الامور تتجه نحو تمديد بقاء القوات الامريكية في العراق سنة اضافية. فالقوى الاساسية، باستثناء الصدريين، راغبة بذلك. وهي بحاجة الى بقاء هذه القوات، كل حسب توجهه ومصالحه واجندته. حاجة حزب الدعوة لبقاء هذه القوات نابعة من كون البقاء ضمانة جيدة كي يستمر بلعب دور التوازن بين الامريكيين والايرانيين، وهو دور يضمن مكاسبه باعتبار انها حل وسط بين الجانبين.. والمجلس الاعلى يخشى كثيرا ان يؤدي الانسحاب الى انفلات الامر عليه لدرجة يعجز معها عن المحافظة على مساحته الشيعية التي تراجعت كثيرا، لان الخصم الاخر المتمثل بالتيار الصدري قد يبتلع كل شيء.. العراقية تدرك جيدا ان عنصر التوازن الاساس لمستوى قوتها السياسية لن يكون ممكنا الا برعاية امريكية، خصوصا مع خوفها من النفوذ الايراني ان حصل الانسحاب.

فرغبة هذه القوى ببقاء بعض من العسكر الامريكي تبدو مسلمة سياسية في العراق سواء اعلنت ذلك او لم تعلن. القضية الاهم تكمن في التفاصيل وفي الاليات التي بموجبها يمدد للقوات الامريكية، وفي تخوف الكتل النيابية، ما عدا التحالف الكردستاني، من اتخاذ موقف علني موافق.. فهناك قوى سياسية لا تريد ان تكون في واجهة التمديد كي لا تدخل في مواجهة مباشرة للرغبة الايرانية. وقوى اخرى طالما رفعت شعار مقاومة المحتل وجعلته جزء من اجندتها السياسية، تدرك جيدا ان الدفاع عن وجود القوات الامريكية سيفرغ ذلك الشعار من محتواه ويفوت عليها فرصة استخدامه مجددا في المستقبل.. اما رئيس الوزراء نوري المالكي فإنه يبدو هذه المرة غير قادر على ان يتحمل تبعة القصة لوحده، خصوصا مع رفض بعض حلفائه الرئيسيين في الداخل والخارج لأي وجود امريكي في العراق بعد 2011.

وقبيل الوصول الى قرار واضح بشأن مصير القوات الامريكية، يسعى معارضو المالكي المشاركون في حكومته الى استثمار حدث التظاهرات بعد انتهاء مهلة المائة يوم التي حددها لتقييم اداء الحكومة. فهذه التظاهرات تعطي مزيدا من الوقت للمناورة، ويتوقع البعض انها ستؤدي الى تغييرات في المشهد السياسي.

الا ان هذه البحبوحة من الزمن لن تغير في المعادلة الكثير، حتى وان سقطت الحكومة. وبقاء القوات الامريكية او انسحابها يبدو تحديا كبيرا او مأزقا شديد التعقيد سيواجه الكتل السياسية، مع حكومة يقودها نوري المالكي او يقودها غيره بل وحتى في حالة اللاحكومة.. التأخير ربما يتيح مساحة زمنية اطول لتدارس الموقف. لكن في النهاية هناك اختبار لقدرة القوى السياسية على التعامل، بعيدا عن منهج النفاق السياسي، مع ملف القوات الامريكية باعتباره اهم ملف في الوقت الحالي.

هذا بالنسبة للقوى الراغبة، ماذا عن الصدريين؟
يوحي الاستعراض الذي قام به جيش المهدي مؤخرا الى ان التيار الصدري سيدفع باتجاه التصعيد في حال مدد للقوات الامريكية خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها زعيم التيار مؤخرا والتي هدد فيها بعودة quot;المقاومة المسلحةquot; في حال لم ينسحب الامريكيون.

وبسبب هذا الايحاء بات الجميع قلقا من ان يكون البقاء الامريكي سببا في تصعيد امني خطير. لكن الا يمكن ان يكون هذا الوضع الصدري مجرد تلويح بعصا لا يملكها التيار اصلا؟.

