الجزء الثاني

بدايات الصراع الطائفي الشيعي - السني يعود إلى يوم وفاة الرسول، للخلفاء الراشدين دور كبير فيه، تصاعدت الوتيرة على مراحل تاريخية، وتفاقم مع الزمن. على أثرها ملئت صفحات التاريخ بدماء الملايين من الناس الأبرياء وإلى يومنا هذا، والغريب إنه بكليته وبدون استثناء وربما بمطلقه ndash; رغم أن المطلق ملغي ndash; كان صراعا سياسياً كما هو اليوم. لم يكن قتل عمر وعثمان وعلي وحسين ( رضوان الله عليهم جميعاً ) ومعظم الخلفاء الذين قتلوا - بلغ نسبة القتل فيهم 80 % من مجموع الخلفاء الذين حكموا على مر التاريخ - أو سمموا كانت لغايات مذهبية أو لفكرة فقهية دينية أو منهج روحاني، بل كانت الأبعاد النهائية صراعات على السلطة والمصالح السياسية الفاسدة.

جرفت الثورة السورية اليوم إلى صراع طائفي حاضر الوجود، والذي يتعامى عنها لا يريد أن تكون هناك نهاية منطقية للثورة. لا شك بأن السلطة الأسدية خلقتها، وغذتها أئمة ولاية الفقيه لمصالحهم، دخلت أطراف دولية سنية على المحك، بدعم لوجستي وليس فكري أو ادعاء للديمقراطية، البنية الثقافية التي خلقتها السلطة كانت ملائمة لمثل هذه التدخلات، والواقع السوري الماضي يستحيل التعتيم عليه، فلا يستطيع أي فرد سوري أن ينكر أن كل زاوية من الوطن كان حاكمها المطلق علوي أو علوية، بشكل مباشر أو من وراء الجدار، كانت اللهجة العلوية الجواز المطلق لتسيير أية معاملة قانونية أو غير قانونية، لم تكن هناك دائرة بدءاً من السلطة التنفيذية إلى التشريعية والقضائية و كل ما يتفرع عنهم كان العلويون طغاتها، وبرواتب وحوافز فاقت التصورات، ونحن هنا لا نتحدث عن الجيش والأمن والاقتصاد، القطاعات التي كانت ملك يمينهم الخاص، وقد رافق كل هذا الإنتشار الغريب والمتزايد للحسينيات في معظم المدن والقرى السورية، كانت هناك خطط مترامية لتشييع سوريا، كل ذلك ولم تكن هناك قوة لردعها أو حتى نقدها، سوريا كانت مستعمرة بكليتها.

تمكنت السلطة اليوم وبمساعدة الهلال الشيعي، من أن تجر دول سنية أخرى إلى تجديد الصراع الطائفي التاريخي في الثورة السورية، وقد ربح السلطة والهلال الشيعي حتى الان من جهتين : أولاً ndash; بلغت حداً ما في تشويه الثورة السورية لأبعاد الدعم الدولي الأوروبي والأمريكي والقوى الخارجية الديمقراطية عنها. وثانياً ndash; محاولة أيران ضرب التيار السني الليبرالي والذي يتبناه تركيا والقطر، وذلك بدفع التيارات التكفيرية والسلفية إلى جانبهم، في الوقت الذي كانوا يدعمونها ويمولونها ويدربونها لخلق الفتن في العراق ودول الجوار. وعليه يمكن توسيع رقعة المد الشيعي في الشرق.

مهما كانت الإنجرافات الطائفية فظيعة، إلا أنها في حاضر الثورة السورية أصبحت من ضمن الواقع الاستراتيجي، والذي يجب على الجيش السوري الحر والمعارضة الخارجية التركيز عليها بدقة. فالثورة ستستمر عسكريا والدمار سيتفاقم في نفس المناطق الساخنة، والتأثيرات على السلطة قد تتزايد، لكنها سوف لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، لأن السلطة نجحت في أختراق الثورة والمعارضة بإلغاء مطلب التدخل الخارجي بحجج واهية وطنية مزيفة، منها أن الخارجي سيدمر الوطن، ولا نعلم إذا كانوا سيدمرون الوطن بشكل افظع مما دمرتها السلطة أم لا؟! وهو المطلب الذي حاورت عليه ليلا نهاراً البعث بكليته، والألوية الذين أنشقوا عن السلطة لغايات، هؤلاء الذين لم يجلبوا معهم حتى جندي، ولا نقول كتيبة! كما وأن المعارضة والثوار الأن في مأزق من خلال ظهور شروط من الدول الداعمة لهم، وتحديدها حسب انتماءات التيارات المتنوعة، ولا نستبعد ظهور صراعات جانبية بين التيارات الثورية والتكفيرية لن تقل سلبياتها على الثورة عن مدى تأثير الإنشقاقات على السلطة.

الخطة الاستراتيجية

التوقعات السلبية، والظروف الفظيعة الحاضرة تفرض نفسها على الثوار والجيش الحر بشكل خاص لوضع استراتيجية نوعية مغايرة كليا للحرب الجارية، حتى ولو كلفتهم في البداية تلكؤات استثنائية أولية، لكنها مصيرية وستؤدي إلى تقصير عمر السلطة بدون تدخل خارجي، ومن المتوقع حينها أن تهدم السلطة نفسها بذاتها وتتخلى عن الإستمرارية، والخطة بسيطة، وهي نقل بؤرة المعارك والقتال كلياً أو جزئيا من المناطق الساخنة المدمرة إلى العمق العلوي أي إلى القرى والمدن التي تتمركز فيها العائلات العلوية البرجوازية والتي لها تأثير مباشر على تجييش الشبيحة ودعم السلطة والذين هم وراء استمراريته وقوته، وهم معروفون للجميع، مدنناً مثل قرداحة أولاً، وغيرها، والكل يعلم أن الأغلبية الذين كانوا يتمركزون سابقا في مناطق خاصة لهم وببذخ فاحش وقصور خاصة، أنتقلوا خلال الثورة إلى الداخل العلوي، يستمرون في تقديم كل أنواع الدعم للسلطة، كما وأن الضباط والقيادات السياسية والإدارية الكبار نقلوا عائلاتهم إلى حيث قلاعهم المشيدة في جبال العلويين، وهم يديرون المعارك على أطراف المدن الثورية الساخنة.

