الكون الكلي 9



المعرفة غير محدودة وتتكون من مجموعة من النظريات والفرضيات والطروحات والتفسيرات تبدو بعضها متناقضة مع البعض الآخر أو مكملة بعضها للبعض الآخر أو مواصلة لما تنتهي بعضها وتبتدئ أخرى لتكملة المشوار، المهم هو الابتعاد عن العقلية الخرافية والتأمل والنظر بعقلية حرة مستقلة عقلانية وعلمية، حيث علينا أن نعرف علمياً مما يتكون الكون ومتى تكون ولماذا وكيف، وعلينا أن نعرف أننا نتحدث عن كوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه ونعيش فيه، وهو في حقيقة الأمر ليس سوى جسيم صغير هو أصغر من أصغر ذرة رمل من مجموع ذرات الرمل الموجودة على اليابسة في الأرض، أي إنه كون من ضمن عدد لامتناهي من الجسيمات ـ الأكوان على صعيد أو في مستوى اللامتناهي في الكبر، وهناك كذلك عدد من الأكوان ـ الذرات أو الجسيمات في المستوى ما دون الذري حيث تتجمع أو تتفاعل المكونات الأولية للجسيمات البدئية التي شكلت المادة وكل جسيم في مستوى مكان وزمان أو طول بلانك اللامتناهي في الصغر. إنه جسيم ـ كون هو عبارة عن معلومة حاسوبية تختزن ذاكرته كون كامل ومستعد للانفجار العظيم البيغ بانغ لتكوين كون جديد لامتناهي في الكبر والسعة الذي يشكل الكون المطلق الواعي والذكي والحي تجليه الأوضح، رغم استحالة إدراكه أو تصوره واستيعابه، وهذا الكيان اللامتناهي الذي أسميته بالكون ـ الإله أو الكون الكلي الواعي والعاقل والحي، الذي ليس له بداية ولا نهاية ولا حدود، وهو الذي يمكن أن نسميه الله أي الكون ـ الإله المطلق الوحيد وما عداه نسبي. أما كوننا المرئي فهو لاشيء، ونحن في الكون المرئي ليس لنا وجود وأهمية تذكر فأرضنا كوكب بسيط عادي مبتذل جاءت إليه أقوام فضائية متطورة جداً تتقدم علينا بحوالي 60 مليون سنة من بينهم الإلوهيم الذين أشار إليهم التوارة، وغيرت تلك الأقوام المتطورة كل شيء في كوكب الأرض ووفرت له غلاف جوي وبيئة صالحة للحياة لأنه يقع في المسافة القابلة للحياة بالنسبة لشمسه التي يتلقى منها الطاقة وخلقوا الكائنات الحية فيه على صور متنوعة ومختلفة الأنواع والأشكال من أجل التوازن البيئي ثم قاموا بخطوة خطيرة عندما قرروا تطوير دماغ إحدى الكائنات من أعلى سلسلة من القرود التي انتصبت على قديمها بفعل قوانين الانتخاب الطبيعي ونظرية التطور الداروينية ولقحوه بجيناتهم لكي ينمو فيه وعي أعلى بكثير من وعي باقي الكائنات مما ساعده على النطق واختراع الكلام والكتابة والتفكير والتأمل والرقي التقني وصناعة الآلات وتدجين الطبيعة والحيوانات والسيطرة على الزراعة والطاقة والنار والماء واستمر الكائن البشري الهجين في التطور إلى أن وصل إلى عصرنا الالكتروني الحالي وغزو الفضاء وسيقوم الجنس البشري بنفس الدور الذي قامت به تلك الأقوام الفضائية حيث سيكتشف كواكب قاحلة لكنها قابلة للحياة وسيستعمرها وسوف تعتبره الأقوام البدائية هناك إذا عثر عليها في إحداها، بأنه إله مثل ما اعتبرنا نحن مطورينا كآلهة لنا والأنبياء ليسوا سوى مجرد مفكرين مصلحين أنيطت بهم مهمة إدارة مجتمعاتهم عبر سلسلة من القيم الاخلاقية والاجتماعية والمحرمات والممنوعات من أجل الردع والتخويف بعقاب إلهي رهيب هذا باختصار شديد هو الواقع الحقيقي واللوحة التي رسمتها لنا الكائنات الفضائية الذكية التي فضلت مراقبتنا عن بعد حتى لا يدب فينا الرعب والخوف من المجهول والإبادة وهناك آلاف الكتب والمصادر التي تشير وتدل على ذلك لامجال لذكرها هنا. لنعد إلى مقاربتنا العلمية المتواضعة الحالية ونبدأ بالسؤال الوجودي التقليدي والفلسفي لماذا يوجد الكون؟ يصمت العلم عن الإجابة لأن المقاربة العلمية إزاء هذا التساؤل الوجودي عاجزة عن تقديم الإجابة القاطعة وبالتالي لابد من مقاربة تجريدية إن لم نقل ميتافيزيقية. هذا ما كان يعتقده العديد من الباحثين والعلماء في مجال الكوزمولوجيا أو علم الكون la cosmologie. بيد أنه ظهرت في السنوات الأخيرة مقاربة جديدة، تستند لأطروحة الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز التي طرحها في القرن السابع عشر، والتي تأتي في نفس سياق التساؤلات الجوهرية الكبرى بشأن الكون والوجود، والتي تمس جوهر الأشياء ومعناها، بمعنى الجانب الخفي للوجود، بشقيه المادي واللامادي، وعلى رأسها هل هناك بداية ما لكل شيء؟

