من حق اي مدينة وابنائها الابتهاج بأن واحدا منها يصبح رئيسا لوزراء العراق بدون اللجوء لسفك الدماء. ومن المهم لأي وطن ان لا تكون السلطة حكرا على منطقة او مناطق بعينها. لكن حق المدينة هذا لا ينبغي ان يكون اضافة تتمايز بها على غيرها.
المالكي الشخص ينتمي لمدينة quot;طويريجquot; او quot;الهنديةquot;، هي ذاكرته، اصدقاء طفولته، منزل اهله، بستان عائلته، اولاد عمومته، هناك اشياء لها علاقة بعواطفه.. ولا حق لاحد بمنعه من حبها.
انما المنصب، منصب رئيس الوزارة، ينتمي للعراق، ومنصب رئيس ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة يهدم كل القواعد الانتخابية التي جعلت منه كتلة برلمانية قوية وليس لطويريج حصريا.
حضر المالكي احد المؤتمرات للاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين على تأسيس حزب الدعوة في هذه المدنية، ولم يحضره في الكثير من المدن الرئيسية الاخرى. هذا الاختيار والتصريحات الصادرة عنه خلال المؤتمر والرافضة لإقامة quot;الاقاليمquot; في الاحتفال تثير التساؤلات والشكوك. لأنها بالتحديد اخر مكان يفترض ان يفكر فيه لحضور مؤتمر تأسيس حزبه، كونها مسقط رأسه. هو لم يكن بحاجة ابدا الى مثل هذه الخطوة.
والعراقيون لديهم ذاكرة مريرة مع مسقط رؤوس الحكام، وكيف تحولت الى مدن مركزية وهي قرى او مدن صغيرة على حساب العاصمة والمدن الكبرى التي تمثل عمق ذاكرة العراق وهوية حاضره.
ان رئيس الوزراء طلب ان يقام المؤتمر الوطني لمعالجة الازمة السياسية في بغداد، رافضا اقامته في اربيل عاصمة كردستان بناء على دعوة مسعود البرزاني، لأن بغداد هي عاصمة العراق، وكثير من العراقيين فرح بهذا الاصرار. كيف اذن يخالف نفسه ليذهب الى مدينته ويقيم مؤتمرا لحزبه؟.
التعامل بهذه الطريقة يكشف عن رسالة مناطقية مقلقة، تضاف الى القلق الموجود اصلا من الخلط المتعمد بالمفاهيم بين الحاجة لقوة الدولة والاستبداد. خصوصا في ظل مؤشرات تدل على الرغبة بالترويج لفكرة quot;المستبد العادلquot; الواهمة، لمعالجة العنف والفوضى.
منذ اول انتخابات مطلع 2005 عقدت الآمال على دولة تحترم كرامة الانسان، حرياته، امنه، رفاهيته، تعليمه في وطن للجميع. لم يكن المطلوب تأسيس وضع سياسي افضل بقليل من النظام السياسي السابق، لا، ما دمنا تخلصنا من اكبر كابوس جاثم فلابد ان نفكر بانتقالة حقيقية تتيحها ثلاثية حقوق الانسان والرفاه الاقتصادي والتناقل الديمقراطي للسلطة.
ما حصل لم يكن كذلك، السلطة حتى الان تقارن نفسها بظلم النظام السابق، في حين ان المقارنة باطلة بكل المعايير كون صدام حالة شاذة قل وجودها في المنطقة والعالم. فان تكون افضل من نظام البعث لا يعني بالضرورة انك جيد، لأن هذا النظام اوصل العراق للقاع.
مؤكد ان الحالة السياسية والاجتماعية العراقية معقدة، وفرص النجاح في بناء دولة متكاملة خلال سنوات قليلة نادرة، لأن المالكي ليس الفاعل الوحيد، والجوار الاقليمي مارس كل اشكال الضغط، والوضع العراقي مفرغ من القابليات بفعل منهجية الافراغ ونمطية الحزب الشمولي الواحد وسياسة الحاكم الدكتاتور القمعي التي سادت لثلاثة عقود.
غير ان رئيس الوزراء يمسك بالمفصل الاهم في الدولة العراقية، ويمتلك من النفوذ والصلاحيات الكثير، كونه رئيسا لمجلس الوزراء، ولما يملك من قوة نيابية، علاوة على المساحة الاوسع التي تحتلها جماعته السياسية في ادارة تسع محافظات.
هذه المساحة والنفوذ والصلاحيات استفاد منها المالكي بقوة سياسيا، ولكن هذا النجاح السياسي لم يقابله نجاح مماثل انطلاقا من كونه رجل دولة في بلد يفترض ان يكون على بداية طريق ديمقراطية والمدنية ودولة quot;الرفاهquot;.
والاشارة الاخيرة التي اطلقت من quot;طويريجquot; تزيد من القلق، من السلطة وعليها ايضا، فهي قد تدخل دهليزا مظلما لا تستطيع ان ترى فيه الاخطاء والخطايا.