أهم ما يميز العراقیین هو فقدانهم للثقة بالسلطة الفاسدة في بغداد، وهذا الامر دفعهم الى النفور من صناديق الاقتراع، وهذا ما جعل نسبة الاقبال على التصويت لا تتجاوز نصف المشمولين بالانتخاب، ونسبة المشاركة في الانتخابات الاخيرة لمجالس المحافظات لم تصل 50% من المشاركين، ولكن حقيقة الامر فان هذا الحال اختلف في انتخابات الدورة الرابعة لبرلمان اقليم كردستان التي جرت يوم 21 ايلول 2013حيث وصلت نسبة المشاركة الى 73% كما اعلنتها المفوضية المستقلة وهذه المساهمة الفعالة سجلت بداية لصحوة ديمقراطية في المنطقة الكردية الآمنة من العراق الجديد بعد عام الفين وثلاثة.

واسباب الاقبال الناجح للناخبين الكردستانيين على التصويت لاختيار برلمان جديد تعود الى عوامل عديدة, أهمها وجود معارضة حقيقية ممثلة بحركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى التي غيرت موازين القوى السياسية في الاقليم، وظهور منافسة شديدة خلال الحملة الاعلامية الانتخابية بين مرشحي الاحزاب لكسب صوت الناخب للوصول الى مقاعد البرلمان, وبروز اراء سياسية من قبل مجموعات حزبية ونخب ثقافية واجتماعية ومنظمات المجتمع المدني لدفع السلطة القائمة بادارة الاقليم الى التغيير والاصلاح.
واليوم وبعد اعلان النتائج الاولية من قبل المفوضية المستقلة للانتخابات بعد مرور ايام على التصويت, برزت خارطة سياسية جديدة للاقليم من خلال بروز قوي لحركة معارضة قوية وانتقالها من الصف الثالث الى الثاني وظهورها كقوة ثانية بعد فوز حزب الرئيس مسعود البرزاني بـ 38 مقعدا برلمانيا وحصول حركة التغيير على 25 مقعدا وفوز حزب الرئيس جلال طالباني بـ 18 مقعدا، والاتحاد الاسلامي بـ 9 مقاعد والجماعة الاسلامية بـ 6 مقاعد، وجاءت هذه النتائج في ظل وجود تصادم انتخابي شديد على الساحة السياسية بين أغلب الاحزاب الكردية العلمانية والاسلامية والمسيحية والتركمانية, وبعد ان تزينت المدن والشوارع بصور مكتظة بالقوائم والشخصيات المرشحة على مستوى كل حزب او حركة، ومع طرح شعارات متنوعة للمكونات والقوائم السياسية المشاركة في انتخابات الدورة الرابعة للبرلمان.
وعند التمعن في ارقام نتائج الانتخابات للدورة الاولى عام 1992 والدورة الثانية 2005 والدورة الثالثة 2009، نجد ان نسبة اصوات الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني سجلت انخفاضا على التوالي 89.1%، و85.2، و57.37%، وهذا يعني ان الحزبين قد خسرا نسبة 29.9% من الاصوات, وبالتالي فان هذه النسبة قد انتقلت الى احزاب المعارضة الممثلة بحركة التغيير والاتحاد الاسلامي الكردستاني والجماعة الاسلامية ولكن حصة الاسد كانت من نصيب الاولى.
واليوم وبعد اعلان نتائج الانتخابات فان أجمل ما فيها هو اعتراف حزب الرئيس طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني بتراجعه واقراره بتحمل مسؤولية ذلك امام اعضائه وانصاره، واعترافه بالنتائج المعلنة من قبل المفوضية وتقبله بمرونة وتفهم كامل للواقع السياسي الجديد في الاقليم.
ولاشك ان التقبل الحكيم لقيادة الاتحاد الوطني لنتائج الانتخابات من خلال تأكيدات نائب السكرتير العام للحزب كوسرت رسول علي قد ترك أثرا طيبا على مسار العملية الديمقراطية في الاقليم، ومنحها صحوة مميزة مقارنة بالديمقراطيات المتبعة في العراق والدول المجاورة للمقاطعة الفيدرالية الكردية.
وجاءت الصحوة الديمقراطية بفعل التجربة السياسية الجديدة لحزب الاتحاد الوطني من خلال تقبله بمرونة وواقعية لتراجعه مرتبة الى الوراء نتيجة الاداء السيء لوزرائه ومسؤوليه في حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية ببغداد، واعلان بيانات غامضة متسمة بالارتباك عن الحالة الصحية للرئيس طالباني وخاصة من قبل زوجته وابنه خلال الحملة الاعلامية الانتخابية، وتبني صراع غير متكافيء سياسيا واعلاميا مع حركة التغيير على مدينة السليمانية معقل حزبي الاتحاد والتغيير، والافتقار الى مراكز دراسية متخصصة في الانتخابات والحملات الاعلامية واستطلاعات الرأي.
ولابد من الاقرار وبالرغم من تراجع حزب الاتحاد فان حزب الرئيس مسعود البرزاني لا يعول عليه في احداث تغيير جوهري وتجديد واقعي واصلاح حقيقي في الاقليم، وبالرغم من فوزه باغلبية بسيطة، بسبب ترسخ سلطة العائلة الحاكمة المتسمة بالعشائرية في الحزب والانفراد بالسلطة والنمط الرأسمالي الجشعي الذي يسير عليه في ادارة الاقتصاد والاموال والممتلكات العامة، والتحكم الانفرادي بموارد الشعب خاصة النفط منها بعيدا عن الشفافية والنزاهة، ولهذا يتوقع ان لم يهيء الرئيس البرزاني حزبه لاصلاج جذري في السنوات اللاحقة فان الحزب سيفقد بالتأكيد حصة كبيرة من المقاعد البرلمانية التي حصل عليها في الانتخابات.
ولهذا سيبقى الأمل باحداث تغيير سياسي حقيقي مدني حكيم بالاقليم في انتخابات الدورة المقبلة للبرلمان مرتبطا فقط بالحزبين اللبراليين للطالباني ومصطفى واحزاب المعارضة في حال تقييم تجربتها وحضورها السياسي براقعية مدروسة.
المهم في الامر هو حصول تغيير حقيقي في الواقع السياسي الكردستاني, وتحقيق توزيع جديد للمقاعد في برلمان الاقليم, وتبقى عملية تشكيل الحكومة مرهونة بالمباحثات والمشاورات بين القوائم الفائزة في الانتخابات، وبالرغم من تقدم حركة التغيير المعارضة لكن حزب الاتحاد الوطني سيبقى اللاعب الفعال في اللعبة السياسية لحاجة كل الاطراف اليه، وحصول اتفاق بين رؤساء الاحزاب على اساس التوافق قد يكون غير ببعيد لقيادة كردستان من خلال تشكيل تحالف يضم كل القوى السياسية لادارة الاقليم مع الاتفاق على تنفيذ برنامج حكومي موحد لصالح كل الكردستانيين.
كاتب صحفي
اربیل ndash; كردستان العراق