الكون المعلومة الحاسوبية : المعلومة الافتراضية تسبق الوجود المادي للكون المرئي:
تناول لايبنز Leibniz لغز البداية والأصل في حين تجنب الكثير من الباحثين التعاطي مع الـrdquo; لماذاrdquo; واكتفوا بـ rdquo; كيفrdquo; وبين الفينة والأخرى يتحرشون بـ ldquo;متىrdquo;، وكان لايبنز هو الأجرأ في القرن السابع عشر عندما تساءل :rdquo; لماذا هناك شيء ما بدلا من لاشيء؟rdquo; وهو السؤال الذي ردده المفكرون والعلماء والباحثون والفلاسفة وفئات واسعة من النخب والمثقفين، فالبحث فيه شائك وصعب ومعقد وحساس كونه الأهم في الوجود ولم يتمكن من صياغته رياضياتياً علماء الرياضيات، وحده لايبنز Leibniz ، صاحب كتاب خطاب في الميتافيزيقيا Discours de meacute;taphysique ومختلق حساب اللانهائي في الصغر و ناحت مصطلح علم الأشكال التوبولوجيا topologie، هو الذي جهد للإجابة على هذا السؤال الجوهري رياضياتياً matheacute;matiquement، وكان الأب الروحي لكل علماء الرياضيات الفطاحل الذين أتوا من بعده. فهو أول من عارض مفهوم نيوتن Newton عن الزمن المطلق وأعتبره نسبياً قبل قرنين من آينشتين Einstein وكتب أيضاً :rdquo; أعتقد أن المكان هو وببساطة شيء نسبي كالزمانrdquo;.ثم أضاف متقدماً على عصره بقرون :rdquo; لا أعتقد بوجود مكان ولا زمان بدون مادة rdquo; وهو صلب وجوهر نظرية النسبية وله تأثير كبير على مسألة الأصل والبداية في الزمان والمكان. كما تجدر الإشارة إلى أن لايبنز Leibniz هو مكتشف الحساب المزدوج والثنائي أو المركب calcul binaire وذكر ذلك في مفكرة لأكاديمية العلوم بتاريخ 1703 تحت عنوان تفسير علم الحساب المركب أو المزدوج arithmeacute;tique binaire الذي يستخدم الرقمين صفر وواحد وذلك قبل 250 سنة من ظهور المعلوماتية ولغة الرياضيات الحاسوبية المزدوجة أو المركبة. وكان هو الملهم لعلماء ومنظري فرضية الكون ـ المعلومة Lrsquo;Univers information .

