مع تعقد الحياة، وتقدمها التكنولوجي، وارتباطنا أكثر فأكثر بالمادة، وبمخترعات العصر الحديث، ارتبطنا أكثر بجسدنا، وبمظهرنا الخارجي، وأصبحت شريحة الشباب مهووسة أكثر فأكثر بأجسادهم، وبمدى ملائمة مظهرهم الخارجي لما يسوق في الإعلانات من نماذج مصنعة بإتقان، ومع تغيير هذا النماذج بشكل متكرر، يبقى الكل رهن الجديد من هذه الصناعة.

وترتكز صناعة quot; ثقافة الجسد quot; على عدة أدوات، منها: إبراز نواح من الجسد في كلا الجنسين يُلَوحُ بها، واستعمالها كأداة جاذبة،سعيا إلى عرض أكثر وطلب أكبر، كما تقوم على الإنتاج السريع كي تبقى حركة السوق متفاعلة دون توقف.

وتعتمد هذه الصناعة لتسويق منتجاتها على إفراز نماذج quot; مسبقة الصنع quot;، من نجوم، ومشاهير، تسوق على أنها quot; الكمال المطلقquot; في مظهرها الجسدي، والمادي، مما يحفز الجمهور للدخول في سباق لاهث، وطويل في مقاربة هذه المنتجات، التي تتغير تباعا كلما اقترب أحد المتسابقين من بلوغ الهدف،وهكذا يصبح السباق دورانا في حلقة لا تنتهي.

ومما يقوي هذه الثقافة، أن عددا من الوظائف أصبح مرهونا بالحصول على درجات مرتفعة في الكمال الجسدي، والمظهر الخارجي، مما جعل فئة الشباب الباحثة عن الوظائف، تنفق كثيرا من الوقت والمال في الحصول على هذا quot; الشرطquot;، الذي كان سابقا هبة من الله، أما الآن فقد أصبح سلعة صناعية باهظة الثمن والتكاليف.

ولتحقيق هذا الهدف، يسعى الشباب إلى الخضوع إلى عملية تجميل واحدة، أو متلاحقة، وشراء ما يطرح في السوق يوميا من ألبسة، ومنتوجات، تعزز المظهر المادي، كي يرضوا سوق المشترين الذين تتغير أذواقهم تبعا لنجمهم، أو نجمتهم المفضلة، وبعد أن تنتهي quot; صلاحية quot; هذا المنتج الصناعي، يرمى في مستودعات الخردة.

وفي مقابل هذا الاهتمام قل التركيز على الجوانب الفاعلة في الأشخاص، من خبرات، ومعارف، ومهارات،حيث باتت هذه الأمور في المرتبة التي تلي الشكل، ومظهر الجسد، مما أضعف فاعلية المؤسسات، والوظائف، والأعمال.

إن انتشار هذه الثقافة هو في الحقيقة إعلان لموت جوهر الإنسان، وإماتة للقيم التي هي الحماية الحقيقية للمجتمع، والأداة الفاعلة في محاربة هذه الثقافة هي في تفعيل أداتي quot; التربية، والإعلام quot;.

إن الإنسان مرهون بإنتاجه لا بشكله، وهو يُطلب لقيمه لا لمظهره، وواجب المثقفين أن يكونوا رسل أمانة لنشر ثقافة العمل الصالح بغض النظر عن شكل الإنسان أو مظهره.