لا يوجد وضع اخطر من غياب القانون سوى التطبيق الانتقائي والكيفي من قبل السلطة للقوانين.
عدم المساواة في تطبيق القوانين لا تفرغها فقط من محتواها وقيمتها، بل تجعلها سلاحا فتاكا لا يختلف عن كل الاسلحة غير الشرعية. تشترك الانظمة الفاشلة والفاسدة والمستبدة في ان قوانينها لا تخضع للمساواة، بل تكون متغيرا في بورصة الولاء والمعارضة. مثلما هو حال العراق؛ ملفات تفتح واخرى تغلق، السلطة تستخدم القانون عندما يكون ذلك في مصلحتها ضد خصومها.
مؤكد ان كون المرء معارضا لا يعني صك براءة له، وفي المقابل لا يجوز ان يحمي الولاء والتحالف مع رأس السلطة اولئك المذنبين والمتهمين. عندما تفتح ملفات الجرائم فلابد ان يكون ضد جميع المتهمين، لا ان تغلق لصالح البعض وتشرع ضد اخرين.
الان يلاحق سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي منذ 2004، وقبله رئيس هيئة النزاهة رحيم العگيلي، واعضاء مفوضية الانتخابات.. كل هؤلاء متهمون في عين الماسك بالسلطة.
من الصعب ان نحدد صحة الاتهامات الموجهة للشبيبي وغيره من بطلانها في ظل غياب الشفافية المتعمد، غير ان مختصين مطلعين على اداء المؤسسة النقدية الاولى في العراق يقولون ان اداء البنك المركزي كان جيدا، وان ادارته نجحت بحماية امواله واستقرار اسعار العملة، وان السياسة النقدية في العراق حققت النجاح الرئيس فيما يتصل بعموم السياسة الاقتصادية العراقية خلال السنوات الماضية.
المعارضون للاتهامات يجدون ان الحكومة انما سلكت هذا الطريق بعد ان عجزت في وضع يدها على قرار السياسة النقدية وفشلت في التحكم بالبنك المركزي، وسط صراع بين المؤسسات السيادية في العراق على تحديد الجهة التي ترتبط بها الهيئات المستقلة ومن بينها البنك.. الحكومة تصر على انها جزء من السلطة التنفيذية وتخضع لها، ومجلس النواب يؤكد على ان الدستور ربطها بالسلطة التشريعية.
الموالون للسلطة يدافعون عن هذه الاتهامات تحت شعار امر القضاء لا يرد ولا يبدل، ونسوا اننا ينبغي ان لا نتحدث عن القضاء العراقي وكأنه القضاء السويدي او الهولندي، هذا القضاء مصاب بما اصيبت به كل الانظمة في العالم الثالث، واكثر.
علاوة على ذلك فان المشكلة ايضا مرتبطة بهيئة النزاهة التي تصدر عنها اتهامات الفساد، رئيس الهيئة معين بالوكالة من قبل رئيس الحكومة وليس وفق المعايير المحددة في القانون المشرع مؤخرا، فهل يمكن ان تلاحق هيئة النزاهة فساد الحكومة ورئيسها معين من قبل رئيس الحكومة؟
ازيح محافظ البنك المركزي، واصبح المنصب شاغرا، وبات كحال هيئات النزاهة والاعلام والاتصالات... يدار بالوكالة. اجراء يأتي في ظل مخاوف على الاموال العراقية الموجودة في عهدة البنك المركزي من ان تصبح خاضعة لتصرف السلطة التنفيذية.. وفي ظل اتهامات بغسيل وتهريب اموال الى خارج العراق.
ما يجري تتحمله الطبقة السياسية بالكامل، هي طبقة منافقة، وزراؤها يصوتون على القرارات، ثم تخرج الكتل تصرخ بصوت عال للتسويق الاعلامي ضد هذا الاجراء او ذاك. هذا الضعف الرهيب سيعزز من اتجاه العراق نحو نمط جديد من الاستبداد.
quot;العراق الجديدquot; يتجه حثيثا نحو تطبيق انتقائي للقوانين، بعد ان حُيدت اغلب المؤسسات المفترض انها مستقلة.. مجلس النواب اضعف نفسه بمناكفاته السياسية وبدا معاقا بفعل قيادات كتله، القضاء الى الان لم يعد تشكيله وفق الدستور quot;الديمقراطيquot;.. رئاسة الجمهورية الحارسة للدستور تبدو في اسوأ ايامها. القادة المعارضون يفقدون مصداقيتهم لأنهم جزء من مشهد الخراب الكبير..
انه مشهد ما قبل انبعاث الخراب الاخير.. يساهم بصناعته الجميع، وبعض هذا الجميع سيقطف ثماره المرة. زمن ضياع جديد في حياة العراقيين.