كلمات رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال في مؤتمره الصحفي في العاصمة يوم 21 يناير/كانون الثاني، جاءت مناسبة أعتذار خجولة على هجوم الجيش الجزائري على الأرهابيين في عملية أودت بمقتل العديد من الرهائن، مع أنه شدّدَ على أنه بأتخاذه ذلك القرار منع وقوع كارثة حقيقية بإنقاذ منشأة حقل الغاز في إن أميناس من التفجير. فالحصيلة النهائية كامن مقتل 32 أرهابياً من تنظيم القاعدة الهجوم، جاء بعضهم من شمال مالي وحدّد رئيس الوزارء بلا مماطلة أو تردد هوية قائدهم الجزائري مختار بلمختار احد مؤسسي تنظيم القاعدة، كتيبة quot;الموقعون بالدم quot; في بلاد المغرب الاسلامي.
هناك أشارات من مصادر أمنية عديدة بأن الجزائر وشرفاء قومها لن يسمحوا لفلول تنظيم القاعدة من بناء قاعدة لهذه الزمرة بأسم الأسلام، ولن تسمح بتقريب عناصرها من مراكز حكومية في الدولة كما يحدث اليوم في العراق. وماحدث في الجزائر بمقتل رهائن عرب وأجانب سيُعيد تقييم دول عربية بالتوجهات التخريبية العاملة داخل بلدانها بأسم الدين.
فهل سيستفيد العراق من التجربة الجزائرية في تفكيك تنظيم القاعدة فرع العراق؟
أكثر من وكالة أمنية حذرت حكومة بغداد من أن القاعدة ما زالت تشكل التهديد والخطر الأول على أمن العراق.
التكاليف وخسائر المنشأت المالية في محطات أنابيب النفط التي سببتها الأعمال التخريبية لتنظيم القاعدة في العراق من عام 2003 الى عام 2012، غير منشورة وأرقامها المالية غير معروفة الى الآن. هذه التكاليف الباهضة لا تتعدى حدود مناقشة المجلس النيابي لها والتصريح بها. وهي تتم وتكتمل بنفس طريقة التصريح السابقة للأموال المجمدة والمفقودة والمسروقة الأخرى وتنتهي بالأشارة لها أعلامياً وينتهي واجب المسؤولية بهذا القدر.
وبأنسحاب القوات الأمريكية من العراق في نوفمبر ndash; تشرين الثاني 2011، رجعت بعض رموز القاعدة الى بعض المحافظات العراقية في جبال حمرين وشمال وغرب بغداد ومحافظات في الوسط والجنوب حيث تمارس نشاطها اليومي بالتفجيرات الأرهابية التي تقع بمعدلات تثير شرفاء العراق، ولاتُحرك الحكومة لها ساكناً، بفعل الأزمة المستمرة التي أفتعلها قادة القائمة العراقية الحزبية العشائرية، توسعَ نفوذ القاعدة وتسللَ مجرموها من جديد الى مزارع ومضايف و قرى ومدن وهيأت لهم أحزاب عراقية مكاناً وأمتزجت مطاليبهم بالأصلاحات مع مطاليب شرفاء العراق.
ويحز في القلب أن شرفاء العراق لم ينتبهوا الى الغرض من مطالبة، الهاشمي سابقاً و صالح المطلك نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات حالياً وثمانية وزراء في حكومة نوري المالكي ويشغلون وزارات المالية والكهرباء والصناعة والمعادن والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والتربية والاتصالات ووزارة الدولة لشؤون المحافظات، في صب جلّ أهتمامهم على أطلاق معتقلين تسببوا في قتل العراقيين بالمفخخات وأحزمة التفجير اليومية والتصريح نصاً بأن القائمة العراقية (لن تتنازل أو تساوم عن أي مطلب شرعي من مطالب المتظاهرين التي يراها المطلك quot; بمثابة حقوق مسلوبة منهمquot;.
