الرسالات السماوية وعبقها الروحي وموضوعها الفكري الأجتماعي الأخلاقي والأنساني لاتموت بدليل ديمومتها منذ نزول كتب تعاليمها على الأنسان ووصاياها له.
الوصايا العشرة ووصايا المسيح والرسول العظيم خاتم الأنبياء تتوحد في غرضها وتوحد توجهنا وتُعلّمنا في رسالاتها quot;أن من لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناسquot; كمراقب للأحداث السياسية في عالمنا العربي،فأني أُميّز تماماً بين رسالة الأسلام للبشرية ورسالة البعث وكراهيتها وعنصريتها للبشرية.

تطلعتُ مؤخراً على نص الرسالة التي بعثها الدكتور خضير المرشدي ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي و مسؤول مكتب العلاقات الخارجية للحزب فرع العراق الى رئاسة وأعضاء الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي للحزب المنعقد في اليمن يوم 16 و 17 كانون الثاني يناير 2013 ويعتذر فيها عن الحضور ويقول فيها أنه ((تم اعتقاله من قبل السلطات اللبنانية، وذلك تنفيذا لمذكرة اعتقال صادرة بحقه من قبل حكومة بغداد استنادا لما يسمى quot; قانون مكافحة الإرهاب quot;، وما يسمى قانون quot; المسائلة والعدالة quot; والذي هو امتداد لقانون اجتثاث البعث الصهيوني سيء الصيت،)). وأنقل هنا نصاً قصيراً آخراً من نصها الخطابي الطويل لأهمية أطلاع جماهيرنا على فكر الرجل وآخرين ممن يناصرون هذه الفئة من القتلة، وللأسف، وجدت نفسي وكأني أقرأ رسالة حزبية شوفينية تشم منها رائحة الكراهية لكل عربي مُسلم لايمثل البعث كما كانت رسائل وتعليمات البعث في سبعينات القرن الماضي بتحريض الشارع على ممارسة أعمال القتل.

في رسالته التي لاتختلف في محتوياتها عن رسالة أي مجرم قاتل عبثَ بتاريخ العراق وساهم في قتل أبنائه، يشير الدكتور خضير المرشدي الى مذكرة الأنتربول الدولية لأعتقاله كمجرم حرب ويقول (وهذا يأتي في اطار محاولة بائسة وخائبة من هذه العصابة العميلة التي تحكم بغداد لاسكات صوت الحق، صوت المناضلين والمقاومين للاحتلال ومشروعه الصهيوني - الفارسي في العراق والمنطقة، ومتوهمين بان الدول والشعوب خاضعة لمشيئتهم ورغباتهم المريضة، متناسين ان احرار العرب والعالم يعرفونهم جيدا بانهم خدم اذلاء منفذين لأوامر أسيادهم من أمريكان وصهاينة وفرس صفويين، ونسوا او تناسوا هؤلاء الجواسيس في حكومة الاحتلال ان الأحرار في الدول العربية والأجنبية على المستوى الرسمي والشعبي يستنكرون أفعال هؤلاء الجواسيس ويستنكفون التعامل معها لانها صادرة من سلطة احتلال باطلة شرعا وقانونا، وظنوا هؤلاء الخائبين ان المناضلين والمجاهدين يمكن ان يركعوا لغير لله العلي القدير، وليعلموا بيقين مطلق أنهم لن يتراجعوا عن موقفهم الوطني الثابت المقاوم للاحتلال ومشروعه ومخلفاته مهما طال الزمن ومهما غلت التضحيات والتحديات والصعوبات والتهديدات. وليعلم أيضاً هؤلاء العملاء الطارئين عن العراق وأهله، والطارئة على تاريخه ومجده، ان المناضل والمقاوم لايمكن ان يكون إرهابيا بل انه يقاوم الإرهاب ويدنيه ويستنكره ويقاتل ضده، لان هذا الإرهاب هو صناعة أسيادهم الأمريكان والصهاينة والفرس، تنفذه أيادي قذرة من ميليشيات وعصابات أحزابهم العميلة، وراح ضحيته الملايين من ابناء العراق بين قتيل وجريح، واستخدموا هذا القتل العشوائي ضد الابرياء للتشويش على المقاومة الوطنية الباسلة في عملية تزوير كبيرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا ).

أنني احترم أي رجل على ثبات مبادئه وثقافته العامة وأشارته الى الملايين من ضحايا الأرهاب في العراق والأشارة الى الفساد والفاسدين والسراق واللصوص وحصرهم والقصاص منهم. وأُقدر أي رجل حرصه على شعب العراق ومستقبل أجياله.

د. خضير المرشدي
ولكن ماذا نجد في رسالة الحث على القتل والكراهية هذه ؟ أنها كما قال أبن سينا quot; بُلينا بقوم يظنون أن الله لم يُهدِ سواهم quot;. أنه الحقد الأسود الذي أبتلينا فيه بمن جرَّ العراق وأيران خمينياً وصدامياً لحرب لم تبشر بها رسالة الأسلام ولم يقتنع بها أي عربي.

