الوضع السياسي الخطير الذي يمر به العراق يتطلب حشد الجهود لاخراج البلد من مأزق معقد اتعب العراقيين بكل مكوناتهم القومية والدينية والمذعبية، وبات الحفاظ على حاضر ومستقبل الدولة العراقية ككيان موحد يقترب من حافة الافتراق لفتح ابواب مجهولة على مصراعيها لا ندرك ولا نقدر على توقع وتقدير مخاطرها على الحضور الوجودي للمكونات العراقية من السنة والشيعة والكرد.
ومازال بوادر حل أزمة العملية السياسية بعيدة عن الحضور بسبب شدة تعقد الازمات التي مر ويمر بها الشعب العراقي والتي خلقت من قبل أنظمة وافراد نفوسها متسمة بالدكتاتورية والانفرادية لا تريد خيرا ولا سلاما ولا استقرارا للعراقيين، ولهذا فان المشكلة تكمن في أهل السياسة الذين يجرون بالبلاد حسب اهوائهم ومصالحهم الشخصية والحزبية واستنادا الى اجندات اقليمية لدى البعض منهم وخاصة الكبار منهم.
وعلى الرغم من الطروحات التي تقدمها القيادة الحاكمة في العراق والممثلة برئيس الوزراء وحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون للحوار والتفاوض لوقف الانحدار الحاصل في العملية السياسية المتجهة نحو الهاوية، وبالرغم من التقاربات التكتيكية التي يقوم بها المالكي وقادة حزب الدعوة مع اطراف محسوبة من هنا وهناك على المكون السني او مع الكرد، الا ان فقدان الثقة والمصداقية تبقى الشوكة الحادة التي تجرح الجميع لتزيد المسافات تباعدا ولتوسع المساحات افتراقا، والسبب الرئيسي في كل هذا المشهد المؤلم في الواقع العراقي هو رئيس الحكومة نوري المالكي لان زمام امور قيادة الدولة العراقية المريضة بكل مفاصلها السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية انحصر بيده وبفعله تحول الى حاكم مطلق، وهذا ما اصابه بغرور شديد له ولقيادات الدعوة ولبعض الاطراف السياسية من الشيعة، والا بماذا يفسر الانهيار المتواصل والانحدار المستمر للعلاقة السياسية بينه وبين الاطراف المشاركة انتخابيا في البرلمان وفي ادارة الحكومة مثل القائمة العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني.
والخلاف الذي حصل بين المالكي و رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني توازيا مع الخلاف القائم من زمن مع اياد علاوي رئيس القائمة العراقية، انتقل سريعا الى عموم العلاقات بين العاصمتين الاتحادية بغداد والفيدرالية الكردية اربيل، واصابة السيد جلال طالباني ونقله الى الخارج قد أدخلت العملية السياسية في وضع خطير نتجت منها مضاعفات سياسية سلبية خطيرة على حاضر ومستقبل العراق، وبندول عاصفة الاجواء المتوترة والمشحونة يتحكم بها المالكي وقادة حزبه الدعوة بسلبية متعمدة تحاول بشتى الطرق خلق وامتداد مجابهة دائمة مع المكونين السني والكردي لحصر الحكم بيد الشيعة وبتأييد ودعم مطلق من نظام الملالي في طهران.
و كما هو معلوم فان سياسة خلق الأزمات يبدو انها سياسة مبرمجة لدى المالكي، ونعلم ان حدودها لم تقف عند حد معين بل زادت بسرعة البرق لتشمل المكونين الرئيسيين للوجود العراقي مع الشيعة، وبالتزامن والتلاحق تم خلق أزمات سياسية عديدة مع قيادات القائمة العراقية والمكونات السنية ومع مسعود برزاني، وهذا التأزم المتعمد من قبل الطرف الحاكم اطلقت شرارة الاحتجاجات والتظاهرات لدى الشعب الأنباري ولدى أهل الحويجة وفي مناطق من صلاح الدين وديالى والموصل للتنديد بالسياسات الطائفية التي ينتهجها المالكي رافعين شعار quot;سقوط المالكي ونظامه الطائفيquot; وغيرها من الشعارات للدفاع عن كرامة المواطنة العراقية، ومجابهة التدخلات الايرانية التي تسيطر بدرجة كبيرة على مختلف مفاصل الوضع السياسي والاقتصاي والتجاري والمالي والأمني والعسكري وكأن العراق ولاية ايرانية شيعية.
وحسب المشهد الوارد من الساحة العراقية حسب الاحداث والاوقائع الراهنة يبدو ان رئيس الوزراء يتجه لتخفيف حدة الجبهات عليه، والتقارب الشيعي الكردي هي محاولة لسد وغلق ابواب جبهة مستعرة منذ فترة بين بغداد واربيل، ولا ندري ان كانت نية المالكي متسمة بالجدية او مجرد لعبة تكتيكية لاجتياز مرحلة محملة بأعباء كبيرة على الحاكم المنفرد، ام انها مجرد اتفاق ملحق باتفاقية من وراء الكواليس لصالح المالكي والبرزاني لادارة سيناريو مشترك للازمة المختلقة بينهما لحسابات ذاتية وشخصية وحزبية تعود بالفائدة والمنفعة عليهما ومنها ترتيب الأوضاع للترشح لولاية ثالثة لكل منهما، والمجادلات الجارية بخصوص العملية الانتخابية المقبلة لاختيار اعضاء البرلمان في بغداد واربيل تشير الى احتمال تنفيذ خطة بهذا الاتجاه.