كان الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز Leibniz يمتلك عقلاً يسبق زمانه بقرون عديدة وصاحب مخيلة عقلانية وعلمانية مذهلة إلى درجة أن أفكاره وآرائه ونصوصه تستلهم إلى يومنا هذا من قبل فطاحل علماء الفيزياء والرياضيات المعاصرين الذين يعتبروه معلمهم الأول وعلى رأسهم آينشتين Einstein. وكان لايبنز أول من طرح فرضية الكون ـ المعلومة، الحاسوبية Lrsquo;Univers Information كما صارت تعرف اليوم في علم المعلوماتية informatique، ولغة الكومبيوتر ذات الأرقام الثنائية أو المزدوجة nombres binaire، التي سنتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً في سياق هذه الدراسة.

لقد بات بوسع العقل الإنساني، المتطور الحالي، الذي يتعامل مع تكنولوجيا الكومبيوتر والمعلوماتية والنانو تكنولوجيا والأقمار الصناعية والهاتف المحمول والكومبيوتر الكوانتي والحاسوب العملاق والانترنت والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة، أن يستوعب، ولكن ليس بالسهولة المتوقعة، مقاربة كونية بلغة حاسوبية والتي تقول أن الكون المرئي ولد من طوفان معلوماتي مشفر ومركز في مصدر واحد سمي بالنقطة صفر.

أياً كان تصورنا للواقع الذي نعيش فيه، فأننا في الغالب على خطأ. فقد يكون الكون المرئي مجرد حاسوب هائل بحجم الكون المرئي الحالي، ويمكن تفسير كل ما يدور فيه كمعالجة للمعلومات. حيث يبدو أن ظهور الجسيمات الأولية كان من حروف أو كائنات معلوماتية حاسوبية وجدت في عالم افتراضي عير مادي قبل الانفجار الكبير.

قد لا تبدو العلاقة بين الواقع والحوسبة واضحة من الوهلة الأولى، ولكن إن أزلنا الطبقات ـ التي تحجب عنا الواقع كما هو ـ فهذا بالضبط ما يظن بعض الباحثين أننا سنجد. نحن ننظر للعالم كجسيمات تربطها مجموعة من القوى، على سبيل المثال، ولكن نظرية الكم أو الكوانتا تخبرنا أن هذه الجسيمات ليست سوى حالة فوضى في حقول لا يمكننا وصفها إلا من خلال معادلات فيزياء الكم أو الكوانتا.
و هنا يدخل الكمبيوتر على الخط، على الأقل إذا كنت تفكر فيه من خلال المفاهيم الإعتيادية كشئ يقوم بمعالجة المعلومات بدلا من صندوق موضوع فوق مكتبك.

quot;يُعبَّر عن فيزياء الكم أو اكوانتا في مجملها كمعالجة للمعلوماتquot;، يقول فلاتكو فيدرال من جامعة أكسفورد. quot;و هذا يشير إلى أنك ستجد معالجة المعلومة كأساس لكل شيء.quot;
من المؤكد أن للمعلومة مكانة خاصة في نظرية الكم. مبدأ عدم اليقين الشهير - الذي ينص على أنه لا يمكن معرفة كمية حركة جسيم وموضعه في وقت واحد - يعتمد على المعلومة. و كذلك التشابك الكمي، حيث تتشارك الكائنات الكمية الخصائص وتتبادل المعلومات بغض النظر عن المسافة المادية بينها.

