يبدو أن حكم الفئة الطائفية الباغية الفاشلة في العراق وبعد أن هزت صروحه، وزعزعت اساساته واعمدته صرخات الجماهير العراقية الحرة المطالبة بحمل عصاهم والرحيل بعيدا، هي اليوم بصدد تنفيذ سيناريو قمعي وإرهابي جديد مع صدور تحذيرات أمنية تتهم بعض جماعات الغلو و الخرافة و التطرف بالإستعداد لحملة إغتيالات ناشطة ستتم في العشر الأواخر من شهر رمضان القادم ضد مسؤولين أمنيين في محافظة الناصرية جنوب العراق!! و المقصود جماعة المدعو ( محمد بن الحسن اليماني )!، وهي جماعة مهدوية يدعي صاحبها بأنه رسول من رسل الإمام المهدي المنتظر!! و إنه يمهد الساحة و يعبد الطريق لعودة الإمام الغائب!، وهي الفكرة الرئيسية و الجوهرية التي تمثل الأولوية في فكر أحزاب السلطة العراقية الراهنة!، وقضية المهدي و عودته و توقيتها أخذت حيزا كبيرا من الزمن و الجهد العراقي وتشعبت في خلايا و تلافيف الطبقات الشعبية الفقيرة و الأمية التي تبحث عن الخلاص باي وسيلة ممكنة، فكيف إذا تم توظيف الدين و المذهب لخدمة ذلك الهدف في ظل الروايات المتعددة و أغلبها خرافي وعبر التاريخ و ليس في المرحلة الراهنة وفي مختلف دول العالم الإسلامي، ففي اليمن و مصر ظهر مهدويون وفي المغرب ظهر في شرق البلاد ( وجدة ) من يدعي إنه المهدي المنتظر وهو يقيم اليوم سعيدا في السجن! وغيرهم العديد من الحالات كان إبرزها ما حصل في الحرم المكي أواخر عام 1979 في قضية ( جهيمان العتيبي ) ومهديه المنتظر ( محمد عبد الله القحطاني ) وغير ذلك الكثير، ولكن في العراق البلد الذي كان منذ الربع الأول من القرن العشرين المنصرم مصنعا للكفاءات و العلماء و الأدباء و الباحثين و الرواد في مختلف العلوم تحول اليوم وبعد الإحتلال الأمريكي المبين لسوق رائجة لمختلف سلع و بضاعات التخلف و العدمية، ومركزا متقدما للروايات الخرافية المشتقة من الإسرائيليات التي غزت الفكر الإسلامي للأسف، وحرفت كل المعاني الجميلة و الراقية و الحضارية للفكر الإسلامي الحق و الصحيح البعيد عن الخرافة و الملتزم بثوابت العقيدة الصحيحة، ولعل الجميع يتذكر ماحصل من مجازر شنيعة عام 2008 في محيط مدينة النجف بعد المعارك مع جماعة غامضة كان يقودها شخص يدعى ( ضياء الكرعاوي ) عرفت بإسم ( جند السماء ) وهي إحدى الجماعات المهدوية التي تم إتهامها بنواياها لقتل مراجع الشيعة الكبار! كتمهيد لظهور المهدي المنتظر!! وفعلا حدثت معارك شرسة كان نتيجتها إبادة العشرات بل المئات من المواطنين في بلدة ( الزركة ) على أطراف النجف وفي عملية غامضة شارك فيها الطيران الأمريكي وقتل أكثر من 650 إنسان عراقي بينهم نساء و أطفال و لم تتضح أبعادها الحقيقية و معالمها الواضحة حتى اليوم، فمهرجان الدماء العراقية المجانية المسفوكة أصبح ظاهرة معاشة! والطريف إن تلكم الجماعات بفكرها المغالي أخذت تستقطب حتى ضباط المخابرات المكلفين بمراقبتها و تجندها لصالحها!، وظهور و تنامي و إزدهار سوق تلكم الجماعات هو بمثابة تعبير عن حالة اليأس و الإحباط التي تعيشها الغالبية الفقيرة المعدمة من الجماهير الشيعية العراقية التي تهرب من واقعها الحياتي المر و العامر بالإحباط لعوالم خيالية، فقبل أيام أقدمت سيدة في قضاء الغراف جنوبي العراق على الإنتحار بعد أن قتلت أطفالها الثلاث!! بسبب صعوبة الحياة و مآسيها!! وطبعا تحصل تلك الفواجع الإجتماعية المريعة في واحد من أغنى بلدان الشرق الأوسط إفتراضيا! وفي بلد بلغت ميزانيته أكثر من 120 مليار دولار!!... فكيف لا يزدهر سوق الخرافة و الدجل بعد ذلك؟، ثم أن السلطة العراقية وكلما حاولت الخروج من أزمة إختلقتها خلقت معارك بعضها وهمي من أجل إعطاء إنطباع للرأي العام العراقي بأن هنالك تحديات امنية تواجهها!، ومن الجدير بالذكر إن السلطة تبث دعايات مهدوية أيضا حول جماعة السيد محمود الصرخي الناشطة في بعض مدن الجنوب العراقي و المشتبكة مع احزاب السلطة في صراع طويل ودموي ايضا، وفي ظل الواقع الراهن وحيث ينتفض الشارع العراقي بسنته وشيعته ضد مساويء وفشل و ظلم حكومة ما يسمى بدولة القانون، وهي وثبة شعبية و إنتفاضة عارمة ستكون لها تداعيات وخيمة على مستقبل السلطة بل وعلى مجمل العملية السياسية الكسيحة التي فشلت في تعزيز السلم الأهلي وفي إرساء الديمقراطية الحقيقية، فإن السلطة أحوج ماتكون اليوم لإفتعال معركة ولو ضمن تصنيف الضد النوعي! أي ان توجه ضربات لبعض القوى الشيعية البعيدة عن مسارات السلطة وتحالفاتها لكي تكتسب مصداقية مزيفة، ولكن الجماهير أذكى كثيرا من تلك الأساليب القديمة و الواهية و المنتهية الصلاحية، وفي ظل التخبط و الفشل المتنقل و الدائم فإن سوق الخرافة و الدجل باتت هي الرائجة في عراق اليوم، فماذا نتوقع من بلد يضم حاليا أكثر من ستة ملايين أمي ن بينما كان في السابق وحتى عام 1980 قد تمكن من محاصرة الأمية و القضاء عليها!!، لا نستغرب فالتراجع و الإنحدار ذو طبيعة تراكمية رثة، ومهرجانات الخرافة وصراعاتها هي الهوية الجديدة لعراق حزب الدعوة وشركاه!!.. وتلك هي المسألة....
- آخر تحديث :
التعليقات