ولا ندري ما موقف قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني وقيادات الاحزاب الكردستانية من الاتفاق المبرم ونتائج اللقاءات المنفردة بين رئيس الحكومة الاتحادية نوري المالكي وبين رئيس حكومة الاقليم نيجيرفان البرزاني، ولا ندري ما السر الذي يقف وراء المالكي لهذا التحول المفاجيء للتوقيع على حزمة من النقاط الجوهرية للاتفاق على معالجة قضايا كبيرة كانت عالقة بين الطرفين منذ سنوات، ولا ندري ما العصا السحرية التي استعملها رئيس وزراء الاقليم للتأثير على الحاكم المنفرد ودفعه للتوقيع على محضر اتفاق كان من الواجب ان يقدم عليه ويوقع عليه على طبق من ذهب الى السيد جلال طالباني في الفترة التي سبقت مرض الرئيس وغيابه عن العملية السياسية.
المهم في الامر هناك تحول مفاجيء في المشهد العراقي وعلى ساحة السياسية، وهذا التغيير الحاصل حسب الاتفاق المبرم بين الطرفين ظاهره ايجابي، ولكن لا ندرك باطنه هل هو سيناريو لصالح الرئيسين المالكي والبرزاني لارساء دكتاتورية متواصلة من ثلاث ولايات..؟، ام اتفاق انتفاعي لسد جبهة وتشديد الجبهة على الاطراف الممثلة للمكون السني..؟، أم هنالك امور اخرى لا يمكن ادراكها، ولكن المهم في الامر ان ملامح باطن الاتفاق خطيرة، ولهذا نأمل بكل جدية ونية صادقة عدم توريط الكرد ولا قياداتهم السياسية بأي صراع بين اخواننا من السنة العرب مع اخواننا من الشيعة العرب بسبب سياسات خاطئة وتوجهات غير سليمة للسيد المالكي تضر بكل العراق وبكل العراقيين.
في الختام نؤكد اننا بالرغم من تقديم هذه القراءة السياسية من باب الحيادية والموضوعية للاتفاق المبرم بين المالكي والبرزاني الثاني، الا اننا نأمل بكل مسؤولية ورغبة صادقة عراقية وكردستانية ان كانت النوايا صادقة في الاتفاق المبرم بين الطرفين مع مباركتنا الخالصة وتمنياتنا بالتنفيذ الجدي للبنود الواردة في الاتفاق، ان يلحقه اتفاق للمصالحة بين رئيس الحكومة الاتحادية والاطراف السياسية الممثلة للمكون لاقرار السلام والامان لضمان الحياة الطبيعية للاطفال الصغار قبل الكبار، ولهذا نصرخ بكل قوة كفاية .. كفاية .. كفاية للعنف وللقتل ولسفك الدماء في العراق الجريح، وحان الوقت لنقول للسيد المالكي كفاكم تأزما وقلقا ونهجا غير سليما لادارة العراق، وقد حان الوقت لنقول لكم يا دولة الرئيس ونقول للسيد رئيس الاقليم مسعود البرزاني ان الوقت قد حان لرحيلكما طبقا للدستور والقانون ان حاولتما الترشح لولاية ثالثة لانكما ان نويتم ذلك سترسيان الدكتاتورية ونظام الحاكم المنفرد والحزب المتسلط في العراق وفي اقليم كردستان، وبرفضكما لذلك سيسد باب الدكتاتورية والانفرادية نهائيا وللأبد وبهذا سيحسب حسنة شخصية تاريخية لكما، وبالمقابل حان الوقت والجدية والنية الصادقة للبناء والاعمار وللسلام الحقيقي في العراق المريض المترنح لكي نرسم الابتسامة الدائمة على وجوه فلذات اكبادنا كما هي مرسومة على وجوههم في اقليم كردستان، وخير ما نختم به المقال quot;والله على ما أقول شهيدquot;.
كاتب وباحث سياسي-كردستان العراق
الملحق:
الاتفاق الكردي الشيعي
فيما يأتي النقاط التي تم الاتفاق عليها بين وفد حكومة إقليم كوردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان، الذي زار بغداد مؤخراً، ورئيس الوزراء الاتحادي نوري المالكي:
1- تشكيل لجنة مشتركة لحسم قانون النفط والغاز على أساس الاتفاق السابق الذي ابرم في شباط 2007 بين الجانبين.
2- تعديل قانون موازنة العام 2013.
3- معالجة مشاكل قياديات عمليات دجلة ونينوى والجزيرة، حيث ستكون إدارة الملف الأمني في المناطق المتنازع عليها بشكل مشترك بين الإقليم وبغداد.
4- يعمل الجانبين للمصادقة على مشروع قانون ترسيم الحدود الادارية للمدن والمناطق والتي تم تغييرها في زمن النظام البائد ضمن سياسات التعريب وتخريب الأوضاع الأثنية والمذهبية، هذا المشروع الذي قدم من قبل فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني الى مجلس النواب.
5- ادارة ملف تأشيرات الدخول والمطارات بصورة مشتركة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.
6- ان تقوم الحكومة الاتحادية بتعويض ضحايا القصف الكيمياوي والمؤنفلين والانتفاضة الشعبانية والمرحلين الكورد الذين نزحوا الى دول الجوار.
7- لتعزيز التعاون وتبادل المعلومات سيتم تعيين ممثل لإقليم كوردستان في بغداد وممثل للحكومة الاتحادية في إقليم كوردستان.