بشكل واضح وشفاف، الحراك المنطقي والمطلوب لكسب الحرب الدائرة بين الشعب وآل الأسد وشبيحته تتطلب نقل المعركة إلى جبال العلويين ويجب أن تقصف وتهاجم وتدمر، حينها ستتبين مدى ظهور الضغط الداخلي وتأثيره على آل الاسد لإجباره على التوقف بل وبالخروج لتجنيبهم الدمار، ولا نشك أن تكون لهذه الإستراتيجية العسكرية النوعية تأثيراً على سياسة ودبلوماسية الروس ومواقفها حول الثورة السورية، الطرح منطقه ليس توسيع رقعة التدمير والتشظي بالطائفة العلوية على حساب الطائفة السنية، ولا لعنصرية طائفية، فالدين لم يكن ولن يكون غاية كل من يؤمن بالثورة بل هي غاية السلطة والتيارات التكفيرية والإسلامية الاخرى السياسية، والثورة براء من الكل، بل تطرح لإنها الطريقة الأمثل لخلق توازن روحي والاحساس بالشعور الإنساني لدى الطرف الآخر ايضاً، ليتسارعا معاً إلى حوار منطقي خارج الذين تلوثت أياديهم بدماء الشعب السوري.

بهذه الإسترتيجية العسكرية ستتمكن كتائب الجيش الحر ومعها القوى العسكرية الاخرى والتي لا تقل عنها قوة من اسقاط السلطة بشكل أسرع. المطلب الوحيد للعديد من التيارات السياسية المتكالبة على الثورة، هو الحصول على السلطة بعد آل الاسد والتي سوف لن يكونوا أقل دكتاتورية منه، خاصة إذا كانوا من الإسلام السني الرديكالي السياسي والتي قد تشاركها التيارات التكفيرية لفترة ما في بعض الامور، كالروحانيات والعلاقات الإجتماعية، وهي من الاساسيات التي انبثقت الثورة من أجلها لتغييرها إلى حيث المفاهيم الحضارية الإنسانية الحاضرة، والبعض من المحللين السياسيين والمثقفين يشكون في قوة التيار الإسلام السياسي بكل أنواعه، لكن على الأغلب هم الآن أكثر تنظيماً ويملكون القوة العسكرية، إلى جانب الدعم الخارجي الذي يصب أغلبه في اتجاههم. لهذا فالثوار الحقيقيين سوف لن يستكينوا من أن تخرج سوريا من أحضان دكتاتورية إلى أخرى، والثورة ستستمر رغم زوال السلطة، ومادام النظام المشوه سيكون باقياً ولو بوجه آخر، حيث الفساد، وإن لم يكن فساداً مالياً، فإنه سيكون فساداً فكرياً ثقافيا مغايراً، وهو سوف لن يكون أقل فظاعة من ثقافة البعث، وعليه ستكون هناك مشاحنات سياسية ستؤدي إلى صراعات عسكرية من قبل الميليشيات التي ستبقى حاضرة كطرف عسكري لكل جهة سياسية.

الجيش السوري الحر والكتائب الثورية، إذا اقتنعت، ستؤمن بالإستراتيجية من منطق المفهوم الثوري، وذلك لتقريب نهاية الصراع الجاري بين الشعب والسلطة، أما التيارات التكفيرية والذين هم ضمن الثورة كعلة، لهم غايات طائفية خارج الثورة ومفاهيمها، فلهم استراتيجتهم الذاتية االأنانية والمنافية لمبادئ الثورة، وهجومهم على مدينة ( سري كانيه ) في اقصى الشمال السوري وتدميرهم لها وبمساعدة تركيا وقوى عنصرية أخرى واحدة من غاياتهم البعيدة عن أهداف الثورة، بل من اهداف السلطة نفسها، لذلك حركها بشار الاسد بكلمته الفقاعية، هؤلاء يعلمون ان السلطة تتمركز في دمشق والمنطقة العلوية، ووجودها في الشمال السوري وشمال شرقه لا ثقل استراتيجي له على مسيرة الثورة، لذلك فالأولى بالقوى الثورية الاتفاق على وضع تكتيك يوضعون فيها هذه القوى الانتهازية خارج هذه الاستراتيجية، لأنهم لا يقلون شروراً من شرور الشبيحة وآل الاسد، وسوف ينخرون في الثورة والوطن ما بعد زوال آل الاسد. وإذا كان الجيش السوري الحر وكتائب الثورة الأخرى غير قادرة على اختراق جدار الأمن الذي بنته السلطة حول المنطقة، فعليها أن لا تكون جهة غير مباشرة في تدمير المدن السورية الأخرى وعليها أن تضرب المراكز الاساسية لقوى السلطة فقط، فالبقاء ضمن المدن تزيد السلطة تلذذاً بتدميرها، وهي بذلك تطيل عمرها، ومعها تتراكم يوماً بعد آخر الفظائع في الوطن، وبذلك السلطة تنتصر لأنها سوف لن تخسر في النهاية سوى الكرسي، أما الشعب والثوار سيكونو قد خسروا الكثير... الكثير.

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]