بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على غياب الرئيس جلال طالباني من رئاسة الجمهورية وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني وتعرض العملية السياسية في العراق المريض الى انتكاسة كبيرة بفعل غياب حضوره القيادي والرئاسي، ورغم شحة المعلومات الصحفية عن صحة الرئيس، الا ان قيادة حزب الاتحاد من قبل نائب الطالباني ونائب رئيس اقليم كردستان كوسرت رسول علي تحت عنوان quot;الأخ الكبيرquot; شكل نموذجا متوازنا للتعامل المؤسساتي المنظم لنقل السلطة داخل الحزب بحكم موقعه القيادي ومواقفه ودورها الريادي والمرن لتخطي المسار الحرج الذي دخل فيه الحزب بعد الانتكاسة الصحية الفجائية الخطيرة التي تعرض لها الرئيس طالباني.
ومسار التغييرات الذي حصل للاتحاد الوطني تحت حكم القيادة والزعامة الجديدة شكل موقفا جديدا على الساحة السياسية في كردستان العراق، وشكل طريقا جديدا للتعبير عن الرؤية العامة للحزب تجاه القضايا والملفات الكردستانية والعراقية بعيدا عن نفوذ رئيس الاقليم مسعود البرزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني، وبهذا يمكن القول ان القيادي رسول قد حقق طفرة نوعية ومستقلة في القرار السياسي للاتحاد الذي تعرض الى تساؤولات كثيرة في السنوات الماضية بحكم المرونة الكبيرة التي كان يبديها الرئيس طالباني لرئيس الاقليم.
ولم تتوقف التغييرات الجديدة الحاصلة تحت القيادة الجديدة للاتحاد الوطني في الخريطة السياسية عند هذا الحد، بل وصلت الى اتخاذ قرار مهم من قبل المكتب السياسي للحزب وهو اجراء الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات بقائمة مستقلة بعيدا عن التحالف مع حزب البرزاني، ومع ترك مسالة التحالفات الى ما بعد الانتخابات.
ويبدو ان البرزاني وحزبه قد شعروا بضرورة التعامل بمرونة مع الواقع الجديد في ظل التغييرات الجديدة فبدؤا باعادة النظر في حساباتهم السياسية والانتخابية في الواقع الذي قدم حضوره على الساحة الحزبية والحكومية في الاقليم بسبب غياب الطالباني، وهو واقع يعني تخلي الاتحاد الوطني عن اي التزام يمكن قد قدم من الثاني للأول، وبهذا التحرر فان الاقليم سيدخل في مرحلة غير مالوفة لرسم خارطة جديدة للاحزاب السياسية التي تلعب دورها في الحضور السياسي داخل المجتمع الكردستاني.
ومن جملة الخطوات التي مثلت نهجا جديدا للبرزاني وحزبه هو التغيير الحاصل في التنازلات التي يقدمها الديمقراطي الكردستاني للاتحاد الوطني للاحتفاظ به كحليف استراتيجي بشرط ضمان بقاء رئاسة الاقليم للبرزاني لنصف ولاية ثالثة، ويبدو ان المساومات كبيرة بهذا الاتجاه في التفاوض الحاصل بين الطرفين.
وبحكم المتابعة نجد ان الواقع الجديد المتوقع حصوله في الاقليم الكردي يأتي في ظل الاخفاقات المتوالية والمتواصلة للعملية السياسية العراقية بين الكتل البرلمانية بفضل تحت خيمة الأزمات المتلاحقة التي يصنعها نوري المالكي رئيس الوزراء، وفي ظل التغيب المتعمد لنهج الشراكة الحقيقية في ادارة حكومة الدولة العراقية المريضة، وتأرجح النظام الديمقراطي بسبب التدخلات الحاصلة في المنظومة الانتخابية والتأثيرات الاحادية المفروضة على السلطة القضائية من قبل رئيس الحكومة، ولهذا نجد ان مسار السلطة التنفيذية في بغداد أخذ بالانكسار والانحراف الحقيقي عن الاتجاه الرئيسي لخدمة العراقيين في كافة مجالات الحياة لضمان الأمن والسلام والاستقرار والمعيشة وارساء المفهوم السليم للمواطنة.
