لا أدري إن كانت هذه الرسالة ستصل لأصدقائي في غرب العراق أم لا، ذلك أن الطرقَ مقطوعة ربما والأجواء محتدمة. وفي ظروف كهذه قد يصعب إيصال رسالة أو الاستماع لها حتى. مع هذا، أنا ملزم بقول كلمتي فلديّ هناك قرّاء أحبّهم وأصدقاء لا ابدّلهم بجبل من ذهب، أصدقاء قاسمتهم (القصعة) في الجيش فكانوا أكرم من أن أصف وقبل ذلك رافقتهم على مقاعد الدرس فتبيّن لي معدنهم العراقي الفريد.
نعم ، العراق يمرّ بمنعطف خطير، وعلينا جميعا الانتباه للمنزلقات التي يمكن أن يضعها الكارهون في طريقنا، نحن الطيبين، المحبين لبلدنا، ولكن، في الوقت نفسه، المرتبكين في تعبيرنا عن هذا الحب ، الفاقدين الثقة بأنفسنا من فرط ما تلقينا من صدمات.
لا أروع من التظاهر السلمي اعتراضا على الحكومة أو البرلمان فهذا حقّ يمارسه جميع خلق الله المحترمين. غير إنه، في اللحظة عينها، لا أخطر من أن يقفز الكارهون فيركوبون موجتنا تنفيذا لمآرب خبيثة قد لا تكون قد دارت في خلدنا، نحن المعتصمين، المدافعين عن حقوقنا او المتجادلين حولها.
ولكي أكون منصفا أودّ التذكير بالمزاج المحيطِ بالعراق وبالارادات التي ترغب بجرجرته إلى حيث لا نشتهي. والدليل هي الأجواء التي تلفّ المنطقة كلّها، هذه السائرة، منذ سنين، نحو تأجيج الصراعات الطائفية والاحترابات المحلية.
دونكم ما يجري في سوريا بل دونكم ما يتداول من أفكار حول تبلور استقطابات هنا وهناك وجميعها تعمل على تفتيت بعض البلدان وفقا لطوائفه وأعراقه. والعراق بلد مثالي لتجريب هذه الوصفة.
خشيتي تكمن هنا تحديدا فنحن، رغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على التغيير ، لم ننجح في تطمين بعضنا الآخر وهذا ما جعل أطياف الماضي حاضرة بكلّ قوة في هذا التحرك أو ذاك؛ إذا اعتصم أهل الأنبار مطالبين بشيء قلنا لهم ـ يمعودين استروا علينا، وإذا تظاهر أبناء مدينة الصدر اعتراضا على الخدمات همسنا ـ راح تعلك.
هذه أول مخاوفي، أما ثانيهما فهي الخشية من أن تكون الكتل السياسية الفاقدة للمصداقية في طريقها لتحشيد الناس واللعب على مشاعرها الطائفية تمهيدا للذهاب بها إلى الانتخابات وتجديد الثقة بها، وهذا غير مستبعد في ظرف استثنائي كالذي يعيشه العراقيون، ظرف شُغلِنا به بحرب طوائف مدمرة وإرهاب عطّل النمو الطبيعي للمجتمع وكانت النتيجة أن غابت الزعامات المدنية المصنّعة مقابل استمرار الزعامات الطبيعية التي تقود الناس، أعني شيوخ العشائر ورجال الدين.
ما يجري في الأنبار والموصل وسامراء وغيرها من المدن سيكون من أروع الأحداث لو كان العراق بمنأى عن شرنقة الآخرين ومصائدهم، لكن تعقيدات ما يجري في سوريا، من جهة، وما يجري بين المركز واقليم كردستان، من جهة أخرى، تجعل الأمر خطيرا وذا أبعاد لا يعلم أحدٌ منتهاها.

ما الحلّ إذن؟
أتصوّر أن الحلّ يكمن في الحوار ولا شيء غيره. الحكومة مدعوة لتقديم تنازلات مع التخفيف من حدة لهجتها تجاه المعترضين شأنها في ذلك شأن البرلمان والقوى السياسية وزعمائنا الطبيعيين، رجال الدين وشيوخ العشائر.
عليها العمل برؤية عراقية بعيدة عن الأجندات الخارجية ومن ثم عليها أخذ حجم المعترضين بنظر الاعتبار وعدم الاستخفاف بهم. بالمقابل، على المتظاهرين تطمين باقي العراقيين والابتعاد عما يؤزمهم نفسيا من قبيل رفع صور الطاغية صدام أو التغني بأناشيده التي أذاقتنا مرّ الجحيم.
عليهم الابتعاد عن الشعارات الطائفية الممجوجة والمناداة بلغة الانتقام التي يركن لها بعض السذج وراكبو الأمواج من الإرهابيين وأشباههم.
شخصيا، أنا متفائل وقلبي أبرد من مياه ناعور يدور هذه الأيام، وعندي ثقة تامة أنّ أهل غرب العراق أعقل وأكرم من أن يتركوا الحبل على الغارب فيطيحوا بمستقبل هذا البلد وشعبه.
لهؤلاء الأحبة أقول: لا تنظروا لسوريا رجاءً، دعوها لأهلها الطيبين، ولا تسمحوا لراكبي الموجة من ارتقاء خيامكم التي نصبتموها مطالبين بحقوق تظنّون إنّها سلبت منكم.
لا تغرنّكم هذه الجهة أو تلك، بل تذكروا أيام الموت التي أنقذنا منها الله بعد اللتي والتي وبعد أن طحنّا فلذات أكبادنا ثم شربنا بعدهم فناجين الندم.
كلّ شيء يمكن أن يُحلّ فيما بيننا بالتراضي. قولوا لهم ذلك بأفعالكم الحكيمة: نحن أهل دار، نتجادل ونختلف، لكننا، في الأخير، سنجلس في خيمة واحدة ونحلّها بمعرفتنا.
هذه هي رسالتي لكم. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.