في مواجهة واقع الفشل و التردي و الإنحدار، وفي سبيل مقاومة التيار الشعبي الثوري العراقي الجارف الذي ينذر بإضمحلال وهروب قوى الطائفية و العنصرية والرجعية و العمالة وفي طليعتها حزب الدعوة وشركاه من أهل الولاء الإيراني المريض، لم تجد قطعان حزب الدعوة من وسيلة لرص الصفوف المنهارة ولدعم قياداتها الفاشلة سوى عبر اللجوء لصفحات التاريخ و إستحضار وقائع معينة يلوكون بها رؤاهم التعبانة على الدوام وكذلك إعتماد الإسقاطات الطائفية الموغلة في الخرافة والقدم بدلا من إنتهاج اساليب العصر الحديث في التنظيم وإدارة الصراعات، فقد أخرجت الحكومة العراقية تظاهرات شعبية مدفوعة الثمن ومدبرة سلطويا وبما يذكرنا بأساليب حزب البعث الذي كان في التعبئة و التحشيد القسري للجماهير عبر الضغوط المعروفة لدى جميع دول الإستبداد، فقد إعتبر الدعويون ضمن رؤاهم المريضة و القاصرة بأن المطالبات الشعبية في العدالة ورفع الحيف عن الجماهير سنية كانت أم شيعية ليست سوى حرب طائفية أدارها الإرهابيون و نظمها البعثيون و الإخوان المسلمون وقام بتفعيلها الوهابيون!! وجميع تلكم التصورات الميتافيزيقية ليست سوى خرافة لا اصل لها ولا فصل سوى عبر القصور الفكري و الآيديولوجي للأحزاب الطائفية العراقية الحاكمة المسكونة بامراض الطائفية وهواجسها، لقد رفع المتظاهرون و المنتفضون شعارات ثورية حسينية خالدة، وأنضم إليهم جمع لا يستهان به من المؤمنين الشيعة من جنوب العراق وهم الشيعة العراقيون العرب المخلصين لمباديء اهل بيت النبوة الكرام سلام الله عليهم، و المتسامين على الطائفية و التفرقة، فالهم الوطني واحد وهدف المنتفضين ليس هدفا إقليميا ولا عشائريا و لا طائفيا بل أنه هدف وطني شامل يتمثل في الإصلاح وفي ضرورة إخراج العراق من عثرته وفي محاسبة ومحاكمة وطرد كل اللصوص وشذاذ الآفاق الذين تكالبوا عليه ونهبوه و احالوه هشيما وجعلوه مسخرة بين امم الأرض الحية، حزب الدعوة وقيادته التعبانة لم تجد من وسيلة للرد على مطالب الأحرار سوى إستحضار تاريخ العصر الأموي ووصف المنتفضين بكونهم من ( بني امية )!!! كما أسبغوا على سيدهم وقائدهم نوري المالكي لقب ( مختار العصر ) نسبة للمختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي قاد جموع الكوفيين و اقتص من قتلة الإمام الحسين في كربلاء و أبادهم قبل ان يلقى مصرعه هو الآخر في حربه مع جيش مصعب بن الزبير في تلك الفترة الحرجة و الحساسة من تاريخ العصر الإسلامي الأول!، و السؤال هو ماعلاقة المنتفضين بمختار العصر و الزمان نوري باشا؟ وهل ان المنتفضين هم من قتلة الإمام الحسين؟ ولماذا تحوير الصراع نحو نهايات بشعة وغبية؟ وغير مطلوبة اصلا وتثير حساسيات وفتن طائفية بعيدة كل البعد عن نهج احرار العراق وهم يصارعون البلوى من اجل عراق افضل، ووطن يتمتع فيه المواطن بحريته وثورته، ولماذا رفع أصابع الإتهام الدائم لكل رافض لأساليب السلطة الحالية بكونه بعثي؟ وهل يمتلك البعثيون فعلا سلطة تحريك جموع الجماهير وقيادة الإنتفاضات و الإعتصامات و إدارة العصيان المدني!! إن السلطة العراقية لقصورها الفكري قد أعطت للبعثيين ومن هم على شاكلتهم مساحات أكبر بكثير مما يستحقونه فعلا؟ لقد مرت عشرة أعوام كاملة على إنهيار دولة ونظام البعث، واعدم قادته، وتشتت عناصره في مشارق الأرض ومغاربها، فعن أي خطر بعثي يتحدثون بعد ذلك؟ اليس في ذلك مهزلة، ثم لماذا لا تمتلك السلطة من ادوات الصراع سوى تلك الأداة البائسة وهي الطائفية الرثة و إغراق الشارع العراقي المشوش اصلا بإيحاءات طائفية خطرة هي في حقيقتها الوقود الأولي اللازم لإشعال حرب اهلية وطائفية مقيتة و تشكيك رهيب بمكون أساسي ورئيسي ومخلص من مكونات العراق، المنتفضون و المعتصمون لا ترهبهم تلك الأساليب، ولكنهم يشفقون على العقليات الرثة التي تدير الدولة بمفاهيم عصر الفتنة الكبرى التي انقضت ايامها، لربما يكون العراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال تعاني من صراعات نشبت و انتهت منذ أربعة عشر قرنا من الزمان!!، والسبب يتمثل في كون الأحزاب والجماعات السياسية المهيمنة على السلطة لا تحمل فكرا حداثيا متطورا بل فكرا ماضويا موغلا في الفتنة و الخرافة، لذلك فقد فشلت في بناء و إدارة الدولة الحديثة، وكان لزاما على أهل أحزاب السلطة العودة بعربة الزمن للماضي السحيق للمشاركة في حروب الجمل وصفين ودير الجماجم وعين الوردة..! مختار الزمان وقائد العصر الهمام هو اليوم في حيص بيص حقيقي... فقد حانت لحظة الحقيقة في العراق، والثورة مستمرة ولا تراجع أبدا... وهذا( الميدان يا حميدان )!

[email protected]