المسافة بين تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات المصرية (المُقال) اللواء مراد موافي حول المجزرة الإرهابية في رفح، وتصريحات جماعة الإخوان المسلمين اليوم عن عقد جلسات للمراجعات الفكرية والفقهية للجهاديين والتكفيريين في سيناء، تكشف مدي الخطورة المتفجرة والكامنة في سيناء، والتعقيد الذي يتسم به المشهد الجيوسياسي المتغير في مصر والشرق الأوسط.

موافي قال: quot;نعم كان لدينا معلومات تفصيلية بالحادث لكننا لم نتصور أبدا أن يقتل مسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار في رمضانquot;، أما مكتب الإرشاد فقد قرر تشكيل وفد من قيادات الجماعة بالقاهرة، وشمال سيناء، للقاء مشايخ القبائل ورموز الحركات الإسلامية، للنقاش حول آليات الخروج من الأزمة الأمنية الموجودة هناك. والتشاور معهم، من أجل إقرار المراجعات الفكرية والفقهية للمتشددين، الذين يستندون إلى فتاوى لا تمت للإسلام بصلة، وتوضيح متى وأين يكون الجهاد فى سبيل الله.
تبرير موافي هو quot;عذر أقبح من ذنبquot; لم يقنع أحدا لا في الداخل أو في الخارج، بل أكد للأمريكيين صحة موقفهم من ضرورة التخلي عن مبارك ونظامه. فقد كان موقف الولايات المتحدة (ملتبسا) من المظاهرات الحاشدة في 25 يناير وحتي أوائل فبراير عام 2011، ولم تتخل عن حليفها المستبد quot;مباركquot; علي الفور، ولو كان نظامه أسرع حركة وأكثر فعالية في قمع هذه المظاهرات الحاشدة، كان من الممكن أن يبقى في السلطة حتى يومنا هذا. وحسب quot;شلومو بن عاميquot;: فإن الولايات المتحدة لم تنقلب علي مبارك لأنه حاكم مستبد، بل لأنه حاكم مستبد (غير كفء).
التغييرات الجذرية المفاجئة التي أجراها الرئيس مرسي وشملت قادة المؤسسة الأمنية ndash; العسكرية، رغم تباين الآراء وتناقضها حول قرار إحالة طنطاوي وعنان للتقاعد، هي رسالة طمأنة (سريعة) للعالم بأن مصر حريصة علي الحفاظ علي معاهدة السلام مع إسرائيل عبر تأمين السيادة المصرية علي شبه جزيرة سيناء. وهي في نفس الوقت تضع المسئولية كاملة علي عاتق جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; (أمام العالم) في مواجهة هذه الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سيناء، وربما في أماكن أخري، خاصة وأن هناك وشائج قربي بين quot;الإخوان المسلمينquot; وبين quot;البدوquot; الخارجين علي القانون وquot;الجهاديينquot; في سيناء، وحركة quot;حماسquot; وغيرها من الجماعات الإسلامية في غزة.
حجم العملية الإرهابية (وهدفها) ضد الجنود المصريين بالقرب من رفح، ثم quot;كمياتquot; الأسلحة ونوعيتها التي عثر عليها في جبال سيناء ومغاراتها- حتي الآن، تزيد من احتمالات تفجر الأوضاع وتدهورها. ناهيك عن أن المواجهة العسكرية مع هذه الجماعات الإرهابية المدربة جيدا ليست كافية، ومن هنا فإن quot;المراجعاتquot; الفقهية والفكرية لإيديولوجيا quot;الجهادquot; والقتل بإسم الله تصبح ضرورة قصوي ويجب أن تسير جنبا إلي جنب مع العمليات العسكرية، فقد تزامن النشاط الإجرامي لهذه الجماعات في سيناء مع تولي الإسلاميين السلطة، أو قل أنها أستمدت جرأتها من حكم الإخوان المسلمين.
المعضلة الكبري التي تواجه الرئيس مرسي اليوم هي أن هذه الجماعات الجهادية أكثر تهديدا quot;للأمن القومي المصريquot; من إسرائيل نفسها، فقد كان الهدف المعلن لهذه الجماعات ndash; حتي وقت قريب - هو (تقويض) السلام البارد بين مصر وإسرائيل وإنهاء معاهدة quot;كامب ديفيدquot; وقطع العلاقات بين البلدين وصولا للمواجهة العسكرية. أما اليوم فإن هذه الجماعات الإرهابية لا تتورع بشكل مباشر وعلني عن تهديد السيادة المصرية وقتل الجنود المصريين بوحشية واستغلال موقع سيناء الاستراتيجي لصالح تنظيمات إرهابية أكبر مثل quot;القاعدةquot; بما يضر بالمصالح القومية والمواقع الحيوية مثل quot;قناة السويسquot;.
ان الآثار المترتبة على وصول الإخوان المسلمين إلي الحكم بعيدة المدى، ففي أعقاب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، نظرت الولايات المتحدة إلي الأنظمة الاستبدادية العربية (شبه العَلمانية) بإعتبارها السبب المباشر وراء تشجيع الإرهاب الإسلامي. وبعد عقد واحد (2001 ndash; 2011) أصبحت الولايات المتحدة (تراهن) علي حكم الزعماء الإسلاميين الجدد في اجتثاث جذور الإرهاب وكل ما يهدد المصالح الغربية في المنطقة بما في ذلك طموحات إيران النووية، لكن quot;خسارةquot; أمريكا لهذا الرهان قد تعني أيضا سقوط الإخوان المسلمين أو بالأحري سقوط quot;القناعquot; عنهم.