منذ عودة الحياة السياسية إلى الأردن بعد عام 1989 لم يشهد الأردن أي قرار سياسي مؤثر يعكس دوراً إيجابياً تجاه القضايا المهمة، بل على العكس من ذلك جاءت معاهدة السلام مع إسرائيل (الموقَّعة من المجلس النيابي الثاني عشر) كأحد أسوأ القرارات المصيرية التي يدفع الأردنيون ثمنها اليوم.
لا أستطيع أن أضع يدي على أي انجاز تقدّمي للمربع السياسي الأردني بكافة مكوناته: القصر والسلطات الثلاث. والانجازات التي يمكن الاشارة اليها ما هي إلا حصيلة جهود الأفراد ضمن سياق التطور البشري الطبيعي، وليست نتيجة لأي قرار سياسي حاسم. وأُعزي ذلك إلى غياب القيمة العليا المبنية على التضحية من أجل الشعب، لأن غاية السياسة هي تحقيق مصلحة الشعب، لكن الساسة الأردنيين وضعوا نصب أعينهم غاية بعيدة عن مصالح العامّة، وركّزوا على مصالحهم وتحقيق امتيازاتهم الشخصية. وإذا كانت السياسة الأردنية تبدو نشطة في الداخل والخارج فهي لا تعدو كونها فقاعه فارغة المضمون، كما أن ما نشهده من تحركات معارضة ليست إلا مشاكسات أصبحت نمطية ومألوفة للجميع.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من المفترض أن تكون النزاهة أمراً بديهياً لا جدال فيه، إلا أنها (إذا كانت فعلاً نزيهة) اعتُبرت في الاردن انجازاً وقيمة مضافة على الاجراءات الانتخابية وليست جزءاً متأصلاً منها، واصبحت الانتخابات بقانونها الحالي تمثل انجازاً مهماً للحكومة وتوجّهاً اصلاحياً رغم عدم نزاهة هذا القانون وعدم كفاءته، وتُظهر الاحصاءات أن أكثر من 70% من الأردنيين ضد هذا التوجّه، لأنهم دائماً كانوا يطالبون بتغيير القانون كأهم مطلب اصلاحي، لكن النظام الأردني قال أن القوانين الاصلاحية قد أُنجزت، وربط تأخر الاصلاحات بعدم كفاية النضوج السياسي بالإضافة الى الانتماءات العشائرية للأفراد، متناسياً أن الضعف السياسي والانتماءات الضيقة يعود سببها إلى أمرين هما: غياب التشريعات وتطبيقها، وغياب الأحزاب الحقيقية، وكلا الأمران يُنجزان ويُفعّلان بقرارات من النظام نفسه.
المفارقة أن النظام ينظر إلى هؤلاء الذين يتهمهم بتأخير الاصلاح على أنهم عامل أساسي في استقراره، ودائماً ما يُركِّز عليهم ليُسوِّق جميع قراراته ويُضفي عليها شرعية وهمية. فمعظم الذين انتَخَبوا هم من غير الناضجين سياسياً، وممن يُغلّبون النهج العشائري الطائفي.
بعد أن كان الطريق مفتوحاً ووجهات نظر القصر الملكي تتقارب (ولو ببطء) مع وجهات نظر الاصلاحيين، أصبح مجلس النواب الجديد حاجزاً يمنع أي تقارب، كما أنه سيكون لاحقاً سبباً في اضعاف شرعية النظام التي لطالما اعتُبِرت عاملاً أساسياً في ثباته. وقد اصبحت الفقاعة أكبر من أي وقت مضى؛ فمعظم أعضاء البرلمان الجديد هم من الناشئين سياسياً، ويفتقرون إلى التنوع الفكري والبرامجي، والأهم أنه لا يوجد بينهم معارضة تُذكر، وسَيَطلب الشعب منهم اصلاحات وتشريعات تفوق قدراتهم بكثير، أو قد تجبرهم الحكومة على الموافقة على قرارات مصيرية خطيرة لا يدركون عواقبها.
الأردنيون يريدون جيلاً جديداً من السياسيين الأكفاء القادرين على اتخاذ القرارات الحاسمة المفيدة. لكن تكرار الصورة نفسها للمجالس النيابية يجعل الناس في تساءل دائم: كيف سيكون شكل الحكومة القادمة؟ فإذا كانت برلمانية فإنها ستكون هشّة وغير ناضجة، وإذا شُكِّلت من خارج البرلمان فإن هذا بمثابة الرجوع خطوة إلى الوراء، وفي كلتا الحالتين يُؤذن هذا الأمر بانتفاخ الفقاعة ووصولها إلى حد الانفجار، ولذا سيكون المجلس النيابي الجديد قصير الأجل لأن المصلحين باتوا مُصرّين على نسق اصلاح واضح وبديهي، والأمور تسير عكس ذلك تماماً، مما يفتح توقعات وتكهنات واسعة بشأن المستقبل السياسي والاقتصادي في الأردن.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات