العمليات العسكرية التي استهدفت الحويجة وسليمان بك وديالى وصلاح الدين والمناطق الغربية من العراق لم تأت من فراغ، ومسارها متعمد ضمن العمليات المستهدفة للقوات المسلحة العراقية التابعة لرئيس الحكومة نوري المالكي بعد انسحاب قوات الجيش الأمريكي، واهدافها مكشوفة خاصة وانها تعني الحضور الوجودي للسنة بعد ان تمكن المالكي من عزل تأثير ودور القيادات السياسية السنية، وهذه المجابهة المتعمدة والمنظمة من قبل رئيس الوزراء وحزب الدعوة وقوى من ائتلاف دولة القانون للقوى السنية بادت تحمل مخاطر كبيرة على العراق، والبلاد قاب قوسين لتتحول الى دولة شيعية ملحقة بولاية الفقيه الايراني، والمشكلة ان هذه التحولات السياسية والامنية والعسكرية التي تجري على الساحة العراقية لصالح القوى الشيعية يبدو انها تجري في ظل مغازلة امريكية مكشوفة للمالكي ونظام حكمه الطائفي وكأن هذا السيناريو مرسوم له من وراء الكواليس من قبل دوائر معنية في واشنطن وطهران ليشكل نهجا جديدا في المنطقة لفسح المجال امام الامتداد الشيعي للتقليل من دور وحجم المذاهب السنية، ولهذا نجد ان خطة المالكي تستهدف كل السنة في العراق من العرب والكرد مقابل ارساء السيطرة الشاملة للشيعة على البلاد والمفاصل الرئيسية لبنيان الدولة العراقية، وهذا الواقع قد يطال بقاؤه ليمتد الى عقود طويلة.

وبالرغم من جسامة الخسائر البشرية لهذه العمليات القمعية للجيش العراقي في ظل النظام الجديد وفي ظل الحكم الطائفي للمالكي في صفوف الاهالي السنة وفي صفوف القوات العسكرية الشيعية الا انها مازالت تنتظرها الكثير من الويلات لان العقلية التي يتحكم بها رئيس الحكومة مذهبية ومبنية على الطائفية المقيتة، ولهذا فان انقاذ العراق باتت مسألة في غاية الضرورة الوطنية، وهذا يتطلب حضورا قويا للعقلاء من كل الاطراف لكي لا تسمح لتحويل الاحداث الجارية على الساحة العراقية الى حرب أهلية طائفية برغم تواصل مفرداتها واشتدادها في الفترة الأخيرة بعد اتهام بعض المكونات السنية بالارهاب من قبل نوري المالكي وحزبه الدعوة.
ولا ينكر ان الاحداث التي يمر بها العراق تقرأ منها ان جهات عديدة تقف ورائها داخلية واقليمية وأجنبية، والحلقة المرتبطة بين كل الاطراف هي الارهاب اي الفعل الارهابي من كل الاطراف المتقابلة، ولاشك من يقف في الخلف هي جهات مرتبطة بدول الجوار، والتقارير اشارت بصورة مباشرة وغير مباشرة الى ارتباط مؤسسات عسكرية واستخباراتية وقوى مؤثرة داخل ايران ودول اخرى بالعمليات الارهابية التي تستهدف الابرياء المدنيين من الشيعة والسنة وبقية المكونات في العراق.
وكما هو معروف فان الربيع العربي صنع واقعا جديدا في المنطقة من خلال تغيير الأنظمة وبروز قوى سياسية غير مرغوبة على الساحة الاقليمية والدولية، ونتيجة لذلك باتت مصالح بعض الدول ومنها ايران تتعرض الى مخاطر جدية خاصة في سوريا من خلال اندلاع ثورة ضد النظام المستبد لبشار الاسد والحليف الاستراتيجي لنظام ولاية الفقيه في طهران، وهذه الثورة الشعبية العامرة في بلاد الشام باتت تضرب مصالح ايران من الصميم في المنطقة خاصة في سوريا ولبنان حيث خلقت لنفسها كيانات واحزاب وجماعات تابعة لها في بقاع كثيرة، ومن خلال تقديم الاغراءات والاموال والمكاسب الشخصية والمذهبية كسبت انظمة الحكم في دول معينة لكي تسير على خطاها لدوافع مذهبية من خلال منح معونات مادية ومنح ومساعدات وخدمات عسكرية وامنية ولوجستية لضمان فضاء اقليمي واسع المدى للنظام الايراني وبهف نشر التشيع على مساحة واسعة في المنطقة.