ولم تقف حدود الاخفاق والانكسار الحاصل في العملية السياسية ببغداد عند هذا الحد بل وصل الى تقاطعات حادة ومتباعدة بين أطراف الأزمة ائتلاف، دولة القانون ومكونات القائمة العراقية والتحالف الكردستاني، والاستحقاقات والوعود الانتخابية التي وعد بها كل من دولة القانون والعراقية ذهبت ادراج الرياح وبقيت حالة المعاناة والالام مستمرة في البلاد عدا اقليم كردستان الذي خطى لنفسه نهجا بعيدا عن ما يجري في العاصمة الاتحادية، وصنع من خلال ارساء السلام والامن والاستقرار نموجا يشهد له بالثناء والتقدير للبناء والاعمار وهو الوجه المشرق الوحيد للعراق المضطرب سياسيا وأمنيا واجتماعيا.
ويذكر ان حزب الطالباني تعرض الى اخفاق سياسي كبير عند انسلاخ القيادي نوشيروان مصطفى منه، ولكنه تمكن من الخروج منه بواقعية سياسية جريئة غير معهودة في الواقعين السياسي العراقي والكردستاني، ولم يكتفي بهذا بل ضرب مثلا للحزب الوطني الحريص على المصالح العليا من خلال تقديم تنازلات كثيرة للرئيس البرزاني من أجل ابعاد الوضع العام من اي تهديد داخلي او اقليمي كان يحيط بالاقليم لحماية الشعب الكردستاني، وهذا ما مهد الطريق للاتفاق على الاتفاقية الاستراتيجية بين الرئيسين الطالباني والبرزاني لتنظيم ادارة الحكم بين الطرفين مع وضع ارضية متينة للعمل على أساس المشاركة لادارة حكومة الاقليم، ومع ضمان الشراكة لصنع القرار السياسي الموحد للتعامل مع الاحداث والوقائع في المنطقة بموضوعية وواقعية ومسؤولية.
وهذه الأرضية التي ارساه الوجود المقتدر لحزب الطالباني على الصعيدين الكوردستاني والعراقي ساعدته على ارساء سبل حديثة للنضال في تنظيماته وفق اطر جديدة مؤمنة بالحياة المدنية المبنية على النهج والفكر الانساني، وهذه الاطر سمحت بتقديم رؤية سياسية جديدة من قبل جلال الطالباني ونائبه كوسرت رسول علي لقراءة الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية التي يمر بها العراق واقليم كوردستان.
هذا باختصار، الواقع السياسي الجديد الذي بُدأ بارسائه في اقليم كردستان من قبل نائب الرئيس طالباني لتجديد الحزب وفق المعطيات السياسية الجديدة على الساحتين الكردستانية والعراقية مع تبني رؤية فكرية وسياسية عملية وحكيمة لادامة الادارة الحكومية للكيان الكردي وفق سياق مؤسساتي ورؤية واقعية، ولهذا نقول ومن واقع قراءة العملية السياسية والديمقراطية للاقليم نجد ان الخطوات والاجراءات التي يقوم بها كوسرت رسول علي كأخ كبير وقائد للاتحاد الوطني تمثل رؤية حكيمة لضمان تواصل متقدم للحزب السياسي الوطني المتجدد والمقتدر على الساحة السياسية في الاقليم والعراق، ونأمل ان يدفع هذا المكسب السياسي الجديد في الواقع الكردي الى تحقيق تغييرات جذرية وحقيقية في كافة المستويات وفي جميع المجالات الحكومية والمدنية والحزبية في المشهد الكردستاني.
كاتب صحفي ndash; كردستان العراق