اي مراقب يدرك خطورة استخدام العنف في المرحلة المقبلة على التيار الصدري نفسه. فهو حصل على مكاسب انتخابية يصعب الحصول على مثلها، لانها مكاسب جاءت بتخطيط ذكي غير قابل للتكرار. والتعقيدات السياسية التي طرأت بعد الانتخابات ساعدته على ان يكون رقما صعبا في المعادلة الحكومية. هو بيضة القبان في تلك المعادلة ولديه مناصب كبيرة ومهمة من بينها نائب رئيس مجلس النواب ووزير التخطيط ووزارات خدمية اخرى.

واعلان استخدام السلاح سيجعل التيار في مواجهة اجماع وطني يؤدي الى التفريط بكل ما حصل عليه. ومثل هذا الفعل سيرجع الصدريين الى الوراء كثيرا. ومن يدري قد يستطيع خصومه في الحكومة القيام باجراءات امنية وسياسية تطيح بكل طموحاته السياسية والى الابد.

غير ان لعبة المصالح الداخلية هذه، ليست وحدها التي تحدد خيارات الصدريين، بل هناك لعبة المحاور الاقليمية. فالتيار الصدري الذي يعد قوة اساسية داخل العراق يبقى ايضا جزء من خريطة اقليمية تمتد من ايران الى لبنان. لذلك تواجه المصالح الداخلية ايضا مشكلة الارتباطات الخارجية وسياقاتها واشتراطتها. ما يبقي احتمال التصعيد قائما في برنامج الصدر، اذا اقتضت سياسة المحاور الاقليمية ذلك.

فهل تدفع ايران باتجاه مواجه صدرية؟
الايرانيون قالوا وعلى لسان وزير خارجيتهم انهم يريدون انسحابا امريكا كاملا وفق الاتفاقية المبرمة بين العراق والولايات المتحدة. غير ان هذا التصريح ربما يكون مجرد رسالة ايرانية الى الامريكيين تتضمن الدعوة لمشاورات جديدة سرية او معلنة بين الجانبين، لعقد صفقة ما. خصوصا ونحن نتحدث عن براغماتية ايرانية تعادل تلك الامريكية، لاحظناها بوضوح قبيل ابرام الاتفاقية بعد اكثر من لقاء واجتماع جمع مبعوثين من ايران وامريكا على الارض العراقية.

حتى الان لا توجد معطيات مهمة تدل على احتمال حصول اتفاق ما او اجتماعات تشاورية. فالعلاقة بين الجانبين الامريكي والايراني متوترة اكثر من السابق، والمشكلات بينهما تزيدها التغييرات الاقليمية تعقيدا. وان هذه التعقيدات، خصوصا فيما يتصل بمجريات الحدث في سوريا، تجعل ايران في وضع محرج، وهي اليوم بحاجة اكثر الى الحوار مع الامريكيين.

فما هو الموقف الامريكي من الحوار مع ايران؟
تصريحات السفير الامريكي في العراق التي قال فيها quot; ان القوى السياسية بمختلف تسمياتها لم تعلن عن موقفها لنا بشأن البقاء او الإنسحابquot; تكشف عن صيغة جديدة في التخاطب، فهو لم يتحدث عن الحكومة بل عن القوى، والتصريحات تدل على الدعوة لموقف معلن للكتل السياسية.

مثل هذه الدعوة والدعوة الاخرى التي وجهتها السفارة الامريكية في بغداد مؤخرا الى التيار الصدري للحوار تبدو وكأنها معالجة امريكية انطلاقا من الداخل العراقي.. لأن وضوح مواقف الكتل السياسية والدخول في حوارات مباشرة مع تلك الكتل خطوات تساهم في ان تكون حصة التسوية مع الداخل العراقي اكثر من التسوية مع دول الجوار.

تنبيه من الكاتب: هذا المقال وكل مقال ينشر في قسم quot;كتاب اليومquot;، كتب خصيصا لإيلاف وأية إعادة نشر له من دون ذكر المصدر إيلاف، تسبب ملاحقة قانونية.