quot;الأمريكيون يدعمون عودة العراق اقليميا شريطة ان يكون ضمن تحالف ستراتيجي معهم، قد يغضب هذا حلفاءها في الخليج، والإيرانيون حذرون لأنهم يريدون دورا بشروطهم. وحتى الان البلد لم يحدد ما يريدquot; هذا الكلام لقيادي في الائتلاف الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
التطورات الأخيرة خصوصا حراك العراق فيما يتصل بالأزمة السورية تشير إلى محاولات السلطة العراقية البحث عن دور، وهي محاولات مشكوك بامكانية تحققها. سعد المسؤولون العراقيون بزيارة أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي. وهي الأولى من نوعها، كون الزيارات السابقة جاءت لمناقشة شأن عراقي بحت، بعكس هذه الزيارة التي خصصت لمناقشة شأن اقليمي. إلا ان الأحداث والتصريحات والمواقف العراقية تكشف عن ضبابية في الرؤية لدى الدبلوماسية العراقية فيما يتصل بحراكها إقليميا. هناك إرباك في أكثر من حالة، وتصريحات مشوشة. وحتى المبادرة في سوريا هي محاولة وساطة وليست مبادرة.
وفي هذه المبادرة تحديدا يكمن التحدي الاكبر. البداية العراقية صعبة جدا، فالحراك الخارجي يحصل في اخطر الملفات واكثرها تعقيدا، وهو الملف السوري. السلطة العراقية في هذا الملف محرجة بين quot;الدور الاخلاقيquot; والمصلحة الوطنية ولعبة التوازنات الاقليمية والصراعات الداخلية. والعراق في هذه اللعبة بالتحديد، متهم عربيا، او تحديدا خليجيا. واطراف سورية وعراقية ترى ان الموقف العراقي يتماهى مع ايران في القضية السورية، ولهذا تعارضه. ايضا تصطدم الرغبة العراقية بلعب دور بعقبة اقليمية. فهناك مؤشرات عدة تدل على ان بعض الدول ولاسباب سياسية او تاريخية او اقتصادية... لا ترغب بذلك. والارباك الداخلي يعد العامل الرئيسي في العقم الخارجي العراقي، ونجاح الاخرين بتحجيمه. فالعراق الى الان لم يجد تموضعه النهائي في معادلة التوازن داخل المنطقة. ومرجع ذلك عوامل خارجية وداخلية. المنطقة منذ 2003 شهدت عودة الصراع بين معسكري quot;اعتدال ـ ممانعةquot;. المعتدلون اصدقاء الولايات المتحدة او حلفاءها، والممانعون هم اعداؤها ومخاصموها.
اطراف العملية السياسية الرئيسية المرعية امريكيا خلال هذه السنوات كانت تملك علاقات فاعلة بخصوم الولايات المتحدة في المنطقة، وهم دول الممانعة. والمفارقة ان المتخاصمين العراقيين موزعون بين الصديقين الايراني والسوري quot;الممانعينquot;. هذا الوضع اربك السياسة العراقية بشكل كبير. بعد ذلك اتسعت رقعة الولاءات لتشمل تركيا والخليج ايضا. وتاه العراقيون في سياستهم الخارجية بفعل هذا الانقسام والتشتت بين البلدان الاقليمية. وبقيت وضع البلد خارجيا متأرجحا الى حد كبير بحسب الولاءات، وتشتت بين الرعاية الامريكية من جهة والدور الايراني البارز من جهة ثانية وادوار عربية وتركية اخرى من جهة ثالثة. وبذلك انعكس الصراع بين quot;الممانعينquot; وquot;المعتدلينquot; على الداخل العراقي، ما افقد البلاد وجود سياسة عراقية، وحلت بدلها توجهات الكتل السياسية.
خلال سنوات لم تمر على البلد قضية خارجية تقتضي موقفا الا وكانت قصة انقسام داخلي شديد. مثلا، يعد ملف مياه دجلة والفرات من الملفات العالقة مع تركيا وايران وسوريا. فلم يكن هناك موقف موحد، بل كل ذهب لاتهام بلد والسكوت عن اخر.
وهذا ينطبق على كل القضايا الخارجية الاخرى مثل ملف العلاقة مع الولايات المتحدة، وموضوع اتهام سوريا بالوقوف وراء تسرب المقاتلين العرب، واتهام ايران بدعم المليشيات، واصرار السعودية على مقاطعة عراق ما بعد صدام، ومشكلة الموانئ مع الكويت، واقامة القمة العربية.
في المعادلة الاقليمية، لا وجود للعراق، انما احزاب سنية واخرى شيعية وثالثة كردية. حتى في الزيارات الخارجية نجد ان رئيس الوزراء يرافقه وفد لا يمثل الجميع، والامر ذاته ينطبق على رئيس مجلس النواب. كما ان قادة الكتل دائما يتجولون بدون صفة رسمية للقاء زعماء الدول الاخرى ومسؤوليها.
الان الوضع العربي اختلف كثيرا، فما عادت quot;الممانعة والموالاةquot; لوحدها تمثل اصطفافات المنطقة، هناك بلدان اسقطت انظمتها واخرى تعاني من صراع، وثالثة تبحث لها عن دور من خلال دعم الثورات او معارضتها. ودول رابعة تسعى لابعاد شبح التغيير او التفكك عنها بخطوات استباقية داخلية وخارجية.
وسط كل هذا، الصراع الطائفي الاقليمي احتدم اكثر من اي وقت مضى، ليخرج من اطاره داخل البلد الواحد ويصبح اصطفافا اقليميا ضد اخر. وهو اخطر من قصة الممانعة والموالاة، كونه يضرب بجذور السلم الاهلي ويحفز بشكل مستمر على الانقسام داخليا واقليميا.
هذا الوضع الجديد يعزز الانقسام الداخلي العراقي، فهو متماه معه، وهذا يكرس quot;غياب العراقquot; عن السياسة الخارجية، وحضور العراقات كبديل له.
هذا ليس شأن الكتل النيابية فقط، بل الحكومة لم تستطع ان تسير في مسار واحد يفي بعمل الفريق الواحد على اقل التقديرات. بمعنى ان السياسة الخارجية، قد تأخذ شكل حكوميا او نيابيا او رئاسيا، لكنها في المضمون ليست اكثر من اجندة متقاطعة لمجموعة احزاب.
العلاج ليس باصطفاف عراقي مع الممانع ضد الموالي او بالعكس، ولا مع الاصطفاف الشيعي ضد السني... فهذه الاصطفافات تبقى وقتية، وستنهار وينهار ابطالها بالتزامن. المهم الان هو معرفة اين هو العراق من هذه المعادلة.
وكيف للعراق ان يلعب دورا، او يمارس مهامه، وهو حتى الان عاجز، او خائف، عن تحديد شكل علاقته بالثلاثي الاساسي؛ الولايات المتحدة، وايران والعالم العربي؟
ليس العراق الموحد عاجزا فقط.. انما كل فصيل سياسي اصبح مشتتا وبدون قدرة على تحديد مساراته اقليميا.
التعليقات