وليس بخاف بعد سقوط نظام البعث المباد من قبل الولايات المتحدة في عام الفين وثلاثة، ان العراق صار ضيعة لايران وللدول المجاورة له، وبعد اتمام انسحاب قوات الجيش الامريكي تحول نظام طهران الى لاعب رئيسي في ملعب السياسة العراقية وصاحب قرار مؤثر باقرار امريكي بفعل الامر الواقع، وصار للنظام الايراني دور بارز في تحديد سياسة وقرارات السلطة العراقية بمستوياتها الرسمية والحزبية والاقتصادية، والمواجهات العنيفة التي قام بها المالكي ضد القوى السنية ومن خلال التحجج بالارهاب شكلت واجهة مباشرة لحرب مفروضة على المكون السني من خارج ارادته السياسية, ولهذا نجد ان العمليات العسكرية متجهة وكأنها تريد الانتقام من السنة ولا شك هذا الهدف لا يستفيد منه الا ايران بحكم حربها الطويلة مع نظام صدام, ويبدو انه لم يأتي انطلاقا من حسابات أمنية عراقية بل استجابة لتوجهات ايرانية لتقديم رسائل سياسية الى امريكا واوربا تقصد منها انها تسيطر سيطرة كاملة على النظام الطائفي في بغداد وان طهران حتى لو سقط حليفها الاستراتيجي في دمشق فان بغداد ستبقى تابعة لها خاصة بعد تمايل النظام القابع في دمشق للسقوط واشتداد الثورة السورية عليها.
وكما قلنا في السابق من الغرائب التي يتميز بها نظام الفقيه في ايران كما تشير اليه التقارير الصحافية انه يحتضن اغلب القوى الارهابية الاقليمية والدولية بتنوع مذاهبها، منها المحسوبة على القاعدة السنية المذهب، ومنها القوى الارهابية المحسوبة على الشيعة، وبهذا السلوك الغريب تمكن النظام الايراني من الجمع بين متناقضات مذهبية وارهابية لغايات مبيتة في نفوس رجال النظام الايراني لا تخدم شعوب المنطقة ولا دولها.
واستنادا الى هذه الحقائق المرة بخصوص دول المنطقة، وبالرغم من ادراك القادة السياسيين من الشيعة في العراق بالتدخل الايراني السافر في الشؤون الداخلية وسيطرته على المفاصل السياسية والعسكرية، الا ان الأحداث الأخيرة أثبتت ان ما يخطط له يهدف الى ضرب السنة بكل مكوناتها المتنوعة لفرض حرب اهلية طائفية على العراقيين، ولاشك ان هذه الحالة المفروضة من قبل المالكي تسترعي التحوط والحذر منها بشدة، وتستوجب الانتباه السريع لها للحفاظ على العراق، لانها تستهدف اشعال الفتنة التي تحرق اليابس والاخضر على ارض بلاد النهرين، ولهذا ينبغي التحرك بجدية وبخطوات سريعة من العمل على ضرب هذا المخطط الشيطاني المعد له من قبل دهاليز الظلام بجدية، وتقتضي المصالح العليا للوطن الانطلاف من ضرورات وطنية عاجلة لحماية العراق من سيناريو رهيب يخطط له لتحويل العراق الى ساحة صراعات مذهبية وطائفية لحسابات اقليمية ودولية في منطقة الشرق الاوسط.
وبغية قطع الطريق امام المالكي وامام مخططاته الجهنمية لاتخاذ خطوات سليمة لحماية البلاد من مضاعفات الاحداث الاخيرة، ومن باب الاستناد الى الضرورة الوطنية، فان الحكمة العراقية تسترعي الحذر واليقظة من قبل كل القيادات والقوى السياسية للوقوف بوجه المخطط المالكي لضرب السنة والكرد لتحويل العراق الى دولة شيعية مذهبية تخضع لولاية الفقيه.
وخلاصة القول، ان الوقت قد حان لكل العراقيين التفكير بجدية على المستويين السياسي والشعبي للوقوف ضد التوجهات غير المنطقية للمالكي والمخططات العسكرية والأمنية والمخابراتية الغامضة التي تشم منها روائح الطائفية والولاء لنظام مذهبي مجاور يتسم بالخبث والخداع والتحايل في العلاقات الاقليمية والدولية، والوقت قد حان للبحث بجدية عن حماية العراق، حاضرا ومستقبلا ومن أجل اخراج البلاد من خطر حقيقي يعيشه بعد ان تجاوزت الاحداث حدود الخط الاحمر بكل ابعاده العراقية والاقليمية والدولية، والا فان الافتراق الشيعي السني على ابواب العراق بفعل النهج المدمر للمالكي تجاه السنة والكرد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
كاتب صحفي ndash; كردستان العراق