في عام 2005 حُل quot;تجمع الديمقراطيين المسقلينquot; بعد ان ترشح رئيسه عدنان الباججي لشغل منصب رئيس الجمهورية او نائبه تحت عنوان كونه شخصية سنية.

التجمع الذي طرح نفسه كوجود سياسي ذي توجه ليبرالي يعارض الطائفية السياسية وجد رئيسه يلجأ يقبل يترشح على اساس مذهبي لمنصب في الحكومة الانتقالية انذاك، وقتها اعلن مهدي الحافظ الذي شغل منصب نائب رئيس التجمع انفكاكه واخرون عن الباججي، فيتفكك التجمع لعدم قدرته على مواجهة الانقسامات الطائفية داخليا، وانقلابه على ليبراليته التي تفترض التصدي لأي نوازع طائفية وعدم اللجوء لأي تموضع مذهبي للحصول على مكاسب سياسية.
بعد مرور اكثر من ستة اعوام مذ ذلك التاريخ، وبعد ان هدأت العاصفة الطائفية التي احرقت السلم ووضعت مستقبل التعايش على كف عفريت، تعود المخاوف مجددا، ليس في الشارع فقط بل انها مخاوف يطرحها سياسيون ومسؤولون وزعامات..
فجريمة quot;قضاء النخيبquot; التي قتل فيها اكثر من عشرين عراقيا اغلبهم من كربلاء ورد الفعل المتمثل باعتقال عدد من اهالي الانبار، تبدو وكأنها رسالة رعب بـأن الطائفية يمكن ان تعود الى الشارع، وان النفوس ما تزال لم تهدأ بل هناك ما يغذيها.. وان من نفذ العملية يسعى لإشعال النار تحت الرماد.
العملية فيها لمسات تنظيم القاعدة لإثارة الكراهية الطائفية والقومية، وهذا ما عمل عليه منذ سنوات في العراق وغيره، للوصول الى هدفه الابعد من الطائفية، وتعميم نموذجه الاصولي في كل الاوساط ومن يخالفه يكون حكمه الموت.
ورغم خطورة دور هذا التنظيم في تغذية العداوات والكراهية والانقسامات والاقصاء والقتل، الا انه ما كان يمكن ان ينجح في هذه اللعبة دون بيئة تناسب اهدافه، وجزء من هذه البيئة يحققها السياسيون انفسهم.
فالمتخوفون الذين طرحوا قلقهم على رؤوس الاشهاد من عودة الاقتتال الطائفي، عليهم ان يخجلوا قبل الاخرين ويسألوا انفسهم؛ مالذي قدموه خلال سنوات وجودهم في الحياة السياسية لمعالجة المأزق الطائفي العراقي؟
الطبقة السياسية هي اللاعب الاساس في معادلة الحكم وتقسيماته، وفي اصطفافات الانتخابات وتحالفاتها، وفي السلطة والمعارضة. والسياسيون قبل غيرهم من يفترض انه يملك العلاج للتخلص من الطائفية بكل تنوعاتها واشكالها.
وهذا ما افتقروا اليه، حيث لم تكن قصة التخلص من الطائفية السياسية اولوية حقيقية، كل ما حصل هو انهم في الغالب سوقوا للمخاوف من الطائفية وسعوا بنوع من الاستعراض الاعلامي الى ايهام الجمهور بمحاولة القفز عليها او معالجتها.
سيقال ان بعض الفرقاء السياسيين حاول التخلص من مأزق الطائفية من خلال اصطفافات انتخابية، حيث قامت بعض القوائم الانتخابية بالبحث عن حلفاء من طوائف اخرى، او الدخول في تحالف يقوده زعيم من طائفة ثانية..
هذا كلام في منتهى التسطيح وهو امتداد للتسويق الاعلامي الذي جرت عليه العادة السياسية خلال السنوات الماضية، فكيف يمكن لقوى طائفية، تكوينها وعمادها الاساس طائفة واحدة، ان تتخلص من مأزق الطائفية بمجرد ان تتحالف مع اخرين من طوائف اخرى؟
فالقوى الاساسية الحاكمة الان هي جزء من معادلة الطائفية...
ائتلاف دولة القانون تضمن شخصيات سنية، غير ان نسبة تمثيل هؤلاء داخله مضحكة ولم تكن ابدا محاولة جادة او ناجحة لطرح تحالف عابر للطوائف، كما يقال. واثبتت هذه القائمة بعد الانتخابات انها تكتل شيعي، وليس عابرا للطوائف.
ثم كيف يمكن لحزب ديني اعضاؤه من القيادات الى القواعد ان يكون قادرا على تجاوز الطائفية لمجرد انه تحالف مع شخصيات سنية تأثيرها محدود؟
كما ان الخطاب الوطني الذي استخدم من قبل quot;دولة القانونquot; تعرض مرارا لتطبيقات مناقضة تماما.