الحقوق المسلوبة؟ أستخدام لغوي بارع وأعتذار لزمر الأرهاب وأهدافها. أخطر مافيه المطالبة بأطلاق سراح القتلة من تنظيم تحاربه جميع الدول بقوانين مكافحة الأرهاب عل العكس من العراق حيث يُرعى التنظيم الأرهابي على شكل صيغ ومطالبات في أجتماعات سرية تحاك فيها الدسائس على أبناء بلدنا بطرق التمويه التي تُمرر وتعبر العقول دون ملاحظة من شرفاء العراق.
كشف َ أحد أعضاء القائمة العراقية من مصادره المقربة عن أصابته بالدهشة وخيبة الأمل للتصريح الذي أدلت فيه القائمة العراقية في ختام اجتماع لقيادتها في بيان صحافي تسلمته quot;ايلافquot; أن اللجنة الخماسية وخلال اربع جلسات عمل لم تستطع الوصول إلى رؤية مشتركة حول مسودة قوانين العفو العام والمساءلة والعدالة، وقانون الإرهاب والمخبر السري، وقرار 88 وقرار 76 المتعلقين بالأملاك المحجوزة، وبما يتناسب مع حجم الظلم الذي وقع على أبناء الشعب العراقي بسبب المواقف المتصلبة لبعض أطراف التحالف الوطني quot;.
وأزاح المصدر اللثام بعدم وجود أي لجنة خماسية أو أُحادية، وأن مايطلق عليه جلسات عمل لها تسمية أخرى مخجلة، وبدلاً من أتخاذ مشروع قرار العفو العام وأطلاق عناصر القاعدة للأستمرار في أعمال التفجيرات اليومية كان الأجدر أسناد قانون مكافحة الأرهاب في هذه الجلسات (التي لاعلم لأحد بأجتماعاتها ومكان عقدها) كما هو مشار أليها ولايعرف من هم أعضائها لأنسحاب الكثير من العلمانيين واليساريين وأساتذة الجامعات وأشراف العراق من أجتماعات العراقية لأنحيازها الى جانب التنظيمات الارهابية ورعاية أعضائها وأهدافها ونية قلب الأزمات بالأنقلاب على السلطة في النهاية.
معظم هيئات المجتمع العراقي الصامته لاتظن أن خروج أوغاد تنظيم القاعدة من المعتقلات صيغة أنسانية صحيحة تسهم في أستقرار العراق؟ قذارة أيدي القتلة من تنظيم القاعدة في العراق والتظاهر بأنهم أبرياء خطوة ستزيد من أعمال الأرهاب. ولا أظن أن أنسان واعي يعتقد أن أخراج أكثر 1900 معتقل متهم و أطلاق سراحهم الذي يتم تحت الضغط والأبتزاز والتهديد سيقود العراق وشعبه الى بر الأمان. البلد الذي أحتضن تنظيم القاعدة وتخريبها اليومي بعد عام 2003، ورفع البعض من شأن أعضائها ومموليها وأدخلوا عناصرها المريضة للقتل والتحريض على الفتنة والتخريب العام، ماتزال لها الشأن والقيمة والترحيب الذي يشاهده العراقيون بممارسات من هم في الحكومة وأعضاء في مجلس النواب. وتتشابه مواقفهم وخطابات عزة الدوري والمختبئين ورائه في المطالبة برفع تهم القتل عن القتلة المعتقلين في السجون العراقية وأطلاق سراحهم وتبرأتهم بقوانين العفو العام وطرق الضغط والأبتزاز والتهديد. ففي حكم المافيا يختفي الشهود ويسكت الشرفاء خوفاً وتذمراً رغم أن أكثر من وكالة أمنية حذرت حكومة بغداد من أن القاعدة ما زالت تشكل التهديد الأكبر وضرورة المتابعة الجادة لعناصر تنظيم العراق وفق قانون الأرهاب لتقييد حركة الأرهابيين وتنقلاتهم.
هل أنتهى حصاد زمرالمخربين وفرزهم عن الأبرياء وأستحقت العدالة أطلاق سراحهم؟ لابد وأن السيد صالح المطلك لديه المعرفة بنواياهم الانسانية ونيته الملحة في أخراجهم من المعتقلات بالعفو العام دون الحاجة للرجوع الى السلطة القضائية أو التشريعية.
