لمقولة quot;السياسة بلا اخلاقquot; سوق عراقية رائجة. الحياة السياسية تؤمن بها، والمواطن يأخذها كمسلّمة.

تدمر هذه المقولة أي علاقة بين المجتمع والسياسي، القيمة الاخلاقية والمصداقية واحترام عقول الناس وعموم حقوقهم مبدأ الدولة الحديثة، الالتزام به شرط بناء الديمقراطية.
حتى مقولة quot;الغاية تبرر الوسيلةquot; المثيرة للجدل، يساء استخدامها. لو قبلناها، اين هي الغايات التي تبرر الوسائل؟. اهداف الحياة السياسية العراقية مثيرة للشفقة ولا تبرر الوسائل مع غياب المعايير الصريحة.. هي مصالح فئوية.
اواخر العام الماضي اندلعت تظاهرات الانبار، بعد اسبوعين او ثلاثة اعلنت مطالبها في بيان، واهمها؛ المادة 4 ارهاب، واجتثاث البعث. حينها انبرى التيار الصدري، دعمها ومطالبها، ووضع الى جانب الدعم، فقرة quot;المطالب المشروعةquot; كشرط. واندفع الزعماء السنة للعراقية باستثناء صالح المطلك، ليكونوا جزء من واجهة الاعتصامات في الانبار وصلاح الدين والموصل.
مطالب التظاهرات تنسجم مع مواقف العراقية وبرنامجها، اعلنت مرارا انها ضد quot;الاجتثاثquot; والمادة 4 ارهاب، وتتهم السلطة بانتهاك حقوق الانسان في السجون. عكس الصدريين، الذين يتخذون اتجاها مناهضا، كونهم داعمين لفكرة الاجتثاث.
المطالب المرفوعة في التظاهرات باستثناء بعض التفصيلات، ليست مشروعة بحسب رؤية الصدريين. لكن في النهاية تعاملهم غير المنفعل مع تلك المطالب، يسجل لهم عكس رئيس الحكومة نوري المالكي المتشنج، مثلما هو حاله في أغلب الازمات.
استخدمت المؤسسة السياسية الموالية للمالكي بالضد من الصدريين اسلوب التشويه، راجت مقولة quot;الصدر وقف مع الاعداءquot;، والامر في جوهره ليس كذلك. لكنها منهجية المزايدات والرقص على مشاعر الناس التي يتبعها من فشل في ادارة الدولة.
لعبة التشويه لا تقتصر على السلطة، لو اقتصر، لأصبح الامر اقل خطورة، سنتوقع الاصلاح بتغييرها. الصعوبة أن الآخرين انساقوا لشروط اللعبة ذاتها، وبانت العملية السياسية مكانا للنصب والاحتيال المتبادل. واقع حال يشمل مكافحة الارهاب والفساد والمليشيات... غياب الحد الادنى من الالتزام الاخلاقي والصدق يمنع أي تفاؤل بظهور قوة قادرة على خوض غمار عملية البناء.
في جلسة السابع من نيسان الحالي شهد مجلس النواب خلافات حادة وتبادل اتهامات بين نواب من كتلة الاحرار الصدرية وكتلة دولة القانون. موضوع الخلاف تعديل قانون المساءلة والعدالة، يرى الصدريون ان تعديل القانون quot;تكريم للبعثيين وانتكاسة لضحاياهquot;، بينما يؤكد نواب quot;دولة القانونquot; ان الامر جرى باتفاق جميع قوى التحالف الوطني الذي يضم جماعة الصدر.
المعركة بين الطرفين محاولة كسب انتخابي، السلطة اقدمت على التعديل ثمنا لعودة صالح المطلك اليها، ومساعدة له امام الجماهير المتظاهرة كي يعيد تأهيل قائمته انتخابيا بعد ان تعرضت لانتكاسة. وطبعا هذا سيؤدي الى منع خصوم المطلك وهم خصوم المالكي في المناطق المتظاهرة من ابتلاع الساحة في الاقتراع.
الصدريون كانوا بحاجة الى موقف مضاد يردء بعض الصدع الذي تعرضوا له بسبب دعمهم الاعلامي للتظاهرات. الوقوف ضد تعديل قانون المساءلة والعدالة يتيح تغيير بعض الصورة امام الناخب الطائفي، حتى وان كان الامر يناقض دعمهم للتظاهرات في السابق.
المفارقة الاهم تكمن في دور رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي. يتحدث النائب المنشق عن العراقية عبد الرحمن اللويزي عن ان ما جرى داخل مجلس النواب فعل quot;متعمد من قبل رئيسه لعرقلة اجراء تعديلات على القانون حتى وان كان هذا مطلبا للتظاهرات، لأنها ستحسب سياسيا لصالح صالح المطلك خصمه الرئيسي في مناطق التظاهرات. وهذا سيكون مصير كل خطوة يستفيد منها المطلك انتخابيا، في المستقبل القريبquot;.
ويرجح اللويزي quot;وجود اتفاق بين النجيفي وبعض الصدريين لتسهيل ما جرى في الجلسة، لأن مشروع تعديل قانون المساءلة والعدالة لم يكن مدرجا في جدول الاعمال ولا يصح مناقشتهquot;.
مثل هذا الكلام يسهل تصديقه مع طبقة سياسية لها سوابق. الاعتياش السياسي على التسقيط والدعاية والتعكز الانتخابي على اثارة المخاوف من الاخر لدى الناخب، عنوان كل المراحل التي مرت بهذا هذه العملية السياسية. الاطراف كلها تتعامل بهذا المنطق، لهذا لا يمكن الثقة كثيرا بظهور نظام سياسي يحقق الدولة.
والمأزق العراقي يتعمق لان خياراته الاخرى المعارضة للعملية السياسية تبدو اكثر سوء ممن هم داخل مشهدها، اولئك الذين يعيشون على quot;حقوق السجناءquot;، quot;محاربة المحتلquot;، quot;عروبة العراقquot;، quot;مناهضة الطائفيةquot;.. كلهم دكاكين للنصب والاعتياش ايضا.
ربما يوجد بعض القوى داخل العراق تملك نوايا حسنة، ولم تتلوث بما تلوثت به احزاب السلطة ومعارضو العملية السياسية.. لكن وسط مسرح النصب هذا لا يبدو ان لها فرصة تذكر.