انشغالات الساسة في العراق ليست نفسها اولويات المجتمع. القطيعة عنوان العلاقة بين المجتمع وسياسيي السلطة والمعارضة.

نتذكر quot;تظاهرات الكهرباءquot; الشهيرة في البصرة في العشرين من حزيران 2010، والتي راح ضحيتها احد المتظاهرين. الفرقاء السياسيون حينها انشغلوا في الصراع على السلطة بعد الانتخابات، وتصريحاتهم الداعمة لحقوق المتظاهرين بقيت في حدود التسويق الاعلامي، فلم تأخذ ولو مكانا صغيرا في اجندة التباحث السياسي.

وفي الخامس والعشرين من شباط 2011 انطلقت تظاهرات طالبت بمكافحة الفساد والخدمات والاصلاح. على الطرف الاخر ايضا الشركاء المعارضون طبلوا اعلاميا للتظاهرات، الا ان مباحثاتهم لم تتطرق مطلقا لمطالب المتظاهرين، بل تركزت على نقطة واحدة quot;تشكيل مجلس السياسات الاستراتيجيةquot; المبتدع باتفاقات كاذبة بين الفرقاء.

المشهد العراقي غالبا ما حمل هذين التناقضين؛ مطالب شارع ومطالب ساسة. المجتمع يريد حقوقه، والساسة يبحثون عن مكاسبهم، الفرد العراقي يبحث عن لقمة العيش والخدمات والكرامة والحريات، والسياسي العراقي ينقب عن المال والمنصب والاجندة quot;المشبوهةquot;.

سيقال ان الكتل السياسية في النهاية تتصارع من اجل المكاسب، هذا جانب من الحقيقة، الجانب الاخر هو ان حصولها على المكاسب لابد ان يقترن بدفاعها عن quot;مكاسبquot; مجتمع هو وحده من يضفي الشرعية عليها.

ومن العدل القول ان معادلة التقاطع بين مطالب الناس واولويات الساسة تشمل الجميع.

فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يمتلك quot;مطبخاquot; سياسيا قويا، لكنه لا يملك مطبخ دولة قادر على انضاج المؤسسة وتدعيمها، انه منشغل بملاعبة خصومه. صمت كثيرا عن امين بغداد رغم سوء ادائه، بينما تحرك بسرعة لاقالة نائبه لاسباب quot;سياسيةquot;.

زعيم ائتلاف العراقية اياد علاوي عادة غائب عن المشهد المتصل بمطالب الناس، حضوره مركز على قضيتي وزارة الدفاع وquot;مجلس السياساتquot;. فهو لم يتحرك للدفاع عن الحريات، في حين كلما ظهرت ازمة سياسية لاح بمؤتمر او لقاء صحفي يطالب بتنفيذ اتفاقات اربيل.

قيادات العراقية الاخرى مشغولة بالصلاحيات والدور الموكل وحكومة الشراكة، بلا أي دور يذكر للوضع الاجتماعي والاقتصادي والخدمي من خلال المناصب التي يشغلوها.

ورغم ان التيار الصدري، احيانا، يهتم بشؤون قواعده الشعبية، الا انه ايضا طالما انشغل بجوهر الصراعات السياسية، خصوصا مع المنشقين عنه، بعيدا عن اهم اولويات المجتمع للمرحلة المقبلة.

هذه الحالة تنطبق بدرجات متفاوتة على المجلس الاعلى وحزب الفضيلة والحزب الاسلامي... وهي ايضا تشمل اولئك الذين خرجوا من اللعبة بدون مكسب.

الكتل quot;المنتخبةquot; بل والقوى quot;العلمانيةquot; خارج مجلس النواب، تطالب كافة بعقد مؤتمر وطني لمعالجة الازمة السياسية، في حين لم ينبر اي من هذه الجماعات ليطالب بعقد مؤتمر وطني لمعالجة قضية الكهرباء، او البطالة، او سوء معاملة العراقيين في الخارج، او قصة انهيار القطاع الصحي، او ضعف اداء المؤسسة التربوية، او عدم كفاءة الجامعات العراقية، او تريف المدن الكبرى، او موضوع الفساد......

غياب quot;اولويات المواطنquot; عن محفل الصراع السياسي يكفي دليلا على عدم الالتزام تجاه المواطنين باداء المسؤوليات الا من خلال شعارات تطرح عبر قنوات اعلامية في اطار الترويج والتسويق والصراع.

ويتحمل المواطن ايضا مسؤولية مهمة في هذا الصدد، لأنه لم ينتخب هؤلاء لالتزامات تخص الناس، انما وفق منطق الاصطفاف السياسي والطائفي والقومي والقبلي. او لأنه قاطع الاقتراع.

الانتخابات الاولى مطلع عام 2005 شارك فيها 75% من العراقيين، رغم ان اغلبية المكون السني قاطعتها، ورغم ان الذهاب للاقتراع حينها كان محفوفا بخطر الاستهداف الارهابي. بينما انتخابات 2010 لم تشهد سوى مشاركة 55% رغم مشاركة المكونات الثلاث الرئيسية، ما يعني رفض شرائح واسعة من الناس للكتل السياسية.

فمتى يتحول هذا الرفض السلبي quot;المقاطعةquot;، الى مشاركة تصوت لاسقاط هذه الطبقة السياسية في المستقبل، او على الاقل وضعها امام مسؤولياتها؟
وهل المجتمع، اصلا، مؤهل لتكوين بدائل مناسبة؟