كسبت كردستان صراعها على النفط مع المركز.
شركة quot;اكسون موبيلquot; الامريكية اكدت التزامها بالاستثمار في النفط الكردي، رغم رفض الحكومة العراقية. لكن حكومة الاقليم خسرت في مكان اخر. ملف التسليح كسبته حكومة المركز، حيث اعلن رسميا عن صفقة طائرات الاف 16، وهو ما يعارضه الكرد بشدة.
بين النفط والتسليح يمكن استكشاف الرسالة الامريكية quot;لا نعطيكم كل شيء ولا نسلب كل شيءquot;. لعبة توازن الامريكية قائمة على اساس عدم طغيان اي طرف على الاخر، بمعنى رفض سياسة الطغيان التي تمارسها كل من بغداد واربيل. وهذا يعني ايضا ان الجانب الامريكي يدعم استقرار كردستان واستقلالها اقتصاديا اضافة الى الاستقلال السياسي، بالتزامن مع دعم المركز ودوره. انها مركزية عسكرية مقابل شكل من الاستقلال الاقتصادي.
حتى الان يبدو ان القيادة الكردية لم تقتنع بهذه الرسالة، لهذا طالبت بتأجيل تسليم الطائرات. وهو ثاني موقف كردي معارض للسياسة الامريكية في غضون شهر. الاول كان انتقادات وجهت لتعيين السفير الامريكي الجديد بريت ماك غورك واتهامه بانه يميل للمالكي.
ومن غير الواضح وجود انعكاسات لهذه الانتقادات على شكل خطوات عملية على الارض يقوم بها الكرد. اظن ان ذلك صعبا، فالقيادة الكردية تدرك ان اي اندفاع بعيدا عن الولايات المتحدة ليس في صالحها، خصوصا وان التجربة اثبتت ان الامريكيين عاقبوا اكثر السياسيين العراقيين قربا لهم بسبب قيامهم بخطوات معادية.
فهل المشكلة تحل بمعالجة موضوعي النفط والتسليح؟.
تاريخ الصراع بين الاقليم والاطراف السياسية في بغداد هو صراع حول مكاسب خاصة. موضوع التسليح والنفط ليسا سوى انعكاس لخلاف وصراع اعمق بين البرزاني والمالكي، وهو صراع الذروة في العراق. عنوانه: quot;من سيكون الماسك بسكان الاصطفافات السياسية، اربيل ام بغدادquot;.
فرغم ان التحالف الكردستاني يأتي ثالثا او رابعا من حيث العدد داخل مجلس النواب، الا انه بقي بيضة القبان في التوازن الداخلي. وما حصل لرئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري مؤشر على هذا الدور، للأكراد الدور الرئيسي في منع التجديد للجعفري.
ويبدو ان اربيل شعرت بأن طبخة يديرها المالكي بشكل هادئ تسعى لتغيير هذه المعادلة، ولهذا كان اصراره على ان يكون المؤتمر الوطني في بغداد وليس في اربيل، وهو اصرار ووجه باصرار معاكس على اقامة المؤتمر في عاصمة الاقليم.
ربما انعقاد الاجتماع الخماسي (طالباني ـ صدر ـ برزاني ـ علاوي ـ نجيفي) يتضمن عدة رسائل احدها ان اربيل ما تزال هي بيضة القبان في المعادلة. وقد يكون هناك من بعث برسالة ترضية لكردستان باستضافة هذا الاجتماع.
غير ان قوة الزخم السابقة ما عادت كالسابق. ادوات اللعب باتت قليلة، في ظل انقسامات غير معلنة يعيشها ائتلاف العراقية، وعدم جدية زعيم التيار الصدري في الضغط على المالكي، وضيق مساحة الهامش الذي يمكن ان يلعب فيه تيار عمار الحكيم. الشخصيات التي تقف بالكامل ضد المالكي هي علاوي والهاشمي، لكن ليس معروفا ما اذا كان لهذين الزعيمين تأثير كاف على السياسيين القريبين عليهما. كما ان مواقف رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي تكشف عن ادراكه لاحتمالات أن مصيره في رئاسة البرلمان مرتبط بمصير المالكي في رئاسة الوزراء.
علاوة على هذا الموقف الامريكي يشير الى ان الاولوية اصبحت استقرار العراق، على الاقل حتى الانتخابات الرئاسية الامريكية. التصريحات الصادرة من القادة العسكريين والسياسيين بالتزامن مع الانسحاب اكدت هذا المبدأ، عندما اشارت الى الولايات المتحدة ستساعد العراق على البقاء موحدا ومحاربة الارهاب.
منذ ايام علق للسفير الامريكي جيمس جفري على رفض بعض السياسيين، خصوصا زعيم العراقية اياد علاوي، تعيين السفير الجديد بأن هذه مواقف لا تعبر عن مواقف الكتل بل عن مواقف لاشخاص quot;لم ترق لهم التطورات السياسية الاخيرة في العراقquot;.. هذا التصريح يعبر عن السياق الجديد للسياسة الامريكية القائمة على دعم الاستقرار كاولوية حتى على الديمقراطية.
فهل سيلجأ الكرد لخيارهم الاخير، تقرير المصير؟
الجواب على مثل هذا السؤال اختصره نائب كردي في كلام خاص quot;نحلم بدولة مستقلة يجمع الامة الكردية، ولكن الكرد يدركون ان اقامة تلك الدولة مخاطرة قد تعصف بهذا الحلم..quot;
يخاف الكرد عودة الدكتاتورية، وهي مخاوف الجميع. لكن الم يساهموا هم وغيرهم في اتاحة المجال امام هذا الوضع الشاذ، من خلال صناعة الفوضى وعدم المساعدة على الاستقرار؟.