الانفراد الحاصل لرئيس الوزراء نوري المالكي للتحكم بحكومة ورئاسة الجمهورية في العراق بات أمرا مفروغا منه منذ أكثر من ست سنوات، والتباعد الحاصل بين المالكي والقائمة العراقية برئاسة اياد علاوي بات أمرا منسيا، والخلاف الحاصل بينه وبين مسعود ابرزاني رئيس اقليم كردستان بات أمرا مبررا لتشكيل قيادات العمليات العسكرية مثل دجلة والجزيرة، وأما الخلاف الحاصل بينه وبين مقتدى الصدر فالأمر مختلف لان الأخير من ضمن الكتلة الشيعية التي ضمنت الأغلبية البرلمانية بتكتيك ملتوي في وضح النهار لتشكيل الحكومة واسناد رئاستها الى المالكي، وبفعل الخلاف الأخير فأن الوضع السياسي في العاصمة الاتحادية بات على شفا حفرة من النار التي ستحرق الأخضر واليابس والهدوء المسبق للعاصفة الطائفية الراكدة مازال قيد الدوران لالتهام العملية السياسية وغرق العراق في متاهات التقسيم والحروب الطائفية بين المكونين السني والشيعي.

وفي خضم هذا الواقع المتدهور سياسيا وأمنيا وعسكريا بدأ المالكي يعد العدة لحسابات انتخابية لكسب جولات انتخابات المحافظات العراقية بدعم من الحلف المشكل تحت زعامة الانتهازي السياسي صالح المطلك لترتيب التنظيم الداخلي وكسب الدعم الاقليمي لنفسه ولحزبه على حساب المصالح العليا للعراق، وبسبب تزايد الأمل بانهيار حكم الاستبداد والطغيان في سوريا وفقدان الأمل ببقاء رئيسه العابد للشيطان الرجيم، وتزايد الامل بقرب انتصار الثورة السورية، بدأ بتنفيذ خطته المستورة وهي تشكيل ستار أمني بالقوة العسكرية المشكلة من طائفة واحدة وموالية للمالكي وتحويل بغداد الى ولاية شيعية بأغلبية ساحقة منهم للقضاء على الأمل الذي يراود المكون السني بالعودة الى بغداد من جديد للاستيلاء على مقاليد الحكم فيها، ولحين اكمال خطته بالتمام والكمال بدأ يغازل الكرد ويوجه رسائل الاطمئنان الى الاقليم بمناسبة عيد نوروز مع توجيه الدعوات للتحاور والتناقش لحل المشاكل والخلافات العالقة بين بغداد واقليم كردستان، ومع ارسال رسائل مبطنة لحل المشاكل في المناطق المتنازع عليها، وحل قضية كركوك لابعادها عن التوترات والمشاكل والابتعاد عن استخدام مظاهر القوة والعسكرة لانها تسبب حرق العراق وشعوبها المحبة للسلام.

والملاحظ ان المالكي أصابه غرور شديد بالسلطة وبدا يقلد ممارسات رئيس النظام السابق بعد ان تمكن من السيطرة القوية على الحكومة والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والمخابراتية، وبعد ان تمكن من ازاحة القوى السياسية المناهضة له مثل القائمة العراقية والتحالف الكردستان، وبعد ان تمكن من تحويل الحكومة والوزراء في بغداد الى دمى وأدوات وموظفين صغار مأمورين تحت امرته من خلال استغلال فسادهم وصفقاتهم التجارية وممارساتهم لتحريكهم حسب اهواء ومصالح المالكي وحزبه الذي بدا يلعب دور حزب القائد من خلال احتكار واستغلال السلطة والانفراد بأدواتها التنفيذية والسيطرة على جميع الموارد المالية والاقتصادية والنفطية والتجارية للعراق المبتلى بطغيان الفساد.

