب quot;في ظلال القرآنquot;، ناهيك عن قيام الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد بإغتيال (السادات) في يوم عرسه في أكتوبر عام 1981.
قبل شهر تقريبا أنكر الإخوان المسلمون خبر عبور 3 قطع حربية صينية (قناة السويس) ضمن قافلة الجنوب القادمة من البحر الأحمر في طريقها للبحر المتوسط، ومنه للسواحل السورية، وأمام تكذيب الصين للحكومة المصرية أضطرت بوابة الأهرام (لسان حال السلطة) إلي الإعتراف بذلك، مما أثار موجة من الاستياء بين الجماعات الإسلامية في الداخل والخارج، فقد أستنكر بشدة أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا هذا الموقف قائلا: quot;كيف نسمح للصين التي تساند الطاغية الأسد فى قتل أشقائنا فى سوريا سياسيا بل وحربيا، وتصد اخواننا فى الصين (الإيجور) عن دينهم ونحن عاجزون عن التعبير عن أنفسنا أو نصرة إخواننا، لأننا وضعنا أنفسنا أسرى للمنتجات الصينية رغم رداءتها وأصبحنا شبه عاجزين عن الاستغناء عن التبعية الاقتصادية لهاquot;.
صحيح أن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام 1928 يكشف عن quot;خطابهم المزدوجquot;، والظهور بوجوه متعدِّدة وركوب أي موجة تمكِّنهم من الوصول إلى أهدافهم، فهم ينطقون بعدة ألسن، يقدِّمون خطاباً (العالم الخارجي) مداهناً متملقاً، يختلف تماما عن خطابهم في الداخل أو أمام العالم الإسلامي، لكن يبدو أن هذه الازدواجية قد تتكسر في زيارة مرسي القادمة علي أحجار سور الصين العظيم والأحداث المأساوية في سوريا، فأي دور أو وساطة يمكن أن يقوم بها مرسي ndash; كما يدعي - في الأزمة السورية المحتدمة وعلي حساب من ولمصلحة من؟.. كيف يجمع بين النقيض بالنقيض ؟ هل سيقف مرسي ضد أهله وعشيرته من إخوان سوريا ويناصر الديكتاتور الدموي ضد شعبه أم سيقف في وجه الولايات المتحدة ودول الخليج إلي جانب quot; الفيتو المزدوج quot; الصيني ndash; الروسي؟
أتصور أن الأزمة الحقيقية التي يعيشها الإخوان بعد وصولهم إلي الحكم ndash; ليست افتقارهم للخبرة السياسية فقط ndash; وإنما أيضا أنهم يفكرون بعقلية القرن السابع الميلادي في القرن الحادي والعشرين، يحلمون بالخلافة الإسلامية التي سقطت فعليا بظهور الدولة القومية الحديثة (قبل أربعة قرون ) وليس في عام 1924، في عصر ما بعد الحداثة السياسية. وأخشي ما أخشاه أن يحدث quot;ربطquot; بين زيارة الرئيس مرسي إلي quot;الصينquot; وquot;إيرانquot;، وفكرة زعيم تنظيم القاعدة السابق quot;أسامة بن لادنquot; عن (الجبهة العالمية لقتال الصليبيين واليهود).. وهذا وارد بشدة!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات