في خطوة ايجابية تمكن نواب التحالف الكردستاني والقائمة العراقية من افشال التصويت على قانون البنى التحتية الذي قدمه نوري المالكي رئيس الوزاء بحجة الاعمار واقامة مشاريع تقديم خدمات البنى التحتية للمواطنين في بغداد والمحافظات بمبلغ يصل الى اربعين مليار دولار. والمثير للغرابة ان المالكي قدم مشروع قانون لرهن النفط العراقي بيد الشركات الأجنبية على صفحتين من الورق وبمبلغ اقرب الى الخيال باسم البنى التحتية، والتفاصيل المبهمة التي ذكرها في جلسة علنية لمجلس النواب لم تصل اوراقها الى عشرين ورقة، اي ان مجمل اضبارة المشروع لم تصل اوراقها الى عدد اصابع اليدين بمرتين ولكنها بمبلغ تفوق ميزانية اكثر من خمس دول متوسطة الدخل العام في الشرق الاوسط. فيا لعجب الحكومة العراقية ولرئيسها المالكي، ويا لغرابة الطلب، هل يعقل تقديم قانون ومشروع كلفته بنصف ميزانية العراق لعام 2010، بينما عدد اوراقه لا يتجاوز عدد اوراق دفتر صغير لتلميذ في الدراسة الابتدائية، اي ان كل صفحة من التفاصيل الغامضة المقدمة من الحكومة لوحدها بمبلغ نصف مليار دولار، وكل صفحة من القانون بعشرين مليار دولار. ولا ادري ان كانت بغداد تعيش في ليالي الف ليلة وليلة جديدة لاني بعيد عنها في هذه الفترة، ولكن المالكي يبدو انه يعيش في احداثها وخيالها اسرارها واسحارها وفي اجواء سلاطينها، ولهذا صنع ورقة بومضة البرق ودون فيه طلبا لنيل موافقة مفبركة من النواب كورقة سيادية ليحمل فيه مشروعا باربعين مليار دولار وليقول لاعضائه امنحوني صكا للتفاوض بالدفع الآجل مع الشركات الاجنبية على اساس رهن النفط العراقي لسنوات طويلة وبفوائد ليست محددة وغير معلومة. يأتي هذا العرض للحكومة برئاسة المالكي وهي منذ ست سنوات لم تقدر على وتقديم اي خدمة للمواطن من الكهرباء والماء الصالح والصحة والتربية والتعليم والزراعة والصناعة، وفشلت فشلا ذريعا في هذا المجال، وكذلك لم تقدر على تقديم اي معالجة لمجابهة البطالة المتفشية كالسرطان داخل مكونات المجتمع العراقي، ولم تتمكن ايضا من تبني اي برنامج للخدمة العامة لصالح العراقيين وفي جعبة وصلاحية رئيس الحكومة ميزانية قدرت بأكثر من 300 مليار دولار طوال السنوات الماضية. وفي ظل هذه الموارد الهائلة للعراق بقي البلاد ايضا يعاني من ازمات ومشكلات امنية وعسكرية فبقيت العاصمة بغداد وبعض المحافظات تعانيان من تفجيرات وعمليات ارهابية وانتحارية متلاحقة وفي ظل تدهور امني شديد وواقع مأساوي يعيشه المواطن، وفي ظل ميزانيات رهيبة خلال ست سنوات الماضية خصصت كل سنة اكثر من 20 مليار دولار للشؤون الامنية والعسكرية وتحت تصرف مطلق لرئيس الحكومة نوري المالكي، وبمجملها بلغت صرفيات المالكي اكثر من 120 مليار دولار ولم يحصل اي تحسن او تغيير في واقع الانسان العراقي بل على العكس يزداد الوضع سوءا سنة بعد سنة، ولهذا نجد ان المالكي ايضا فشل فشلا ذريعا في الجانب الامني بالرغم من الموارد المالية الهائلة المخصصة لهذا المجال. وبالرغم من فشل المالكي الا انه لم يقف عند هذا الحد، بل منح مطلق الصلاحيات لحسين الشهرستاني شريكه في حزب الدعوة ونائبه في رئاسة الحكومة ليتصرف بمبالغ يصل الى اكثر من 7 مليارات دولار في كل سنة باسم الطاقة والنفط والغاز، وخلال ست سنوات الماضية لحكم المالكي تصرف الشهرستاني بأكثر من اربعين مليار دولار على حساب العراقيين وهو لم يفلح في تحريك الازمة المستعصية للكهرباء قيد انملة. واستنادا الى هذا الواقع المرير يبدو ان حزب الدعوة بحكم رئيس وزرائه المالكي ونائبه الشهرستاني ووزرائه ومسؤوليه في الحكومة ومؤسساتها يتحكم بكل موارد البلاد المالية والتجارية والاقتصادية في عموم ارجاء العراق، نتيجة للفساد الرهيب الذي يتحكم بمفاصل الحكومة والبرلمان والاحزاب السياسية الفاسدة، ولهذا لاشك فان حزب الدعوة يأتي في مقدمة الاحزاب التي ارصدة مالية بعشرات المليارات من الدولارات وممتلكات منهوبة تصل قيمتها المادية الى اكثر من ميزانية العراق في سنة واحدة. وللتأكيد قبل سنة في بغداد سألت قاضيا في هيئة النزاهة، هل هنالك احزاب اغنى من الدولة في العراق؟، كنت اتوقع جوابا بالنفي ولكن اجابته صدمتني حيث اجاب قائلا: نعم هنالك اكثر من حزب اغنى من الدولة وتملك اكثر من 100 مليار دولار بينما الدولة لا تملك اكثر من 60 مليار دولار كاحتياط للبلاد. اكتفي بهذا وينتابني تشاؤوم كبير واحباط كامل حاضرا ومستقبلا ببنيان الدولة العراقية الغائبة والتي ننتمي اليها والتي فقدت حضورها ووجودها من حياة العراقيين بسبب تحولها الى اداة بيد قوى سياسية فاسدة وهي تتحكم بها ولاءات اجنبية واقليمية، احزاب لا تريد من البلد غير نهبه وتدميره وعلى حساب حياة وراحة وامن وحاضر ومستقبل المواطن العراقي، كيف لا والحالة والعملية السياسية تسجل كل يوم نماذج خارقة في النهب والفساد، واحتلال البلاد لقمة قائمة الدول الفاسدة للشفافية الدولية طوال السنوات الماضية اكبر برهان ودليل دامغ على ان بعض الاحزاب السياسية فعلا هو اغنى من الدولة العراقية المريضة والمنهكة روحا وجسدا، وخاتم القول quot;حسبنا الله ونعم الوكيلquot;. كاتب ومستشار د. جرجيس كوليزاده
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات