quot; أغلب الثورات في عالمنا العربي والإسلامي تبدأ من الشريحة الإسلامية وبقيادة علماء الدين وتنتهي إلى غيرهمquot; هذا ما قاله رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي.
هل يؤمن المالكي فعلا ان الثورات اسلامية او على الاقل يقودها رجال الدين؟
ابسط متابع للحدث العربي يدرك ان الاسلاميين ليسوا فرسان الثورة، الحدث العربي من صنع جيل المدونين، او لنقل انهم شرارته الاولى. مجمل هذا الجيل ليس اسلاميا، هو يمثل شريحة اكثرها من حليقي اللحى. وان الداعية المصري يوسف القرضاوي يوم خطب الجمعة في التحرير بعد الثورة لم يكن بين جمهور المنصتين سوى القليل من شباب الثورة.
وحتى التجارب الثورية في بلدان المنطقة قبل quot;الربيع العربيquot; الاسلام السياسي ورجال الدين ليسا الصانعين الوحيدين لانطلاقاتها. من يرجع بالذاكرة الى انتفاضة العراق عام 1991 يدرك ان شرارتها لم تكن من صنع رجال الدين، بل التحقوا بها فيما بعد، وان الاسلاميين بقوا في كل فترة انتفاضة الشعب ضد النظام على الضفة الشرقية من شط العرب في البصرة ولم يعبروا quot;رسمياquot; الى الضفة الغربية.
وثورة ايران التي توصف بـquot;الاسلاميةquot; هي ايضا صناعة مشتركة بين الليبراليين الوطنيين واليسار الايراني ورجال الدين، وهيمنة quot;الراديكالية الدينيةquot; لم تتحقق الا بعد ذلك بسنة او اكثر.
البعض يعتقد ان رئيس الوزراء المالكي انما قال كلامه لانقطاعه التام عن الواقع وعدم ادراكه له. وما كان ليقوله لو عرف الحقيقة القائلة ان الثورات العربية صنعة شباب لا ينتمي للاسلام السياسي. يبدو هذا الاعتقاد خاطئا، فالموضوع اعمق من ان يوصف ويصنف على انه غباء او قطيعة مع الواقع.
يمكن قراءة تصريحات رئيس الوزراء العراقي من زاوية اخرى. زاوية تكريس quot;الحق الاسلاميquot; المطلق في الحكم، ليس استنادا للشرعية الانتخابية فقط، بل ايضا للشريعة الثورية ايضا. خلال المنعطف الثوري الاخير نظر اغلب الاسلاميين للامور من خلال هذه الزاوية.
ضمن هذا السياق تندرج تصريحات مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي ورجل الدين البحريني عيسى قاسم عن ان الثورات تمثل quot;صحوة اسلاميةquot;.
ولا تبتعد كثيرا عن quot;الصحوةquot; تصريحات الداعية اليمني عبد المجيد الزنداني quot;إن ما يحدث فى العالم العربى من ثورات هى مقدمة لإقامة الخلافة الإسلامية فى عام 2020quot;.
وهناك ايضا ماقاله الرجل الثاني في حزب النهضة الاسلامي التونسي حمادي الجباليquot;يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسةquot;.
وحرص رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل على القول ان الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع منذ اول خطاب يندرج ضمن هذا السياق. فضلا عن تصريحات السلفيين في مصر وسوريا وحزب التحرير في تونس وهي اكثر تصريحا في هذا الصدد.
الى منطق quot;الصحوة الاسلاميةquot; وquot;الخلافة الاسلاميةquot; هذا ينتمي تصريح المالكي، انه الحديث الذي يسعى الى تقديم قراءة للواقع تكون بديلة عن الواقع نفسه. انها القراءة الايديولوجية التي تحاول اسلمة الثورات والمجتمعات فضلا عن اسلمة الانتخابات.
الاسلاميون، مهما اختلفت طوائفهم، ينظرون للحدث العربي من منظار quot;ايديولوجي ــ عقائديquot; يُخضع كل الحالات والظواهر والاوضاع الى قراءتهم الساعية لتغيير الحقائق على الارض، انهم يغيرون الوقائع من خلال وضع تفسيرات عقائدية له. هم خلال اكثر من قرن كانوا يصرون على انهم مصدر كل التحركات الشعبية ذات المطالب العادلة.
ولا يحيد كلام المالكي عن هذا المنظار. هو مقاربة عقائدية للواقع ، تفسيره وفق منطق فوقي، بهدف تغييره ودفع الاخرين لتصديقه. الثورات، وفق هذا المنظار، ليست فعلا مدنيا جاءت بالاسلاميين، بل فعل اسلامي متواصل بالجهاد الطويل، واليوم عليهم استثماره.
ولا يكتفي زعيم quot;حزب الدعوة الاسلاميةquot; بالحديث عن تفجير الاسلاميين للثورات بل يبعث برسالة ارشادية quot;هؤلاء العلماء يدفعون الثمن غاليا من دماء ومعاناة وسجون خلال الثورات، إلا أنها تسرق لقلة الوعي وتحمل المسؤولية.. الثمار لن تأتي من الثورات حال نجاحها وإنما نحتاج إلى إدامة للعملquot;.
وكأن quot;الزعيم الاسلاميquot; الذي خبر السلطة والصراع مع الخصوم يحذر زملائه quot;العقائديين حديثي النجاحquot; من محاولات الالتفاف والاقصاء وسرقة الثورة من قبل الاخرين.. انها رسالة أن على الاسلاميين ادامة العمل لتحقيق النجاح، وعدم الاكتفاء بالثورة quot;التي فجروها همquot;.
وليس خافيا ان رئيس الوزراء العراقي، الباحث عن دور اقليمي، يغازل القوى الاسلامية العربية، عبر اعطاء انطباع بالخوف والخشية والقلق عليها، كجزء من التوافق quot;ايديولوجياquot; مع تلك القوى. انه التماهي بين الاسلاميين، المدافعين عن فكرة التيار الاسلامي الواحد، حتى وان اختلفت التجارب والمذاهب.
فالقوى الاسلامية بكل تلويناتها تنظر لما يحصل على انه، صحوة، ثورة، نهضة اسلامية تمثل الفرصة السانحة القادمة بعد نضالات عقود وكر وفر مع الانظمة. فرصة تحقق لهم اسلمة المجتمع، ومن ثم اسلمة الدولة او على الاقل منع البديل الليبرالي.
هناك من يفسر ما قاله رئيس الوزراء العراقي على انه يعني الثورات ضد المستعمر وليس الثورات الحالية. ظرف الكلام وظاهره لا يساعدان على مثل هذا التفسير.. فالاسلاميون اليوم يدركون ان الفرصة لن تعود ان ذهبت، وان الشرعيتين الثورية والانتخابية، التضحيات والنجاح هما الميزان فيه، وما لغيرهم سوى دور فتيت.