دفع المحيط الجغرافي باتجاه افشال التجربة العراقية بعد التغيير. الدور ذاته تلعبه الجغرافيا لتوجيه مسار quot;الثوراتquot; العربية او التصدي لها.
محاولات بناء ديمقراطية في العراق واجهت إقليما تكلس بالدكتاتوريات أو الأنظمة الشمولية أو الممالك الأسرية. ضعف التجربة العراقية المستجدة وعدم استقلال كثير من احزابها اعطى القوى الاقليمية الفرصة لأدوار سيئة.
فمنذ 2003 واجه العراق نظاما رسميا عربيا غير ديمقراطي quot;قومي ــ طائفيquot; فهم في الوضع الجديد تهديدا. واستخدم هذا النظام quot;قصة الاحتلالquot; كمنصة انطلاق للتصدي.
وواجه أيضا عقيدة شمولية ورغبة توسعية إيرانية تدرك أن الديمقراطية تهديد وجودي لأيدلوجيتها وعقبة أمام توسعها.
وسوريا أيقنت بان قص احد جناحي البعث يعني سقوط الغراب الذي خيم على الهلال الخصيب أكثر من أربعين سنة، لهذا اشتغلت بالضد من تجربة العراق تحت شعار quot;المقاومةquot;.
واستثمرت عدة بلدان إقليمية تنظيم القاعدة الذي يمتلك عقيدة دينية بمحرمات قليلة لغرض الضرب بقوة وتأزيم الوضع، مستفيدة من عدائه المعلن للغرب quot;الكافرquot; ومن قدرته العالية على التغلغل داخل المجتمعات المحكومة بأحقاد دفينة.
ما حصل في العراق يدل على أن التغيير في أي بلد من بلدان المنطقة لن يواجه فقط مشكلة داخلية بل عقباته إقليمية أيضا. أنظمة المنطقة تنظر لأي تجربة مغايرة لتوجهاتها تهديدا لها. لذلك فالتطور نحو الديمقراطية quot;غير الشكليةquot; يواجه عملا اقليميا مخربا.
وهذا ما يحصل في العالم العربي بعد البوعزيزي. فالمتغيرات الشعبية العربية تعاني من الانظمة التقليدية النشطة التي لم تشهد أي تغيير داخلي حتى الآن. هؤلاء اللاعبون أربعة: إيران والسعودية وقطر وتركيا.
المعايير المزدوجة لهذه المجموعة من الدول تؤدي الى توجيه التغييرات الحاصلة والانتفاضات العربية منطقة نفوذ وصراع إقليمي. ملامح هذا الصراع بادية في الصراع الداخلي. قوى الاحتجاج في اكثر من بلد اصبحت جزء من اصطفافات اقليمية بالضد من اخرى.
تتبادل ايران والسعودية وقطر والى حد ما تركيا الادوار في التعامل مع الحراك الشعبي، مرة مع واخرى ضد، كل بحسب اجندته. ولم تلتق هذه المصالح الا في حالات قليلة. الصراع الاقليمي وضع الحراك الاحتجاجي والثوري في زاوية لا يخدم اهدافه. الاهمية المفترضة تنبع من اولوياته الداخلية واهدافه الباحثة عن الحرية. كما ان الازدواجية الحادة في دعم الشعب هنا والوقوف ضده هناك تبيح لنا القول إن هؤلاء حولوا الثورات إلى منطقة صراع على النفوذ والولاء بدلا من ان تصبح منطقة تحول نحو الديمقراطية.
الانظمة quot;النشطةquot; والتي تملك المال والآلة الإعلامية والتأثير السياسي والطائفي تفتقر ايضا الى الرؤية الديمقراطية، ما يجعلها تقلق من تحولات ديمقراطية لبلدان الثورات، وتسعى للحيلولة دون ذلك. إن نشوء اي ديمقراطية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يعني بالضرورة تهديدا لنظم أخرى غير ديمقراطية.
تبدو تركيا الأكثر ديمقراطية بين الدول النشطة اقليميا، الا ان حراكها ليس بريئا أيضا، مخاوفها القومية وأحيانا معاييرها الطائفية تحدد جانبا من سياستها.
ما حصل في العراق من تدخلات وصراعات اقليمية بدت ملامح حصوله في بلدان عربية اخرى ترفع شعار البحث عن الديمقراطية هدفا لاحتجاجات مجتمعاتها. فالدول الخائفة من انتقال التجارب اليها لن تقبل التحولات الى الديمقراطية في بلدان التغير.
مؤكد ان الانتقال الديمقراطي فعل اجتماعي عميق يستدعي عقودا من الجهود، وليس مجرد عملية انتخابية، لكن ان تبدأ الشعوب بخطواتها من غير الاعيب المجاور quot;غير الديمقراطيquot; تواجه مشكلات اقل.
انتكاسات عديدة تنتظر التحولات ان لم يجر تغيير في كل بلد شرق اوسطي يفتقر لحقوق الانسان والحريات والمساواة والتناقل السلمي للسلطة، كي لا تحاول اي قوة اقليمية من اللعب بمصير تلك التحولات انطلاقا من مصالحها ومخاوفها. ولا ننسى اللاعب الاسرائيلي المعني بوجود انظمة تدافع عن مصالحه وليس عن الشعوب، ولهذا اللاعب قصة اخرى.