يتحدث الرجل الى نفسه وتاريخه الأجرامي الشوفيني خارج أطار المفهوم المحلي، القطري، والدولي اليوم، وفي عالم لايفمهه حتى رفاق البعث أنفسهم الذين أدانوا أرهاب البعث العراقي وأنقلبوا على تعاليمه التي تسيئ الى المعتقدات وتفتيته لوحدة العراق، بل وأقول أيضاً أن مثل هذه الرسالة الموجهة الى المسلمين المؤمنين لايفهمها حتى رئيسه ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث. مايحيرني برسائل تقليدية عنصرية من هذا النوع أن الرجل لابد وأنه يعرف في باطن عقله حقيقة دور رفاقه في القتل العشوائي والمقابر الجماعية ضد الأبرياء أستمرت لأكثر من خمسة عقود من الزمن، وتصفية الحزب لأعضائه الشيعة والسُنة والكرد، ناهيك عن التطرق الى ماقام به الحزب من مجازر بحق أكراد العراق قبل مجازر حلبجة وبعد حملة الأنفال. وأود أن اوضح للرجل المطلوب قضائياً للعدالة، أن رسالة البعث تتناقض مع رسالة الأسلام وأن البعث العشائري كان أول من نكل بقادته (العلمانيين من الشيعة والسنة) وبأوامر من القيادتين القطرية والقومية، وأن قيادات البعث المتبقية (عزة الدوري والأحمد ) لم تُندد الى حد اليوم بالجرائم اللاأنسانية بحق عرب العراق وأكراده ولم تندد أو تعترف بالمقابر الجماعية وشوفينية وعنصرية النظام التي شجبت مأسيها كل المنظمات الدولية والتي ( لم يشهد لها التاريخ مثيلاً )، فقرة أستعيرها منه مادام يفهم مضمونها. أما بخصوص أجتماعات الأمانة العامة للحزب في صنعاء، فأن اليمن ودول عربية عديدة تلتمس وتناشد المجتمع الدولي والولايات المتحدة بالذات للتخلص من زمر البعث والقاعدة وأجرامهما وأتحادهما الشيطاني تجنيد الأميين والجهلة للجهاد في أرض الحضارات، وهو مايطلق عليه الدكتور المرشدي( المقاومة الوطنية الباسلة ضد الأمريكان والصهاينة والفرس ).

أريد أن أفترض جدلاً وتسليماً بأن الرجل يحمل شهادة أكاديمية حسب توقيعه، وأريد أن أفترض بأنه يؤمن بأنضباطية الحزب وحيثياته المنشورة في أستقطاب الجماهير العربية ولكن بحق الله، من رشحك ومن أنتخبك لتكون ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي ومسؤول العلاقات الخارجية وأنت هارب عن وجه العدالة ؟ لاأريد أن أحكم بسرعة على حكمك على العراقيين بأنهم (صفويون، عملاء الصهيونية، عملاء الفرس، وعملاء أمريكا ألخ.....)، لأن توصيفك لأهل العراق بكلمات جوفاء كهذه لايدل على رُشدكَ الحزبي ونموك الثقافي في فهم جذور الصفوية وأصل علمائها، ولاتفهم من باع أرض فلسطين من عملاء الصهيونية العرب وأصلهم، وتتعمد أن تكون الأطرش الأعمى لمعرفة مواقع القواعد الأمريكية المنتشرة في العالم العربي، ولاتريد أن تقرأ بدقة الجغرافيا السياسية للوطن العربي ومعرفة حماة العلم الأسرائيلي ممن يقدمون مصالحها ومصالح أمريكا على مصالح العرب الاساسية. ويبدو أنك لاتُفرق بين المعارضة العراقية الشريفة ووقوفها ضد الفساد والسرقات المتوارثة وبين دعوتك الجاهزة للتخريب والصراع والحروب ودعوة من تراهم (المقاومة الوطنية الأسلامية الباسلة ) للأستمرار فيها.

وتأتي رسالتك الى المقاومة الباسلة البائسة خلال نفس الفترة الزمنية لزيارة وزير الدفاع الأمريكي الى تركيا للتباحث مع الأتراك عن الطريقة الأستراتيجية المثلى لنصب صواريخ باتريت الأمريكية قرب الحدود السورية والعراقية، وليس في أيران (الصفوية العميلة لأمريكا ). أما كيف فاتت على الدكتور خضير المرشدي هذه المعلومات العامة البسيطة وعدم الحديث عن مخاطرها وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية للحزب ؟ فلا أمل لنا في الحصول على جواب رجولي.

أني أستطيع القول بأن كل سياسي جنده حزب البعث وأراد ربط رسالته برسالة الأسلام السامية الخالدة كان خائباً، وكل من جنده البعث لايعلم حتى لو أعدنا وكررنا الأعادة بأننا لانريد أن تكون صفة سياستنا الدخول في حرب أقليمية مع أي دولة جارة حتى لو رفعت في بلدانها الأعلام الأسرائيلية بأختيارها، ولن تكون صفة سياسة العراق الجديدة صراع قومي مذهبي عنصري، ولاتهمنا من يعتقد بولاية الفقيه أو ولاية الشيطان، ولاتهمنا الفتاوى والتخرصات لدول الأسلام السياسي والسلفية وأحزاب الأخوان المسلمين وتشريعاتهم الوثنية.

أني أستطيع أن أقول أن كل سياسي جنده حزب البعث له قصة وحكاية أجرامية منذ (1963-2003) ومابعدها، ومن الخبث والعبث والمرض الأجتماعي والديني أن يحاول بعضهم اليوم أرجاع رسالة الشيطان البعثية الى رسالة النبي محمد (ص)، الرسول العظيم أو الأولياء من بعده. أنه السلاح الذي أعطى هذه المجموعة موقعاً في العالم العربي وجرِّ شعوبها الى حروب وحروب مع أخوتنا في العروبة والأسلام. ولم ينفع تنديد الأزهر وقم والنجف ومكة والمدينة المنورة بهذه الأفعى الخبيثة وزمرها التي تسلحت بأقتباس أقوال القرآن الكريم لأثبات صلاحيتها وأيمانها، وتستخدمهم الأنظمة الجائرة لحماية عروشها.

باحث وكاتب عراقي