وبالرغم من الدعوات والرسائل التي وجهتها كل من العراقية والتحالف الكردستاني الى المالكي والى ائتلاف دولة القانون برئاسة ابراهيم الجعفري لحلحلة الأزمة السياسية وتخفيف مشاكلها وتحريك الازمة القائمة بين بغداد واربيل لحلها، الا ان موقف المالكي وحزبه وتحالفه لم يتغير وبالعكس تم تسجيل تصعيد وتوتر اكثر تعقيدا وبتعمد من قبل رئيس الوزاء والقيادات المتحالفة معه وخاصة تجاه الكرد وتجاه رئيس الاقليم، ويبدو ان التصعيد مازال مستمرا من قبل المالكي ومستشاريه وتحالف دولة القانون لتصعيد الأزمة بدلا من تخفيفها وحلحلتها، ومازال بيان النيات غائبا وضرورة اعادة النظر والكف عن خلق المشاكل والتوترات والتشنجات غائبة للتوقف عن المسار الذي يسير عليه المالكي بعقلية طائفية مقيتة.

وكما قلنا في السابق quot;من المؤسف ان مسار الحكم الذي يسير عليه رئيس الحكومة التوافقية المشكلة بحسب اتفاقية اربيل يتميز بالتفرد والانفرادية في ادارة الحكومة، ومن خلال هذا المسار بدت دكتاتورية جديدة تطفو على كرسي الحكم في العراق تقبع تحت عرشه عشرات المليارات من الدولارات والامتيازات والصلاحيات المطلقة ودون مراعاة للتشريعات والقوانين التي يصدرها مجلس النوابquot;، وبالرغم من انتقادنا للسياسة الانفرادية المتبوعة من قبل المالكي الا اننا لا يعني اننا راضون عن السياسة التي تنتهجها القيادة الكردية بتحويلها كردستان الى اقطاعيات تتحكم بها من هب ودب في مناطق نفوذ الحزبين الحاكمين في الاقليم.

وبالرغم من تنبيهنا للسيد المالكي في السابق quot;بسبب المسار الخاطيء لحكمه فاننا ننصحه بعدم التفريط بمصلحة العراق في ظل ضغوطات اقليمية ودولية، وننصحه وحزبه باللجوء الى الحوار الجاد البناء بغية الوصول الى اتفاق للخروج من الأزمة وحل الخلافات والمشاكل، واعادة تفعيل اتفاق أربيل السياسي بين الكتل لضرورات وطنية عراقية خالصةquot; لغرض ابعاد العراقيين من التوترات الاقليمية التي تشهدها المنطقة، والحفاظ على العراق الجديد بنظامه الفيدرالى التعددي الديمقراطي واخراجه من الازمات السياسية والمشاكل التي تعصف بالبلاد وبأمتنا.

ولهذا ومن باب الحكمة والمنطق نجد ضرورة تراجع السيد المالكي عن خطواته غير الموزونة والحكيمة، واقناع كل الأطراف المعنية باتباع نهج واسلوب عقلاني لحل الازمات المتعلقة بالعملية السياسية وازالة المشاكل مع تهيئة الأجواء لتبادل الثقة بجدية، ومع ضمان حوار بناء وجاد لاخراج البلد من ازماته المستعصية، والبدء بالبناء واعمار العراق بغية تحقيق نقلة نوعية في حياة العراقيين بجميع قومياته وطوائفه المذهبية.

وكما قلناه وبكل امانة فان المالكي قد جاوز الخط الاحمر السيادي للعراق وبممارساته المشبوهة تحول الى مصدر خطر حقيقي على حاضر ومستقبل البلاد، ومن خلال استيلائه على ميزانيات جاوزت المائة مليار دولار طوال سنوات فان ملاعب الفساد التابعة له تشق الزمن لضرب المصالح العليا للبلاد، واليوم بات هو خطرا حقيقيا على شيعة العراق، ولهذا حان الوقت لاخواننا واشقائنا من الشيعة الكرام للتحرك الجاد لتغيير رئيس الوزراء لوقف تأزيم وتمزيق العراق، ولابد من كل ائتلاف وخاصة ائتلاف التحالف الوطني الممثل للمكون الشيعي من اتخاذ موقف حاسم ووطني ومصيري لابعاد المالكي وجماعته وحزبه من ادارة حكم البلاد، وليعلم الجميع انه لم يبقى بين الحاضر والمستقبل المجهول للاقليم سوى شعرة رفيعة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

كاتب وصحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]