رئيس مجلس نواب في السلطة السياسية السيد أسامة النُجيفي وهو منتخب ومن العراقية أيضاً، وله صلاحية أستجواب اي وزير. ألم يحن الوقت للسيد النجيفي أستدعاء السيد صالح المطلك والوزراء الثمانية ومعرفة كيفية قيامهم quot; بتصريف أعمال وزاراتهم الخدمية quot; دون تواجدهم فيها وبأنضمامهم الى المحتجين والمتظاهرين وكأنهم يشكلون جبهة معارضة شعبية داخل معارضة حكومية !!
شرفاء العراق الذين بدأوا بالأنسحاب من العملية السياسية بهدوء لايفهمون ولايعرفون كيف توصل السيد صالح المطلك كنائب لرئيس الوزراء لشؤون الخدمات ولجنته الحزبية الموقرة بأعلاء صوته وأهتمامه بتقديم الخدمات وتيسيرها لمعتقلين متهمين بتهم قتل العراقيين وثقته ببرائتهم وهو ليس في أي لجنة تحقيقية. أَلا يستحق أهل العراق معرفة قاتليهم؟
لم يكن الطريق طويلاً للأنتقال من الحقبة الزمنية لفهم عقلية البعث وأنقلاباته على أشراف أهل العراق منذ عام 1963، وتثقيف المجتمع بثقافة التصادم والصراع والقتال والحروب وتجريد الخصوم وتصفيتهم، ثم الأنتقال المؤلم لبعضهم الى العقلية العشائرية، مخالفين شرفاء العراق في العقل والمنطق ومبدأ quot;العفو عند المقدرة quot; كأحدى طرق الأصلاح والتسامح، فأرتكبوا بعد أطلاق سراحهم أبشع الجرائم بحق أبرياء العراق: شيوخهم ونساءهم وأزواجهم وشبابهم وحادوهم عن طريق التقدم الحضاري بالحروب العبثية والعنصرية.
عشائر العراق عنصر عضوي هام في أستقرار العراق والأهتمام بمستقبل أبنائهم له جانب مهم معول عليه ولكن هذه العشائر كالمراجع الدينية لها دور معنوي أسنادي لقيم وتقاليد المجتمع وأحترام الدولة وأراضيها، كما أن لها دور تعبوي أخلاقي في أسناد قوات الجيش والشرطة والأمن وحرس الحدود وليس بديلا لها.
والمُلفت للنظر هو أنه في الوقت الذي يُقرّب العراق التنظيم التخربي للقاعدة ويسهم في تعضيده وأنتقاء أهداف التفجير اليومي له، يبتعدُ أشراف العرب بكرامة وقناعة جديدة مبدين أشمئزازهم من أبتزاز شيوخ وأمراء مفترضين يروجون للكراهية التي جلبوها الى الأسلام في دولهم و تبرز في كراهية المجتمعات المتحضرة.
شعارات وخطابات وأصوات الأبتزاز تعود اليوم من جديد بصيغ كلامية ذات رونق وتعطي فيه أوباش القرن الحادي والعشرين حقوق قانونية ينالون فيها حرياتهم ويسمح بموجبها أطلاق سراحهم من المعتقلات دون محاسبة، ونجاحاً وفخراً بما أرتكبوه من دمار، وتقدم لهم الذريعة بمباركة من جهات عراقية لمعاودة اقتراف الجرائم وأستمرار قتالهم في العراق ودول أخرى. أصبح التهديد بالقتل وأخذ رهائن السبيل لنيل حريات الأوباش وأخراجهم من السجون وأصبح الأبتزاز بقتل الأنسان أو أخذه رهينة عربية أو أجنبية، الطريق الذي عجزت الحكومات العراقية أزالته، وعالجته الجزائر بمنعها وحسمها للعمل الأرهابي خلال 72 ساعة في منشأة حقل الغاز في إن أميناس. أنه أمر يقودنا الى لأعتقاد بأن طريق العدالة والحرية الأجتماعية وفهمها مدنياً وحضارياً بين ساسة العراق سيكون طريقاً شاقاً وطويلاً.
باحث وكاتب سياسي
التعليقات