في الواقع، يمكن اختزال أي عملية في الكون إلى تفاعلات بين جسيمات و التي تنتج إجابات ثنائية: نعم أو لا، هنا أو هناك، أعلى أو أسفل. وهذا أن يعني الطبيعة، في مستواها الأكثر أساسية، هي ببساطة تقلبات لأرقام ثنائية أو بايتات، تماماً مثل جهاز كمبيوتر. و نتيجة هذه التقلبات التي لا تعد ولا تحصى واضحة في ما نراه عملية جارية لترتيب، وإعادة ترتيب و تفاعلات الذرات - أو بعبارة أخرى، إعادة رسم الواقع.

وفقاً لإد فريدكن من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إم آي تي MIT، اذا أمكننا أن نبحث بعمق داخل هذه العملية لوجدنا أن الكون يتبع قانونا واحدا فقط. عملية معالجة معلوماتية وحيدة هي كل ما تحتاجه لبناء كون. حسب وجهة نظر فريدكن، فإن هذا من شأنه أن يكون شكلا من أشكال العملية المنطقية quot;إذا كان - فإنquot; (If - Then)؛ هذا النوع من العمليات المستخدمة في الحوسبة التقليدية لمعالجة البايتات التي تخزنها الترانزستورات في رقاقة و التي تشغل البوابات المنطقية، ولكن في هذه الحالة مطبقة على بايتات الكون كاملا.

ويرى فيدرال و آخرون ان الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. لأننا يمكن أن نختزل كل ما في الكون إلى كيانات تخضع لقوانين فيزياء الكم أو الكوانتا physique quantique، فيجب إذن أن يكون الكون عبارة عن كمبيوتر كمومي أو كوانتي، بدلا من النوع الكلاسيكي الذي نستعمله يوميا.

أحد الأسباب التي تعطي لهذه الفكرة جاذبيتها، هو أنه في إمكانها تقديم جواب لسؤال: quot;لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء؟quot; العشوائية الكامنة في ميكانيكا الكم تعني أن المعلومات الكمومية - وبالتالي كون ما - يمكن أن تأتي الى الوجود بصورة تلقائية، كما يقول فيدرال.

رغم كل هذه الأفكار النظرية، يبقى إثبات أن الكون عبارة عن جهاز كمبيوتر كوانتي أو كمومي مهمة صعبة. و مع ذلك، هناك ملاحظة تجريبية تدعم فكرة أن الكون يتكون بشكل أساسي من المعلومات. في عام 2008، التقط كاشف موجات الجاذبية الجي إي أو 600 في هانوفر، ألمانيا، إشارة غريبة تشير إلى أن الزمكان مجزء إلى بيكسيلات. هذا بالضبط ما يجب توقعه من كون quot;هولوغراميquot;، حيث الواقع الثلاثي الأبعاد هو في الأساس إسقاط للمعلومات المشفرة على السطح ثنائي الأبعاد الذي يمثل حدود الكون (نيو ساينتست، 17 يناير 2009، صفحة 24).

نشأت هذه الفكرة الغريبة من نقاش حول الثقوب السوداء. أحد المبادئ الأساسية في الفيزياء هو أنه لا يمكن تدمير المعلومة، ولكن يبدو أن الثقوب السوداء تنتهك هذا المبدأ بابتلاعها لأشياء تحتوي على معلومات ثم تبخرها تدريجيا.

ما يحدث لتلك المعلومات كان موضوع نقاش طويل بين ستيفن هوكينغ والعديد من أقرانه. في النهاية، خسر هوكينغ النقاش، مسلّما بأن المعلومات يتم طبعها على أفق الحدث الذي يمثل حدود الثقب الأسود و تغادره و هو يتبخر. دفع هذا الفيزيائيين النظريين ليونارد سيسكيند وجيرارت هوفت إلى اقتراح أن الكون كله يمكن أن يحتفظ أيضا بمعلومات في حدوده - ما يترتب عنه أن واقعنا يمكن أن يكون إسقاطا لتلك المعلومات في الفضاء داخل حدود الكون. إذا كان هذا التخمين صحيحاً، فإن الواقع هو صورة هولوغرامية مجسمة.