القائمة العراقية هي الاخرى زعمت لنفسها انها مشروع وطني يتجاوز الطائفية، ولذلك اعطت قيادتها لرئيس شيعي هو اياد علاوي، ولكن اضافة الى ان عددا كبيرا من شخصيات وقوى القائمة كانت وما تزال طرفا في صناعة الواقع الطائفي للعراق، اضافة الى هذا هناك مشكلة كبيرة كشفت عن نفسها داخل القائمة هي انها كسبت من زعيمها quot;الصوريquot; الترويج والاصوات ودعم دولي واسع ولكنها لم تعطه شيئا.
وما حصل بعد تشكيل الحكومة يثبت بوضوح ان هذه القائمة مسكونة بثنائيتي سني شيعي، وانها تطرح نفسها وطنية عند الحاجة وسنية اذا استدعي الامر، وطنية في الاعلام وطائفية في تقسيم المناصب.
فعندما طرح علاوي رئيسا للجمهورية قيل من داخلها: quot;اذا كان منصب رئيس الوزراء شيعيا ومن حصة قوى اخرى غير العراقية فرئاسة الجمهورية او رئاسة البرلمان لابد ان تسند للسنة من القائمة العراقيةquot;. وتوزيع المناصب تم على اسس طائفية داخلها، وليس بناء على معيطات وطنية.
والائتلاف الوطني الطرف الثالث في المعادلة جاء بشخصيات بعضها ليبرالي وبعضها سني وبعضها قومي، ولكنها جميعا لم تستطع ان تكون حاضرة في خطابه السياسي ولا في ايقاع ادائه الحكومي والبرلماني...
هذا اضافة الى ان كثيرا من معارضي العملية السياسية ممن امتلأت بهم افاق دول المنطقة والعالم ايضا طرف في لعبة الخطاب الوطني الشامل، والتطبيق الطائفي المختلط احيانا برائحة الدم العراقي.
لذلك ان المخاوف من الطائفية المطروحة اعلاميا والتحذيرات التي يصدرها الساسة تكشف عن ازدواجية في الشخصية السياسية العراقية، وعدم انسجام بين خطاب لحظة القلق ولحظة التطبيق والواقع.. فهذه الطبقة التي تحذر من الطائفية هي نفسها من تقاسم السلطة على اسس طائفية وقومية، وهي التي تبحث عن التوازن على اسس طائفية في ابسط مراكز الحكومة، بل ان ولاءاتها الخارجية هي ولاءات طائفية. الا يدعو هذا للقول ان هذه الطبقة شاركت القاعدة في تحقيق هدفها؟
ان مقومات البحث عن خيارات غير طائفية لا يبدأ من خلال الاصطفافات فقط، لانها بشكل واخر توزيع طائفي لتموضع بين شيعي وسني، انما يبدأ من خلال انشاء احزاب غير طائفية.. ورغم ان هذه المهمة صعبة، الا انها يمكن ان تتحقق اذا كانت القوى السياسية جادة في صناعة عراق لا تحكمه الطائفية.

ولو كانت تكفي مجرد الاصطفافات لكفت quot;تجمع الديمقراطيين المستقليينquot; المعروف بشخصياته quot;الليبراليةquot; التي اكدت انها فوق الطائفية، ليواجه بفشل امام اختبارات مبكرة.
اذن كيف تفلح في تجاوز الطائفية تحالفات اغلب اطرافها ليس ليبراليا، وموقف اكثرية تكويناتها من الطائفية مجرد لبوس ظاهري فرضه ظرف ما؟.

ما ينطق على هذه الاصطفافات وان حاولت ان تعطي لنفسها طابعا غير طائفي هو انها اصطفافات quot;الاخوة الاعداءquot;.. لكن الاخوين العدويين في رواية quot;جفري ارتشرquot; ادركا ان معركتهما لن تكون لصالح اي منهما بعد ثلاثة اجيال، فهل سننتظر ثلاثة اجيال ام اكثر، ام سيلجأ الجميع للخيار الاخير في تقاسم كل شيء حتى الارض لاعلان ثلاث دول؟.
اذا كان خيارهم الاخير فليريحوا العراقيين وليعلنوا عنه بدل هذا اللف والدوران المتعب والقاسي والدموي.